المنشورات

مدح الشباب

في الحديث المرفوع «1» : «أوصيكم بالشبان خيرا فإنهم أرق أفئدة، إن الله بعثني بشيرا ونذيرا فحالفني الشبان وخالفني الشيوخ، ثم قرأ: فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ
«2» .
وكان عطاء الخراساني يقول: الحوائج إلى الشبان أسهل منها إلى الشيوخ؛ ألم تر أن يوسف عليه السلام قال لإخوته: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ
«3» وقال أبوهم: سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
«4» .
وقال الصولي في كتاب فضل الشباب على الشيب الذي ألّفه للمقتدر: إن الشيب لا يقدم مؤخرا ولا يؤخر مقدما بل ربما عدل بجلائل الأمور ومهمات الخطوب عن المشايخ إلى الشبان لاستقبال أيامهم وسرعة حركاتهم، وحدة أذهانهم، وتيقظ طباعهم لأنهم على ابتناء المجد أحرص، وإليه أصبى وأحوج، وقد أخبر الله تعالى عن إعطاء يحيى بن زكريا عليهما السلام الحكمة في سن الصبابة بقوله:
يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا
«5» ، وذكر الفتية في كتابه العزيز في غير ما موضع: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ
«1» وقال: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً
«2» ، وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ
»
وقال: فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا
«4» .
وقال بعض البلغاء: الشباب باكورة الحياة «5» ، وأطيب العيش أوائله، كما أن أطيب الثمار بواكيرها. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا شابا، ولا أوتي العلم عالم إلا وهو شاب ثم تلا قوله تعالى: قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ
«6» .
وقال الجاحظ في قول أبي العتاهية:
إن الشباب حجة التصابي ... روائح الجنّة في الشباب
معنى كمعنى الطرب الذي تشهد بصحته القلوب وتعجز عن صفته الألسن.
ومن أحسن ما قيل في مدح الشباب والتأسف عليه قول محمد بن حازم الباهلي: 

لا حين صبر فخلّ الدمع ينهمل ... فقد الشباب بيوم الموت متّصل
لا تكذبن فما الدنيا بأجمعها ... من الشباب بيوم واحد بدل
ولما أنشد منصور النمري «1» الرشيد قوله:
ما تنقضي حسرة مني ولا جزع ... إذا ذكرت شبابا ليس يرتجع
بان الشباب وفاتتني مسرته ... صروف دهر وأيام لها جزع
ما كنت أوفي شبابي كنه عزته ... حتى مضى فإذا الدنيا له تبع
بكى الرشيد حتى اخضلت لحيته ثم قال: يا نمري لا خير في دنيا لا يحظى فيها برد الشباب.
ومن أحاسن هذا الباب قول ابن الرومي:
لا تلح من يبكي شبيبته ... إلا إذا لم يبكها بدم
لسنا نراها حق رؤيتها ... إلا أوان الشيب والهرم
ولربّ شيء لا يبيّنه ... وجدانه إلا مع العدم 

كالشمس لا تبدو فضيلتها ... حتى تغشىّ الأرض بالظلم
وله أيضا في نسيب قصيدة:
أيا برد الشباب لكنت عندي ... من الحسنات والقسم الرّغاب
لبستك برهة لبس ابتذال ... على علمي بفضلك في الثياب
ولو ملّكت صونك فاعلمنه ... لصنتك في الحرير من العياب «1»
ولم ألبسك إلا يوم فخر ... ويوم زيارة الملك اللّباب 











مصادر و المراجع :

١-اللطائف والظرائف

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

الناشر: دار المناهل، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید