المنشورات
مدح الفراق
قال بعض الحكماء: في الفراق مصافحة التسليم ورجاء الأوبة، والسلامة من السآمة وعمارة القلب بالشوق والأنس بالمكاتبة.
قال أبو تمام:
وليست فرحة الأوبات إلا ... بموقوف على ترح الوداع
وكتب بعض الكتّاب: جزى الله الفراق خيرا، فما هو إلا زفرة وعبرة ثم اعتصام وتوكل ثم تأميل وتوقع، وقبّح الله التلاقي، فإنما هو مسرة لحظة ومساءة أيام، وابتهاج ساعة واكتئاب زمان. وقال:
إني لأكره الاجتماع ولا أكره الفراق، لأن مع الفراق غمة يخفيها توقع إسعاف بتأميل الأوبة والرجعى. ومع الاجتماع محاذرة الفراق وقصر السرور: قال الشاعر:
ليس عندي سخط النوى بعظيم ... فيه غم وفيه كشف غموم
من يكن يكره الفراق فإني ... اشتهيه للذة التسليم
إن فيه اعتناقه لوداع ... وانتظار اعتناق لقدوم
وقال بعض الظرفاء من الكتّاب: إن قلت: إني لم أجد للرحيل ألما وللبين حرقة، لقلت: حقا، لأني نلت به العناق وأنس اللقاء ما كان معدوما أيام الاجتماع.
ومما يليق قول البحتري:
فاحسن بنا والدمع بالدمع واكف ... نمازجه والخدّ بالخد ملصق
وقد ضمّنا وشي الفراق ولفّنا ... عناق على أعناقنا ثم ضيق
فلم نر إلا مخبرا عن صبابة ... بشكوى وإلا عبرة تترقرق
ومن قبل قبل والتّشكّي وبعده ... نكاد بها من شدّة اللثم نشرق
ولو فهم الناس الفراق وحسنه ... لحبب من أجل التلاقي التفرق
وقال غيره:
آه من حرّ دمعة المشتاق ... ما ألذّ البكاء عند الفراق
لذّة الدمع عند بين حبيب ... كعناق الحبيب وقت التلاقي
مصادر و المراجع :
١-اللطائف والظرائف
المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)
الناشر: دار المناهل، بيروت
30 نوفمبر 2024
تعليقات (0)