المنشورات
التقدم التقني في الفن الصحفي:
وقد أصبح من الميسور حاليا إضافة المادة الواردة من وكالات الأنباء العالمية والمحلية إلى الكمبيوتر المركزي مباشرة دون استخدام للأشرطة المثقبة أو الأشرطة المكتوبة، ومن الممكن حاليا أن يقدم الكمبيوتر قائمة الموضوعات التي تظهر على شاشة العرض لكي يختار منها المحرر ما يشاء من موضوعات.
كما أنه من الممكن أيضا تخزين الموضوعات الواردة من الوكالات المختلفة في ذاكرة الكمبيوتر بانتظار فرزها واختيار ما يناسب منها وتجميع بعضها إلى بعضها الآخر وإضافة عناصر أخرى لتكوين الأخبار المتكاملة.
كما تتوفر التعليمات للكمبيوتر لتغيير شكل الإخراج أو عرض الأعمدة أو مقاسات الحروف وأشكالها وفقا لما يراه المخرج الصحفي أو سكرتير التحرير ملائما، وباختصار، يمكن للمحرر أن يطوع المادة الصحفية الواردة من الوكالات على النحو الذي يرغبه.
وكذلك ترد إلى الصحيفة موضوعات مختلفة تقدمها الهيئات والمؤسسات بالإضافة إلى المقالات والتحقيقات وتختزن جميعها في الكمبيوتر المركزي بانتظار سكرتير التحرير الذي يسترجعها ويوزع مسئولياتها على المحررين لمراجعتها كل فيما يخصه.
وهناك أجهزة إلكترونية حديثة يستطيع المحرر الصحفي أن يملي إليها الصحفي ما يشاء أن يمليه شفاهة فتتحول المحادثة الصوتية إلى حروف مدونة إما على شكل أشرطة مثقبة أو أشرطة مطبوع عليها الكلمات التي أملاها للجهاز.
ويلحق بالكمبيوتر آلة طابعة وذلك للحصول على مواد مطبوعة للحفظ في الأرشيف أو للفحص أو لوضع العناوين المناسبة، كما تستخدم عند الضرورة في قضايا القذف أو السب، وهي قضايا يمكن أن تؤدي إلى خسائر فادحة على سبيل التعريض، وحكى تاريخ الصحافة قصصا عجيبة عن الصحف التي لقيت حتفها في قضايا التعويضات.
العين الفاحصة للحروف:
والعين الفاحصة للحروف تشكل مصدرا آخر للمدخلات في الكمبيوتر، وفي هذه الحالة يجب على الصحفي أن يستخدم آلة كاتبة كهربية مزودة بحروف قابلة للمسح وشريط كربوني يستخدم لمرة واحدة فقط وذلك للتقليل ما أمكن من أخطاء القراءة المسحية.
ويجب كذلك استخدام ورق من نوع جيد لأن ورق الصحف الخشن لا يصلح إذ إن العين الفاحصة "تقرأ" كل شيء على سطح الورق بما في ذلك العيوب السطحية، فتظهر الحروف مشوشة. لذلك ينبغي استخدام ورق بوند أبيض جيد لأن حساسية العين الفاحصة شديدة للغاية، لذا ينبغي ألا تستخدم أية خطوط أو أية علامات بالقلم؛ لأن استخدام هذه الخطوط يؤدي إلى أن تقوم العين الفاحصة بشطب المادة، وكل شيء تظهره العين الفاحصة بما في ذلك بصمات الأصابع أو بقع القهوة أو الشاي أو أي ثقوب أو علامات مهما صغر حجمها أو تضاءل شكلها.
وتكتب المادة المعروضة للمسح وبين أسطرها ثلاث مسافات لإفساح المكان المناسب للتصحيح. كما يتطلب الأمر تحضير الصفحة تحضيرا جيدا بحيث تكون المادة خالية من الأخطاء ليتسنى تخزينها في ذاكرة الكمبيوتر المركزي عن طريق العين الفاحصة للحروف.
أما بالنسبة لحذف أية مادة فيجب استخدام قلم أسود خاص لوضع خطوط على المادة المطلوب حذفها، وعلى سبيل التيسير تقوم بعض الهيئات الصحفية والوكالات العالمية بإرسال المادة الصحفية بحيث تكون قابلة للمسح مباشرة.
إعداد المادة القابلة للمسح:
ويلاحظ عند إعداد المادة القابلة للمسح ما يلي:
أولا: يجب أن تكون الأسطر على مستوى أفقي تماما؛ لأن الأسطر غير المستوية تماما أو غير الأفقية بدقة تجعل عملية المسح غير متقنة.
ثانيا: يجب أن يكون الورق ناعما ويلاحظ ألا يكون منبعجا أو به فقاعات.
ثالثا: تترك مساحة بوصة من أعلى الصفحة ونصف بوصة في أسفلها وعلى الجانبين.
رابعا: تترك ثلاث مسافات بين السطر والآخر لإفساح المجال للتصحيح.
خامسا: يستخدم الشريط الكربوني مرة واحدة فقط ثم يستبدل به آخر.
سادسا: التعليمات للتعديل والتصحيح توضع بين خطين مائلين.
ويمكن استخدام هذه المستحدثات تدريجيا على مراحل، وعادة تستخدم هذه التقنيات المستحدثة لبعض الصفحات ولا سيما صفحات الرأي والمقالات والموضوعات الثابتة والزوايا والأركان.
وفيما يلي عرض يبين أسعار هذه المواد التكنولوجية الإلكترونية:
العين الفاحصة للحروف 90.000 دولار
شاشة العرض 16.000 دولار
جهاز اختزان مركزي "2 مليون حرف" 140.000 دولار
جهاز تكوين الإعلانات على الشاشة 30.000 دولار
ومن الطبيعي أن تتحول طباعة الصحف من الطريقة الساخنة إلى الطريقة الباردة.
أما جهاز الطبع السريع للمادة فثمنه 5000 دولار
إدماج مراحل الصحفي:
وهكذا نرى أن النظام الإلكتروني الحديث يجمع كافة مراحل العمل الصحافي من كتابة ومراجعة وتصحيح في مرحلة أساسية واحدة.
وبطبيعة الحال تصادف هذه الطرق الحديثة معارضة شديدة من الصحفيين التقليدين الذين يصفون العاملين في مجال الصحافة الحديثة بأنهم "عيال الكمبيوتر" كما يقال إن الشاشة تؤذي العين بالأشعة الضارة، مع أن نظام الجمع والتحرير والتصحيح في مرحلة واحدة يعد بلا شك تطويرا أساسيا في الإنتاج الصحفي.
وفي بعض الدول التي تسمح بتكوين النقابات العمالية في مهنة الصحافة، يجد التحديث معارضة شديدة من النقابات لأن هذه التقنيات قد تؤدي إلى فصل العمال والاستغناء عنهم، ولكن هذه المشكلات تجد طرقا كثيرة لحلها مثل إعادة تدريب العمال على الأجهزة الجديدة، وكذلك إنهاء خدمات العمال بشكل عادي عند التقاعد.
ومن الثابت أن النظام الإلكتروني الجديد يعطي للصحافة مجالا طيبا لرصد المعلومات ومعالجتها ووضعها في جداول مرتبة ترتيبا منطقيا. ولا سيما في ظروف الانتخابات والامتحانات، فقد انتهى عصر الأوراق والبطاقات والملفات، وحتى الأفلام الصغيرة للغاية "الميكروفيلم" ليحل محلها أسلوب الأشرطة والأسطوانات الحاملة للمعلومات.
المكتبات والمعلومات:
لقد كانت مكتبات الصحفي تتكون من صفوف فوق صفوف وأكوام فوق أكوام من المعلومات المرصوصة في دواليب مليئة بالملفات والمظاريف المكتظة بالقصاصات والصور والأكلشيهات الخاصة بالموضوعات والشخصيات، ومعظمها قديمة وغير مفهرسة فهرسة جيدة. ونتيجة لذلك تصبح الفائدة المرجوة من هذه الخزائن محدودة وبطيئة إذا ما قورنت باستخدام الأجهزة الإلكترونية التي تساعد على سرعة التخزين والمعالجة والاسترجاع للمواد الصحفية.
ولا شك أن الكمبيوتر قد جب الوسائل الأخرى مثل أجهزة الميكروفيلم التي تستطيع تخزين المواد الإعلامية في حيز صغير للغاية مثل ظفر الإصبع. وهذه الأفلام الصغيرة للغاية تركب على بطاقات ذات فتحات وهي قابلة للفهرسة والفرز والتصنيف بسهولة ويسر.
وهناك تعليمات تدق على الآلة الكاتبة أو آلة الاسترجاع وبذلك يخرج الفيلم المراد مشاهدته، غير أن هذه الطريقة سرعان ما استبدلت بها طريقة أخرى هي التخزين على أسطوانات لتحل محل هذه البطاقات الكثيرة المتعددة.
الحصول على المعلومات:
وهناك طريقتان للاقتراب من المعلومات: إحداهما باستخدام مفاتيح النهاية الطرفية فتظهر المعلومات على شاشة أو الأنبوبة الكاتودية بدلا من الطريقة القديمة عند مخاطبة المكتبة تليفونيا لطلب المادة الصحفية، وذلك باستخدام كلمات معينة من الخبر أو العنوان أو الموضوع بحيث تكون كافية لاستدعاء الموضوعات والمعلومات المطلوبة، وهذه الكلمات الاستدعائية مسجلة على شريط واحد تكفي لتغطية معلومات العام بأكمله.
فبالضغط على كلمات معينة تحتويها المادة المطلوبة يقوم الكمبيوتر بتقديم عدد الأخبار أو الموضوعات التي تحتويها هذه المادة، وإذا ما كانت المواد كثيرة للغاية أو أكثر مما يطلبه الصحفي، فإنه يضيف كلمات أخرى تقيد طلبه وتحدده وبذلك يحدد مجال ما يرغب في معرفته، وعندما يصل العدد إلى الحد المناسب فإن الكمبيوتر يصدر قائمة بالموضوعات المطلوبة. وقد وجد الباحثون أن استخراج المواد المطلوبة التي تحتويها أشرطة الميكروفيلم ثم قراءة المعلومات على تلك الأشرطة تستغرق وقتا يمكن اختصاره.
ومن هنا جاءت الطريقة الأخرى التي تعتمد على أمناء مكتبات من نوع جديد. فهم متخصصون في علوم الكمبيوتر ولا سيما طرق تخزين المواد الصحفية واسترجاعها للصحفي مستعينين في ذلك بالمعلومات المختزنة إلكترونيا.
الكمبيوتر المركزي:
الأفضل من ذلك كله استخدام الكمبيوتر المركزي الذي تتصل به الصحف المختلفة ووكالات الأنباء، وهي طريقة باهظة التكاليف ولكنها دقيقة وعملية، وذات فائدة كبيرة. ولا شك أن استخدام القمر الصناعي العربي للربط بين الصحف والوكالات وبين الكمبيوتر المركزي سوف يصبح من أهم تطورات الفن الصحفي في أواخر القرن العشرين.
وهكذا يظهر لنا أن تلك الأيام التي كان فيها موظف الأرشيف مجرد إنسان لا عمل له، بل والذي كان فيه موضع سخرية وتندر قد ولت دون رجعة ليحل محله أشخاص على مستوى رفيع من التخصص.
ولا شك أن توفير المادة التي تشكل خلفية الموضوعات "من حقائق وأرقام وصور ومعلومات سابقة، سوف يسهل تغذيتها للكمبيوتر، كما يصبح من اليسير استرجاعها.
الثورة الإلكترونية:
إن التطور في مجال الكمبيوتر يسير بإيقاع سريع للغاية حتى ليصدق ما يصفه البعض لهذا التطور بأنه ثورة إلكترونية وتفجر للمعلومات، وأصبحنا نسمع كل يوم عن تطورات جديدة، وتطبيقات إلكترونية مذهلة، ولكن ليس معنى ذلك أن التقدم التقني يعني تطور في الفن الصحفي، فالصحيفة المملة لا تحول صحيفة شيقة بمجرد استخدام التقنية الحديثة، والسخافات لا يمكن أن تتحول بالكمبيوتر إلى طرائق شيقة ومعلومات مفيدة.
فسرعة الأداء والآلية الذاتية لا تعتبر بديلا للصحيفة الجيدة فأفكارها الرفيعة، وقيمها السامية بل إنها على العكس من ذلك قد تنحدر إلى ما هو أسوأ.
خذ مثلا موضوعا جاهزا للمسح الإلكتروني من الناحية الآلية كاملا بلا عيب وخاليا من الأخطاء تماما، وسليما من كل نقص، وكل شيء جاهز بلا أخطاء طباعية أو هجائية أو لغوية، كما أن الورق أبيض وصقيل بحيث يمكن للعين الفاحصة للحروف أن تحول الصفحة إلى لوح قابل للطبع في الحال.
هنا يكون الإغراء شديدا للصحفي أو المحرر ألا يغير من الموضوع شيئا اللهم إلا بعض التحسينات التجميلية العابرة دون مساس بالموضوع تجنبا لإعادة كتابته وتحريره من جديد، وإلا كان هذا عودة إلى بدء، وتكرارا لعمليات الكتابة والتحرير وإعداد الموضوع من جديد.
ولما كان العمل الصحفي اقتصاديا، فإن رؤساء التحرير والمديرين وغيرهم من المسئولين يفضلون عدم تغيير النص وإبقائه على ما هو عليه اقتصادا للجهد والنفقات والوقت، وقد يؤدي ذلك إلى تحقيق أرباح للمؤسسة الصحفية ولكن كله على حساب الفن الصحفي السليم والأصيل.
