المنشورات
اختيار الصورة الصحفية وإخراجها:
ولا شك أن اختيار الصورة الصالحة للنشر من بين عشرات الصور تعد مشكلة هامة يواجهها المخرج الصحفي كل يوم. وهناك مقاييس وإرشادات يهتدي بها المخرج الصحفي عند اختياره للصورة. أما المقاييس الصحفية فهي نفس المقاييس التي يبنى عليها اختيار الخبر للنشر وقد تحدثنا عنها في الباب الرابع. وأما النواحي الفنية فأهمها الحركة والحيوية والوضوح والقابلية للطبع، ولا يمكن أن تتم عمليات التصوير والحفر بنجاح إلا إذا كانت تفاصيل الأصل واضحة دقيقة. ومن أهم الشروط الفنية التي يجب توفرها في الصورة أن يكون سطحها لامعا وأن تمتاز بالتباين بين ظلالها. وليس المقصود بالتباين مجرد تجاور المساحات البيضاء والمساحات السوداء، وإنما المقصود هو تدرج الظلال تدرجا دقيقا مع قدر من التفاوت بين البياض والسواد لإبراز ملامح الوجه وتفاصيل الأشياء المختلفة كالأبنية والملابس وغيرها. أما التباين الشديد بين الأضواء والظلال فلا يمكن أن يؤدي إلى صور واضحة والمخرج الصحفي يفضل عادة الصور ذات الدرجات المتوسطة على الصور السوداء الداكنة.
ومن المستحيل أن تكون نسخة الصورة المطبوعة مساوية للأصل في الإتقان إذ لا بد أن تفقد النسخة شيئا من القوة والإتقان اللذين يتوفران في الأصل. ولذلك فإن المخرج الصحفي يصر دائما على الصور الممتازة المتقنة، ولا يقنع بالحصول على نسخ شبكية لأن إعادة تصوير النسخ يزيد من ضعفها. وعملية التكبير تفسد الصورة وتعطي نتائج رديئة فيجب تجنبها بقدر الإمكان، أما عملية التصغير فهي على العكس من ذلك تعطي نتائج طيبة. ومعظم الصور التي ترد إلى الصحف تكون كبيرة الحجم مصقولة السطح واضحة المعالم والتفاصيل متباينة الظلال لكي تصلح للطبع.
ولا شك أن تحديد حجم الصورة النهائية يتوقف على عدة عوامل أهمها مضمون الصورة ودلالته، فإذا كان المضمون قويا وله قيمته الأخبارية وجب أن تكون الصورة كبيرة، بل إنها قد تصل إلى نصف صفحة أو صفحة كاملة، عند تولية ملك أو رئيس جمهورية أو مقتل زعيم عالمي الشهرة أو نشوب حرب أو غير ذلك. ولكن هناك حدا أدنى لصغر الصورة. فإذا كان عرض الوجه لصورة شخص يقل عن سنتيمتر وجب الاستغناء عنها لأنها لا تعطي نتائج طيبة. ولا توضح معالم الوجه بأي حال. والقاعدة المتبعة عادة هي أن تكون الصورة كبيرة واضحة المعالم والتفاصيل ثم تصغر إلى المساحة المطلوبة. ويستطيع المخرج الصحفي أن يستنبط مساحة الصورة بعد التصغير بالطريقة الحسابية أو بالطريقة الهندسية. وفي الأولى يعتمد على النسبة الثابتة بين الطول والعرض، فإذا كان عرض الصورة 20 سنتيمترا ثم أراد تصغيرها بحيث يكون عرض الصورة على عمودين "حوالي سنتيمترات مثلا" فإن طول الصورة المصغرة لا بد أن يكون 12.5 سنتيمترا. أما الطريقة الهندسية لإيجاد طول الصورة بعد تصغيرها فتتلخص في توصيل ركني الصورة ثم إسقاط عمود من النقطة التي تحدد العرض المصغر على الوتر الموصل بين ركني الصورة. فيكون طول العمود هو طول الصورة المصغرة المراد معرفته.
وقد أصبحت الصورة مع العنوان من أهم العناصر الطباعية في الإخراج الصحفي، والصورة تتوازن مع العنوان وتتباين في نفس الوقت، ولذلك فإنها كثيرا ما تستخدم للفصل بين العناوين المتشابهة حتى لا يقتل أحدهما الآخر1. ومن الطريف أن سلسلة الصور المتتابعة أفقيا يمكن أن تحل محل العنوان المنتشر "المانشيت" في ظروف معينة. ومع أن الصور تعرض مرتبطة بالمادة المتصلة بها، فإنها لا توضع وسط الموضوع لأن ذلك يفسد سياق الكلام، ويقطع تسلسل الأسطر داخل الأعمدة؛ إذ يضطر القارئ إلى القفز ببصره عبر الصورة أو الصور ليتم قراءة الموضوع، وذلك يتنافى مع أصول فن الإخراج الصحفي السليم. فالصورة إما أن توضع قبل الموضوع أو بعده أو إلى جواره ويمكن أن يأتي العنوان أعلى الصورة أو أدناها. وعند تعدد الصور يمكن ترتيبها طوليا أو أفقيا بشرط ألا توضع وسط الموضوع. وعند نشر الصور الصغيرة التي لا يزيد عرضها عن نصف عمود، والتي يكون عرض الأسطر المجاورة لها عمود ونصف عمود أو نصف عمود فقط، يستحسن أن تعرض بالتبادل، فإذا كانت الصورة على يمين العمود والكلام إلى يسارها، فيجب أن تكون الصورة التالية إلى اليسار والكلام إلى يمينها وهكذا.
ولكل صورة شرح أو بيان ينشر معها بالكلمات2 التي قد تأتي فوق الصورة أو تحتها أو إلى جوارها، أو أنها قد تحفر مع الصورة نفسها، والكلمات المصاحبة للصورة تكون عادة أكبر أو أثقل من حروف المتن. ويراعى عادة وضع الصورة في النصف الأعلى من الصفحة لأنها أكثر لفتا للأنظار من العناوين، ولا بأس من نشر الصور في أسفل الصفحة بحيث لا تطفي على النصف العلوي.
ولا شك أن التلازم المكاني والزماني بين الصور والألفاظ في التليفزيون هو الذي يؤدي إلى التصوير الواقعي الحي للأحداث، أما في الصحافة فلا يكون التلازم إلا في المكان فقط، أي في الحيز الذي يشغله الخبر والصورة مثلا. وهكذا يمكننا فهم صعوبة الصحافة إذا ما قورنت بالتليفزيون. ولكي ينجح المخرج الصحفي في هذا التعبير الشاق، ينبغي عليه أن يستغل التأثير الثالث أو العامل السيني الذي ينتج من تفاعل اللفظ والصورة. ففي هذه الحالة يمكن الاستفادة من القارئ نفسه وبما هو مختزن في ذاكرته ومخيلته ليكمل ما يعرض عليه من أخبار وصور. فإذا عرضنا على القارئ مجموعة من الصور مرتبة ترتيبا معينا أمكنه أن يفهم شيئا عن الحادث المراد تصويره، ولكننا إذا أضفنا إلى الصور شرحا لفظيا، فإن تصور القارئ للحادث يكون أنضج وأخصب؛ لأن الصور والألفاظ حين تتضافر لإثارة مخيلة القارئ وذاكرته تستطيع أن تستغل هذا التأثير الثالث أو العامل السيني الناتج من التزاوج الفني بين اللفظ والصورة، وهذا هو جوهر الفن الصحفي المصور الذي يتعاون فيه المندوب والمحرر والمصور والمخرج جميعا لتصوير الوقائع والحقائق تصويرا محكما متقنا مستساغا للجميع.
مصادر و المراجع :
١-دراسات في الفن الصحفي
المؤلف: إبراهيم إمام
الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية
28 نوفمبر 2024
تعليقات (0)