المنشورات
ذم الولد
قال بعض حكماء العرب: من سرّه بنوه، ساءته نفسه. وكان يحيى بن خالد يقول: ما رأى أحد في ولده ما يحب إلا رأى في نفسه ما يكره. وقال ابن الرومي في معناه:
كم من سرور لي بمو ... لود أؤمله يعد
وبأن يهدّنيّ الزما ... ن رأيت منّته أشد
ومن العجائب أن أسر ... ر بمن يشدّ بما أهد «1»
وقل ابن المعتز في فصوله: أفقرك الولد أو عاداك. وفي المبهج:
إذا ترعرع الولد ترعرع الوالد.
وقيل لعيسى عليه السلام: هل لك في الولد؟ فقال: ما حاجتي إلى من إن عاش كدني، وإن مات هدني. وقيل لبعض النساك: ما بالك لا تبتغي في ما كتب الله لك؟! قال سمعا لأمر الله، ولا مرحبا بمن إن عاش فتنني، وإن مات أحزنني: يريد قوله تعالى: أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ*
«2» . وقال حكيم في ذم الأولاد: ملوك صغارا، وأعداء كبارا؛ يريد قوله تعالى: إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ
«3» . ويقال: من أراد أن يذوق الحلاوة والمرارة فليتخذ ولدا. وينشد لأبي سهل سعيد بن عبد الله الثكلي:
هذا الزمان الذي كنا نحذره ... فيما يحدّث عن كعب ومسعود
إن دام هذا ولم يحدث له غير ... لم يبك ميت ولم يفرح بمولود
وقال المتنبي:
وما الدهر أهل أن يؤمّل عنده ... حياة وأن يشتاق فيه إلى النسل «1»
وقال البستي:
يقولون ذكر المرء يحيا بنسله ... وليس له ذكر إذا لم يكن نسل
فقلت لهم نسلي بدائع حكمتي ... فإنّا فاتنا نسل فإنّا بها نسلو «2»
وقال ابن المعتز:
سكنتك يا دنيا برغمي مكرها ... وما كان لي في ذاك صنع ولا أمر
وجربت حتى قد قتلتك خبرة ... فأنت وعاء حشوه الهم الصرّ
فإن ارتحل يوما أودعك ذميمة ... وما فيك من عودي غراس ولا بذر
وقيل لفيلسوف يعق والديه: لم تعق والديك؟! فقال: لأنهما أخرجاني إلى عالم الكون والفساد. وقيل لأعرابي: لم أخرّت التزوج إلى الكبر؟! قال: لأبادر ولدي باليتم قبل أن يسبقني بالعقوق.
وحدثني أبو نصر سهل بن المهدي قال: كان رجل من المياسير بالبصرة يتمنى أن يرزق ابنا وينذر عليه النذور حتى ولد له، فسرّ به غاية السرور وأحسن تربيته حتى ارتفع عن مبلغ الأطفال إلى حد الرجال.
ولم يهمه شيء من أمر الدنيا سواه، ولم يؤخر ممكنا من الإحسان عنه، فلم يشعر الأب ذات يوم إلا بخنجر خالط جوفه من وراء ظهره، فاستغاث بابنه فلم يجبه، ثم استغاث به ثانية والتفت فإذا هو صاحب الضربة، فقال الشيخ: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أستغفر الله، صدق الله؛ أراد بالتهليل أن يلقى الله بالإيمان، وبالاستغفار إن الله تعالى حذره فلم يحذر، وبقوله: صدق الله عز وجل، قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ
«1» . فجمع بهذه الكلمات كل ما يحتاج إليه في تلك الحال.
مصادر و المراجع :
١-اللطائف والظرائف
المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)
الناشر: دار المناهل، بيروت
30 نوفمبر 2024
تعليقات (0)