وظائف الكمبيوتر:
وقد رأينا كيف يساعد الكمبيوتر على ضبط السطور وتوزيع المسافات بين الكلمات بحيث تتساوى نهايات الأسطر وتكون الهوامش في الجوانب متساوية تماما، كما أن الكمبيوتر يعطي نتائج ممتازة في إعداد الإطارات والجداول الخاصة بالأسعار والسباقات الرياضية والأوراق المالية والسندات وتقلبات أسعار البورصة والانتخابات السياسية والانتخابات العامة والاستفتاءات على كافة الأصعدة المحلية والقومية وغيرها.
كما أن الكمبيوتر يستوعب المدخلات المتنوعة الواردة من المندوبين والمراسلين ووكالات الأنباء والهيئات الصحفية والمؤسسات الأخبارية والإعلامية، وكلها تدخل إلى الكمبيوتر ويتم فهرستها وتلخيصها بطريقة تسهل عمل المحرر.
فبضغطة واحدة على مفتاح معين يستطيع أن يسترجع أي مادة يريدها ويقرؤها على الشاشة الإلكترونية، وإذا كانت الصحيفة مشتركة في وكالة أنباء أو وكالتين أو أكثر فإنه يستطيع أن يستعرض على الشاشة كل خبر من الأخبار ليختار الأفضل بالنسبة لسياسة الصحيفة أو يدمج عناصر مختلفة من خبر إلى خبر ليكون خبرا مكتمل الأركان يظهر أمامه على الشاشة الإلكترونية كما أنه يستطيع إجراء التعديلات اللازمة والتصحيح فتظهر النصوص النهائية على الشاشة بل إنه يستطيع بالضغط على مفتاح آخر الحصول على النص مطبوعا على الورق. وبإيجاز، يمكن القول أن سكرتير التحرير يعرف جميع الأخبار والموضوعات وشكل الصفحات قبل تحويلها للطبع كما يعرف المساحات الباقية بعد تركيب الصفحات ووضع الإعلانات والصور وغيرها.
ويستطيع المخرج الصحفي تغيير أماكن الصور والموضوعات ليتبين الأشكال المناسبة، ويتم ذلك في قاعات التحرير. وهكذا ينتقل محور الإنتاج من قاعات التوضيب إلى صالات التحرير. وهكذا تصبح مراكز المعلومات أكثر مرونة وأفضل أداء للخدمة.
أما بالنسبة للموضوعات المؤجلة ليوم قادم أو أسبوع قابل فإنه يحتفظ بها في ذاكرة الكمبيوتر لكي تظهر له في الوعد المحدد دون الحاجة إلى الأوراق والملفات التي تستخدم في الأحوال التقليدية.
وفي حالة القضايا المنظورة أما المحاكم على اختلاف درجاتها أو التشريعات التي تصدرها المجالس النيابية والتشريعية، فإن جميع الأحكام تختزن أولا بأول مع تطوراتها وتعديلاتها.
ويقوم الكمبيوتر بجميع العمليات الحسابية مهما كانت دقيقة، كما أنه يسجل جميع متطلبات الحسابات الضريبية وغيرها.
سيطرة الكمبيوتر:
ويقيس الكمبيوتر مدى انقرائية الموضوعات الصحفية وفقا لمعدلات الانقرائية، كما يمكنه تقديم المعلومات اللازمة عن أذواق الجماهير ومدى تقديرها للموضوعات المختلفة، وكذلك ما قد يطرأ على الأذواق من تحولات بالنسبة للإخراج الصحفي من تحقيقات وموضوعات وغيرها.
ويحدد الكمبيوتر بدقة إنتاج كل صحفي، بل إن الجهد المتصل بعمليات التصحيح والمراجعة تتحول مباشرة إلى جهد إلكتروني يقوم به الكمبيوتر.
وهكذا يقوم الكمبيوتر بعدة وظائف بدقة متناهية، إلا أن الصحافة الإلكترونية قد تؤدي إلى المزيد من التركيز في العمل الصحفي وظهور صحف على المستوى القومي، واندماج الصحف المتعددة، مما يهدد بالمزيد من الاحتكار.
والخطر كل الخطر هو الاندفاع الكامل في تيار الآلية الذاتية والوقوع في الفخ التكنولوجي، أما التعاون بين الإنسان والآلة فإنه يؤدي إلى كسب خير ما يقدمه الإنسان وأحسن ما تقدمه الآلة.
فالمرونة في الاستخدام والتطبيق تحقق الطواعية المستمرة في الأداء الصحفي. فليست المهمة الأساسية للعمل الصحفي مجرد معرفة المفاتيح التي تضغط والموضوعات التي تختزن أو التي تسترجع، ولكن المهم حقا هو إتقان السيطرة على الآلة العملاقة السريعة.
مصادر و المراجع :
١-دراسات في الفن الصحفي
المؤلف: إبراهيم إمام
الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية
28 نوفمبر 2024
تعليقات (0)