المنشورات
مدح الذهب
قال شداد الحارثي: الذهب أبقى الجواهر على الدفن، وأصبرها على الماء، وأقلها نقصانا على النار، وهو أوزن من كل شيء إذا كان في مقدار شخصه، وجميع جواهر الأرض إذا وضع على الزئبق في إنائه طفا، ولو كان ذا وزن ثقيل وحجم عظيم، ولو وضعت عليه قيراطا من الذهب لرسب حتى يضرب قعر الإناء، ولا يجوز ولا يصلح أن تشد الأسنان المنتزعة بغيره، ولا يوضع في مكان الأنوف المصطلحة سواه، وميله أجود الأميال وأهل الهند تهزه في العين بلا كحل ولا ذرور لصلاح طبعه وموافقة جوهره لجوهر الناظرين، وله حسن وبهاء في العيون، وحلاوة في الصدور، ومنه الزريابات والصفائح التي تكون في سقوف الملوك، وعليه مدار التبايع منذ الزمان الأول والدهر الأطول، وهو ثمن لكل شيء، وهو فوق الفضة مع حسنها وكرمها بأضعاف وأضعاف أضعاف، والأرض التي تنبته ويسلم عليها تحيل الفضة إلى جوهرها في السنين اليسيرة والمدة القصيرة وتقلب الحديد إلى طبعها في الأيام القليلة والأوقات الضئيلة، والطبيخ يكون في قدره أغذى وأمرأ وأصح في الجوف وأطيب.
وسئل أمير المؤمنين، علي رضي الله تعالى عنه، عن الكبريت الأحمر فقال: هو الذهب.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من هول المطلع» «1» فأجراه في ضرب المثل به كل مجرى.
وقال الله تعالى حكاية عن شأن الكفار: الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ
«2» : فدل على عزته وعظم قدره.
وقال أبو زيد البلخي «3» : معلوم أنه ليس من الجواهر الموجودة في العالم أطول بقاء من الذهب لما يرى من انقضاء الزمان بدون فساد يعرض عليه، حتى أن العامة لتحكم بأنه جوهر لا فساد فيه البتة، وإنما خص بهذا البقاء الطويل وإبطاء آفات التغير بسبب اعتدال مزاجه في الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، فإن كل ما خرج من الأشياء المركبة عن الاعتدال إلى إفراط كيفية من الكيفيات الأربع أسرع إليه الفساد لغلبة تلك الكيفية، ولذلك الفساد الذي هو ضد الكون سببه الخروج عن الاعتدال، ولصحة مزاجه لم يوجد فيه صدأ كغيره من الجواهر، والسهولة التي فيه لم توجد في غيره، إذ كل ما عداه يكسب الأطعمة والأشربة المجعولة فيه نوعا من فساد الطعم والرائحة، وكل ما أكل وشرب فيه وجد سليما من هذا العارض. ولذلك اختار الملوك العظماء الأكل والشرب فيه ووعد الله عباده به في دار الثواب، فقال سبحانه: يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ
«4» كما قال في باب الحلية والزينة: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ
«1» وذلك لما كانت العادة به من متنعمي الملوك في هذه الدنيا بأن يحلوا أعضاءهم الشريفة بالذهب، وكذلك شأنهم إذ بالغوا في إكرام من يقفون منه على بلاء عظيم في الحرب والدفاع عن حوزة الملك، ولجلالة قدره ما حكى الله عز اسمه في قصة موسى عن فرعون: فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ
«2» .
ومن أحسن ما قيل في وصف الذهب قول قدامة حكيم المشرق:
الذهب نسيم مركوم وشعاع معقود؛ فأتى بعلة عجيبة حيث ذكر أنه شعاع الشمس وقد انعقد فصار جمادا.
وفي المبهج: الذهب خير مال حاضر، لباد أو حاضر، وقال أيضا: من ملك الصفر والبيض أبيضّ وجهه واخضر عيشه واسودّ وجه عدوه.
مصادر و المراجع :
١-اللطائف والظرائف
المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)
الناشر: دار المناهل، بيروت
30 نوفمبر 2024
تعليقات (0)