المنشورات

مدح الجود

في الخبر: «إن الله تبارك وتعالى يحب الجواد لأنه جواد كريم» «1» وفيه أيضا: «الجود من أخلاق أهل الجنة» «2» . ويقال:
الجود غاية الزهد، والزّهد غاية الجود. وقال غيره: الجود أن تكون بمالك متبرّعا، وعن مال غيرك متورّعا.
وقال علي بن عبد الله: الناس في الدنيا الأسخياء، وفي الآخرة الأتقياء. وكان خالد بن عبد الله القسري «3» يقول: تنافسوا في المغانم وسارعوا إلى المكارم، واكتسبوا بالجود حمدا ولا تكتسبوا بالمال ذما، ولا تعدوا بمعروف لم تجعلوه، واعلموا أن حوائج الناس نعمة من الله عليكم، فلا تملوها فتعود نقما. وقال الشاعر:
لا تزهدنّ في اصطناع العرف تفعله ... إنّ الذي يحرم المعروف محروم
وقال آخر من غير الكتاب الأصلي: 

ستلقى الذي قدمت للنفس محضرا ... فأنت بما تأتي من الخير أسعد
وقال طلحة بن عبد الله: إنا لنجد بأموالنا ما يجد البخلاء، ولكنا نصبر. وقال العتابي: من منع الحمد ماله، ورثه من لا يحمده عليه. وكان يقال: رب فاجر في دينه أخرق في معيشته دخل الجنة بسماحته. وقال العتابي: ثواب الجود ثلاثة: خلف ومحبة ومكافأة، وثواب البخل مثلها: تلف ومذمة وحرمان. وكتب الحسن بن علي إلى أخيه رضي الله عنهم: يعتب عليه في إعطاء الشعراء، فأجابه: خير المال ما وقي به العرض.
وقال غيره: الجود أشرف الأخلاق وأنفس الأعلاق. وقال ابن المعتز: الجود حارس العرض من الذم. وقال آخر: الأسخياء يعبدهم المال، والبخلاء يعبدونه. وقال بعض السلف: لو كان شيء يشبه الربوبية لقلت الجود. ويقال: من جاد ساد، ومن بخل رذل.
وقال عمر رضي الله عنه: السيد الجواد حين يسأل. وقال أبو نواس:
أنت للمال إذا أمسكته ... فإذا انفقته فالمال لك
ولبعضهم:
يا غافلا من حركات الفلك ... نبّهك الله فما أغفلك
مالك للغير إذا صنته ... وكلّ ما أنفقته فهو لك
ولسيدنا عمر بن عبد العزيز لما لاموه على الكرم:
مالي عليّ حرام إن بخلت به ... وصاحب البخل بين الناس مذموم 

مالي أشحّ بمال لست أملكه ... والمال بعدي إذا ما مت مقسوم
لا بارك الله في مال أخلّفه ... للوارثين وعرضي فيه مشتوم
ولبعضهم:
مات الكرام وولوا وانقضوا ومضوا ... ومات في إثرهم تلك الكرامات
وخلفوني في قوم ذوي سفه ... لو عاينوا طيف ضيف في الكرى ماتوا
وفي كتاب عيون الآداب روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أشد الأعمال ثلاثة: إنصاف الناس من نفسك، ومواساة الأخ في مالك، وذكر الله على كل حال» .
وقال بعض العلماء: من أيقن بالخلف، جاد بالعطية.
أتي النبي صلى الله عليه وسلم بأسارى فأمر بقتلهم وأفرد رجلا منهم، فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: يا رسول الله الرّبّ واحد والدين واحد، والذنب واحد، فما بال هذا أفرد من بينهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نزل عليّ جبريل عليه السلام، فقال: «أقتل هؤلاء واترك هذا فإن الله شكر له سخاء فيه» «1» . وقال بعض الأنبياء لإبليس: من أحب الناس إليك؟ قال: عابد بخيل، قال: فمن أبغض الناس إليك؟ 

قال: فاسق سخي، قال: كيف ذلك؟ قال: لأني لا أرجو أن يقبل الله عبادته لبخله، ولا آمن من أن يطلع الله على العبد الفاسق فيرى بعض سخائه فينجيه ويرحمه. 












مصادر و المراجع :

١-اللطائف والظرائف

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

الناشر: دار المناهل، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید