المنشورات
مدح السماع
قال بعض الفلاسفة «1» : أمهات لذات الدنيا أربع: لذة الطعام، ولذة الشراب، ولذة النكاح، ولذة السماع؛ فاللذات الثلاث لا وصول إلى كل منها إلا بحركة وتعب ومشقة ونصب ولها مضار إذا استكثر منها، وأما لذة السماع، قلّت أو كثرت، صافية من التعب، خالصة من النصب، خالية من الوصب. وقد نظم ذلك من قال:
وجدت رئيسة اللذا ... ت أربعة متى تحسب
فمنها لذة المنكح ... والمطعم والمشرب
وتبقى بعدها أخرى ... من الصوت الذي يطرب
وهذي تفيد النفس إبهاجا ولا تنصب «2» وما من لذة من تلك إلا وهي قد تتعب قال مؤلف الكتاب: ومن خصائص السماع أنه لا يحجزه ولا يحجبه شيء وأن الجمع بينه وبين كل عمل ممكن، وأن الإبل والخيل تستطيبه وترقص عليه، والصبيان الرضع تستلذه وتسكن إليه، والوحوش والطيور تسكن إلى فائقه وتعرج عليه «3» .
وكان بعض فقهاء المتكلمين يقول: قد اختلف الناس في السماع فأباحه قوم وحظره آخرون، وأنا أخالف الفريقين، فأقول: إنه واجب لكثرة منافعه ومرافقه وحاجة الناس إليه وحسن أثر استماعها به «1» .
وكان عبد الله بن جعفر يقول: إني لأجد للسماع أريحية، ولو سئلت عندها أعطيت، ولو قاتلت أبليت. وسمع معاوية عند عبد الله بن جعفر الغناء فحرك رأسه ورجليه وصفق بيديه، ثم لما أناب رأيه إليه قال كالمعتذر منه: إن الكريم طروب ولا خير فيمن لا يطرب.
وكان مروان بن أبي حفصة إذا تغدى عند إسحق الموصلي يقول له: أطعموا آذاننا رحمكم الله.
وكان يحيى بن خالد البرمكي يقول: خير الغناء ما أشجاك وأبكاك وأطربك وألهاك. ويقال: إن الغناء غذاء الروح كما أن الطعام والشراب غذاء البدن.
ومن أحسن ما قيل في الغناء قول بعضهم:
غنّت فلم تبق فيّ جارحة ... إلا تمنيت أنها أذن
مصادر و المراجع :
١-اللطائف والظرائف
المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)
الناشر: دار المناهل، بيروت
30 نوفمبر 2024
تعليقات (0)