المنشورات

الصحافة بين التقليد والمعاصرة:

ومن الطريف أن بعض الصحفيين القدامى كانوا لا يرحبون بالكمبيوتر منذ قدومه في الخمسينات من هذا القرن العشرين، كما أنهم لا يرتاحون إلى عملية التحكم الذاتي في مجال الصحافة. ولعل ذلك يرجع إلى أن الأجهزة الإلكترونية المستخدمة في الصحف كانت من قبل مستخدمة في مجالات أخرى من أجل الاقتصاد في النفقات ثم طورت تطويرا جديدة لكي تعمل في مجال الصحافة.
وأخذ الصحفيون المخضرمون يترحمون على الأيام الخوالي التي كان فيها العمل الصحفي يتم بأدوات بسيطة كالقلم والمقص والصمغ، كما راحت شائعات ساذجة تحكي عن موضوعات بكاملها ابتلعتها أجهزة الكمبيوتر ولم يعثر على أثر لها بعد ذلك، وكان الكمبيوتر غول مخيف لا يمكن السيطرة عليه، وبات من المستحيل استرجاع المواد التي دخلت في تلافيف الكمبيوتر كما رويت حكايات طريفة عن رسائل مضحكة موجهة من الرئيس الأمريكي رونالد ريجان تبدأ بعبارة: عزيزي السيد يونايتيد برس، وخطاب موجه إلى صحيفة نيويورك تيمس وقد جاء في ديباجته: السيدة نيويورك تيمس، وهي أقرب ما تكون إلى النكت المضحكة.
وفي البداية كانت معظم التحولات مركزة في مجال الإنتاج، وبالذات في عملية تحويل النصوص المكتوبة إلى حروف طباعية، ولعل ذلك راجع إلى أن عملية الإنتاج هي أكثر العمليات تكلفة.
وهناك أيضا عامل الاقتصاد في الوقت إلى جانب الاقتصاد في النفقات فكان لا بد من دخول الكمبيوتر في مجال استقاء الأخبار وتحريرها وإعداد الصحف وإخراجها أيضا.
وتصدر الآن المؤلفات والمعلومات حول تطوير العمل الصحفي باستخدام الكمبيوتر بمعدل 200 صفحة في الدقيقة من جميع أوقات الليل والنهار. إنها الثورة الصناعية الثانية أو الثورة الإلكترونية التي تكتسح العالم الحديث مقدمته مجال الصحافة والإعلام، وقد أصبح لزاما على الصحفي الحديث أن يلم بخطوات العمل وطبيعة الأداء الإلكتروني، إلى جانب الدراية الكاملة بأجهزة الكمبيوتر واستخدامها وخصائصها وتطبيقاتها في أقسام الأخبار والتحرير والجمع والإخراج والطباعة حتى تخرج الصحيفة إلى السوق، بل إن الكمبيوتر يعطينا معلومات مهمة وجوهرية عن التوزيع والإعلان ومدى تقبل القراء للموضوعات الصحفية.
التحكم الذاتي:
إن عملية المعالجة الإلكترونية بالتحكم الذاتي أصبحت تشمل العمل الصحفي من بدايته إلى نهايته، ابتداء بجلب الأخبار وكتابتها وتحريرها، وإعداد الموضوعات والمقالات والصور والتحقيقات، وحتى عمليات التصحيح واختيار العناوين والعناوين الفرعية واختيار أحجام حروف الطباعة وعرض الأعمدة وضبط نهايات السطور. 

فهناك مثلا الجهاز رقم 301 من طراز "د. س. أ." التي تستطيع أن تحول مساحة عمود صحفي بطول 52 سم إلى حروف مصححة ومضبوطة الهوامش في ظرف 17 ثانية.
والمعروف أن آلة الجمع السطرية تنتج 900 سطر من الحروف الطباعية في الساعة. أما الكمبيوتر فيستطيع أن ينتج 12000 سطر في الساعة. وإذا كانت سرعة الكلام العادي في المحادثة 120 كلمة في الدقيقة، فإن الأجهزة الحديثة يمكن أن تنقل 4000 كلمة في الدقيقة، كما أن أساليب المسح الإلكتروني الحديثة تيسر قراءة النصوص بسرعة 28000 كلمة في الدقيقة.
ومن أكثر الأجهزة شيوعا جهازان: الأول هو العين الفاحصة للحروف والآخر شاشة العرض التلفزيونية. والجهاز الأول يتطلب استخدام آلة كاتبة كهربية تنتج حروفا قابلة للمسح أي تقوم العين الفاحصة للحروف أو الماسحة لها بذلك عن طريق اثني عشر شعاعا تجعل الجهاز يتعرف على الحرف ويحوله إلى نبضة إلكترونية.
ونتيجة لعملية المسح يحدث أحد شيئين: إما تخرين الحروف في ذاكرة الكمبيوتر، وإما إنتاج شريط مثقب يمكنه تشغيل آلة صب الحروف أو سبكها في الطباعة الساخنة أو تشغيل آلات الجمع الإلكتروني في الطباعة الباردة.
التحرير والكمبيوتر:
ويتطلب الوضع الأمثل توزيع نهايات طرفية ذات شاشات تلفزيونية على كافة الصحفيين، غير أن تزويد جميع المندوبين والمحررين بهذه الأجهزة أمسى باهظ التكاليف حتى بعد هبوط أسعار تلك الأجهزة وشيوعها، أما البديل فهو الاكتفاء بمجموعة محدودة من هذه الأجهزة التي ينتقل إليها الصحفيون والمحررون لتشغيلها.
ويمكن تصور النهاية الطرفية ببساطة إذ إنها تتكون من جزأين الجزء الأول يشبه الآلة الكاتبة بمفاتيحها دون أن يستخدم أي ورق. فإذا ضغطت مفاتيح الحروف ظهرت على شاشة شبيهة بشاشة التليفزيون، ويطلق على هذه الشاشة اسم أنبوبة أشعة المهبط الكاتودية.
فالصحفي يطالع الحروف على الشاشة بنفس الطريقة التي يشاهد بها على الورق. ويمكن تحريك السفر إلى أعلى أو إلى أسفل باستخدام مفتاح معين، وبذلك يتسنى له مشاهدة ما يكتبه على الشاشة أولا بأول، كما يمكنه مشاهدة ما كتب أو بعضه إذا شاء ذلك.
وإذا أراد الصحفي أن يحذف حرفا أو عبارة أو جملة أو فقرة فإنها تختفي من الشاشة ويتحول النص في الحال إلى الوضع الصحيح، وإذا أراد أن يضيف كلمة أو فقرة، فإن الجهاز يفتح أمامة مساحة كافية لذلك، كما أنه يعرض على الشاشة النص الكامل الجديد.
وهكذا يظل النص دائما نظيفا وخاليا من علامات التصحيح والإضافة وغيرها. وعندما ينتهي الصحفي من عمله فإنه يرسله مباشرة إلى كمبيوتر آخر يقوم بعملية الجمع إما بالأحرف الساخنة أو بالأحرف الباردة. وفي الحالات المستحدثة يقوم الصحفي بتحويل مادته إلى ذاكرة الكمبيوتر الذي يختزن مواد الصحيفة المختلفة من أخبار وموضوعات ومقالات وإعلانات وصفحات منوعة وغيرها.
ومن هذا الكمبيوتر المركزي استرجاع أي مادة على مكتب التحرير لمراجعتها وتزويدها بالعناوين ويكون النص النهائي منضبطا بمعنى أن تكون نهايات الأسطر متساوية تماما، كما تكون الهوامش متساوية تماما على اليمين وعلى اليسار.
نظم التحرير الإلكتروني:
وتختلف الأجهزة من نظم كاملة الاتصال سلكيا بمعنى أنها لا تستخدم أشرطة بالمرة. وذلك لأن المندوب يتصل بالكمبيوتر، ثم ينتقل من الكمبيوتر إلى المحرر. ومن المحرر إلى كمبيوتر مرة أخرى، ثم من الكمبيوتر إلى المطبعة.
ويلاحظ أن الجهاز الطرفي الخاص بالمحرر أكثر تعقيدا من الجهاز البسيط الذي يستخدمه المندوب الصحفي لأن المحرر يقوم بعمليات كثيرة لتصحيح النص وتحريره من كافة الأخطاء وإذا أرسل المندوب النص إلى الذاكرة فإن الكمبيوتر يعطي قائمة بالمواد المختزنة فيه. وإذا تطلب الأمر الحصول على صورة مطبوعة على الورق، تيسر ذلك باستخدام جهاز الطبع الملحق بالكمبيوتر.
ويستطيع سكرتير التحرير أن يراجع قائمة الموضوعات ليسند إلى كل محرر الموضوع الخاص به ليقوم بتحريره على الجهاز المزود بالشاشة -التليفزيونية، وفي هذه الحالة يصبح النص النهائي نظيفا وخاليا من أية إشارات.
وهناك علامات رمزية بمثابة تعليمات للكمبيوتر من أجل التحكم في عرض العمود أو حجم الحروف وأشكالها المختلفة وأحجامها.
وإذا قام المندوب والمحرر بالعمل جيدا فإن النص النهائي يكون خاليا تماما من الأخطاء، ويمكن تحويله مباشرة إلى أقسام الجمع، ولا بد من التعاون بين الصحفي والكمبيوتر ليستطيع مراجعة المادة الصحفية في أي وقت يشاء باسترجاعها من الكمبيوتر.
تكوين الصفحات:
وقد أصبح الآن من الممكن تكون الصفحات وهي عملية تسمى التصحيف عن طريق الكمبيوتر الذي لا يقوم بإنتاج المادة الصحفية فحسب، بل يستطيع أيضا جمع الموضوعات والصور.
فالمخرج الصحفي يجلس أمام الكمبيوتر ويستطيع أن يكون الصفحات عن طريق الشاشة التي أمامه، وهو يستطيع تحويل الصفات وتغييرها وتعديل أماكن المواد كما يشاء باستخدام الشاشة الإلكترونية التي تظهر عليها كافة المواد من حروف وصور وغيرها.
وعند الانتهاء من عملية الإخراج على نحو ما يراه الصحفي ملائما فإنه يضغط على مفتاح معين فتصور الصفحة وتصبح جاهزة للطباعة.
وهكذا يستطيع المخرج أن يرى الصفحات كاملة على نحو ما يراها القارئ تماما، دون استخدام الأوراق والصمغ ودون قص الأسطر فهذه العمليات التي كانت تتعرض للكثير من الأخطاء والنسيان وعدم الدقة قد ولى زمانها وأصبحت في خبر كان.
وقد يسرت هذه الأجهزة الإلكترونية التحكم في المادة الصحفية وإخراجها في قاعة التحرير بعد أن كان الإخراج يتم داخل صالة الجمع. 











مصادر و المراجع :

١-دراسات في الفن الصحفي

المؤلف: إبراهيم إمام

الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید