المنشورات

مميزات المصور الصحفي:

وقد رافق التغيرات التي أصابت التصوير الصحفي تغير في دور المصور. فلم يعد المصور ذلك الرجل الذي يلتقط الصور للصحيفة والذي كان ينظر إليه على أنه مخلوق يستأهل الحب ولكنه بطيء الفطنة والتفكير، كان خليقا بأن يكون مخبرا أو محررا لو كان يمتلك قسطا أكبر من الذكاء والموهبة والاقتدار. ومع أن هذا المفهوم كان له نصيب من الشعبية والانتشار يفوق نصيبه من الصحة، فإن الحقيقة الواقعية هي أن المصور قلما كان أكثر من عامل يعتمد على إدارة آلة التصوير. غير أن هذا المفهوم قد تغير تماما، وأصبح المصور الصحفي ليس مصورا فقط وإنما هو صحفي أيضا يتمتع بعدة مزايا أهمها الحس الفوتوغرافي والقدرة على التحليل والموازنة وإتقان فنون التصوير من تشغيل للآلات إلى استخدام للمعدات وكذلك عمليات التحميض والطبع والتكبير والتصغير وغيرها. هذا فضلا عن العناية بالقيم الأخبارية والدراية الواعية بأساليب معاملة الناس، مع إلمام بالنواحي القانونية المتصلة بالنشر وجرائم السب والقذف، ومقدرة فائقة على العمل في الظروف الصعبة.
فليس المصور الصحفي مجرد صانع أو صاحب حرفة، ولكنه في حقيقة الأمر صحفي له رسالة فنان ينفعل بالأحداث ويتأثر بحسه المرهف، ويدرك المواقف ويقدرها تقديرا اجتماعيا بحسه الصادق. فإذا رأى منظرا مؤثرا لا يكتفي بذرف الدموع، بل تتحرك يده إلى زناد آلته ليلتقط صورا صادقة يعلم بذكائه الصحفي أنها لا بد وأن تحرك مشاعر الناس كما حركت مشاعره. وقد يشاهد المصور منظرا مضحكا فلا يكتفي بالضحك بل تتحرك أصابعه لتلتقط صورا معينة من زوايا فنية تثير الضحك بين القراء. أما بليد الحس الذي لا ينفعل بالأحداث ولا تتحرك مشاعره بمآسي الحياة ومهازلها فإنه لا يصلح مصورا ولا صحفيا. فمما لا شك فيه أن قوة الخيال والحساسية وإدراك مزايا الصورة الجذابة وخصائصها هي أهم صفات المصور الصحفي. وإذا كان المصور يلتقط معظم الصور بموجب تعليمات من رئيس تحرير القسم المصور أو غيره من رؤسائه، فإن قراراته في ميدان العمل تظل هي القوة الحاسمة المقدرة للصورة الفعلية التي يلتقطها. وهذه هي المميزات التي تجعل مصورا صحفيا يمتاز على غيره، كما أن ذلك ما تشهده عندما نتوجه إلى معرض للصور الصحفية الناجحة.
والحس الفوتوغرافي موهبة تصقلها الخبرة والدراسة بحيث تصبح الحياة بالنسبة للمصور سلسلة طويلة من الاحتمالات التي يمكن أن تلتقط بالعدسة. وهكذا ينظر إلى كل مجال وكل حدث وكل حركة من زاوية الصورة التي يمكن أن تعبر عنه. فمثلا يجب أن ينظر إلى الطفل الذي يحبو وراء أمه، والرجل المتكاسل على مقعده ينفث دخان سيجارته، والجمهور الذي يتدافع وراء أتوبيس مزدحم بالركاب، على أنها موضوعات قابلة للتصوير. وفي كل مناسبة يجب أن يفكر المصور في أفضل طريقة يلتقط بها الجوانب التصويرية التي تعبر عن جوهر المشهد. ولا يمكن أن يفعل ذلك إلا إذا أسعفته مقدرته على معالجة جهازه التصويري في يسر وبساطة. فالمصور الصحفي كالجندي لا بد وأن يعرف قيمة سلاحه ومداه وطرق استعماله، وهو في نهاية الأمر يستطيع أن يعمل بآلة التصوير والمعدات الأخرى كالعدسات الملحقة والفلاش والأفلام وكأنها جزء من نفسه. ويعرف المصورون الصحفيون أنهم كثيرا ما تضطرهم الظروف إلى التقاط الصور في الظلام الدامس دون الاستعانة بعود ثقاب أو حتى ضوء سيجارة. ففي الغارات الجوية مثلا تحظر الإضاءة بجميع أنواعها. وفي ظروف أخرى كتصوير الحرائق والحوادث المماثلة يقوم المصور الصحفي بالعمل في الظلام. 

والمصور لا يستطيع أن يحقق نتائج طيبة إلا بالعلم والمران حتى يصل إلى التلقائية في العمل؛ لأن عملية التصوير ينبغي أن تتركز على الموضوع نفسه، لا على الآلة وغيرها من المعدات.
ولا بد للمصور الصحفي أن يتقن فن معاملة الناس. وعلى العموم فإن الأشخاص المرشحين للتصوير يصنفون في ثلاث فئات: فئة قابلة للتعاون وفئة غير قابلة للتعاون، وفئة غير قادرة على التعاون. والفئة الأولى تتمثل في ثلاثة أنواع من الشخصيات: الفرد المغمور الذي يسره أن يجد صورته منشورة في الصحيفة، ونجمة الشاشة أو المسرح الراغبة في الدعاية لنفسها، والشخص المسهم في حملة يريد أن يروج لها. أما فئة غير القابلين للتعاون فيمكن تمثيلها بالشخص الذي اعتقل لجريمة ارتكبها، والإنسان الخجول الذي تزعجه الدعاية الشخصية حقا، والفرد الذي يضبط في ظروف محرجة. ويمكن تمثيل فئة غير القادرين على التعاون بشخصية المشترك في أحداث مشاجرة أو مباراة رياضية أو مصارع الثيران وهو المعمعة، أو رجل المظلات وهو يهبط بمظلته. والمشكلة التي يواجهها المصور هي مع الفئة الثانية، وهي تحتاج إلى براعة وكياسة في المعاملة. ويحذر المصور الصحفي دائما من الوقوع في شرك جرائم القذف والسب أو التشهير، شأنه في ذلك شأن الصحفي الذي يستخدم الكلمة، ولذلك كان عليه أن يدرس شيئا من قوانين النشر وجرائمه. 










مصادر و المراجع :

١-دراسات في الفن الصحفي

المؤلف: إبراهيم إمام

الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید