المنشورات
مدح الزجاج
مدح سهل بن هارون الزجاج ووصفه في بعض مجالس الملوك فقال: الذهب مخلوق، والزجاج مصنوع، وفضيلة الذهب بالصلابة، وفضيلة الزجاج بالصفاء، ثم إن الزجاج أبقى على الدفن وهو مجلو نوري، والذهب متاع سائر، والشراب في الزجاج أحسن منه في كل جوهر، ولا يفقد معه وجه النديم، ولا يثقل في اليد، ولا يرتفع في السوم، وقدور الزجاج أطيب من قدور الحجارة، وهي لا تصدأ، وإن اتسخت فالماء وحده لها جلاء، ومتى غسلت بالصابون صارت جددا، والزجاج أشبه شيء بالماء، وصنعته عجيبة وصفته غريبة وصياغته أغرب وأعجب، ومن كرع فيه لشرب ماء فكأنما يشرب في إناء من ماء وهواء وضياء، ومرآته المركبة في الحائط أضوأ من مرآة الفولاذ والصور فيها أبين، وقد تقدح النار من قنينة الزجاج إذا كان فيها ماء محاذ عين الشمس، لأن طبع الزجاج والماء والهواء والشمس من عنصر واحد. وليس في كل ما يدور الفلك عليه جوهر أقبل لكل صبغ وأجدر أن لا يفارقه منه حتى كان ذلك الصبغ جوهره، ومتى سقط عليه ضياء أنفذه إلى الجانب الآخر وأعاره لونه، وإن كان الجام ذا ألوان أراك بياض البيت أحسن من وشيء صنعاء ومن ديباج تستر، ولم يتخذ الناس آنية أجمع لما يريدون منه؛ وقال الله تعالى عز ذكره: يلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ
«1» . وقال عز ذكره: وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً
«2» . واشتق الفضة من اسمها، على أن الزجاج أقطع من السيف وأحد من الموسى، وإذا وقع المصباح على جوهر الزجاج صار مصباحا آخر وردّ كل واحد منهما الضياء على صاحبه واعتبروا ذلك الشعاع الذي على وجه الماء وعلى الزجاج، ثم انظروا كيف يتضاعف نوره حتى يكاد يغشى عين الناظر إليه، قال الله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ
«3» .
وكان سليمان بن داود عليهما السلام إذا عبّ في الإناء كلحت في وجهه مردة الجن والشياطين فعلمه الله صنعة الزجاج.
مصادر و المراجع :
١-اللطائف والظرائف
المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)
الناشر: دار المناهل، بيروت
30 نوفمبر 2024
تعليقات (0)