المنشورات
مدح الشيب
في الخبر أن الله تعالى يقول: الشيب نوري والنار خلقي وأنا أستحي أن أحرق نوري بناري «1» . وكان يقال: الشيب حلية العقل وسمة الوقار.
وقال دعبل الخزاعي:
أهلا وسهلا بالمشيب فإنّه ... سمة العفيف وهيئة المتحرج
وكأنّ شيبي نظم در زاهر ... في تاج ذي ملك أغرّ متوّج
وقال طريح بن إسماعيل الثقفي:
والشيب إن يحلل فإنّ وراءه ... عمرا يكون خلاله متنفّس
لم ينتقص مني المشيب قلامة ... ولنحن حين بدا ألذّ وأكيس «2»
وكان يقال: الشيب زبدة مخضتها الأيام، وفضة سبكتها التجارب «1» .
وكان بعض الحكماء يقول: إذا شاب العاقل سرى في طريق الرشد بمصباح الشيب «2» .
ووصف بعض البلغاء رجلا شاب وارعوى عن مجاهل الشباب فقال: ذاك قد عصى شياطين الشباب وأطاع ملائكة الشيب.
وقال علي رضي الله عنه: مشهد الشيخ خير من مشهد الغلام.
وقال ابن المعتز: عظّم الكبير فإنه عرف الله قبلك، وارحم الصغير فإنه أغر بالدنيا منك.
وكان يقال: الشيخ يقول عن عيان والشاب عن سماع.
وقال أبو تمام:
فلا يروعك إيماض الشيب به ... فإنّ ذاك ابتسام الرأي والأدب «3»
وقال أبو السمط:
إنّ المشيب رداء العقل والأدب ... كما الشباب رداء اللهو والطّرب
وقال دعبل:
أحبّ الشّيب لما قيل: ضيف ... كحبي للضيوف النّازلينا «1»
وقال البحتري:
وبياض البازيّ أصدق حسنا، ... إن تأملت، من سواد الغراب
وله:
عذلتنا في عشقها أم عمرو ... هل سمعتم بالعاذل المعشوق
ورأت لمة ألم بها الشي ... ب فريعت من ظلمة في شروق
ولعمري لولا الأقاح لأبصر ... ت أنيق الرياض غير أنيق
وسواد العيون لو لم يملح ... ببياض ما كان بالموموق
أي ليل يبهى بغير نجوم ... وسحاب يندى بغير بروق
وقال ابن الرومي:
قد يشيب الفتى وليس عجيبا ... أن ترى النار في القضيب الرطيب
وللبديع الهمذاني فصل في مدح الشيب وذم الشباب: جزى الله المشيب خيرا فإنه أناة، ولا رد الشباب فإنه هنات وبئس الدار الصبا وليس دواؤه إلا انقضاؤه، وبئس المثل: النار ولا العار، ونعم الراكضان «1» : الليل والنهار، وأظن الشباب والشيب لو مثّلا لكان الأول كلبا عقورا، والآخر شيخا وقورا، ولاشتعل الأول نارا، واشتهر الآخر نورا، فالحمد الله الذي بيض «2» القار وسماه الوقار، وعسى الله أن يغسل الفؤاد كما غسل السواد، إن السعيد من شابت جملته ولم تخص بالبياض لحيته «3» . وقال أيضا في الشيب:
يا من يعلل نفسه بالباطل ... نزل المشيب فمرحبا بالنازل
إن كان ساءك طالعات بياضه ... فلقد كساك بذاك ثوب الفاضل
لا تبكين على الشباب وفقده ... لكن على الفعل القبيح الحاصل
يا غافلا عن ساعة مقرونة ... بنوادب وصوارخ وثواكل
قدّم لنفسك قبل موتك صالحا ... فالموت أسرع من نزول الهاطل
حتام سمعك لا يعي لمذكر ... وصحيح قلبك لا يلين لعاذل
تبغي من الدنيا الكثير وإنما ... يكفيك من دنياك زاد الراحل
آي الكتاب تهز سمعك دائما ... وتصم عنها معرضا كالغافل
كم للإله عليك من نعم ترى ... ومواهب وفوائد وفواضل
كم قد أنالك من موانح طوله ... فاسأله عفوا فهو غوث السائل
مصادر و المراجع :
١-اللطائف والظرائف
المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)
الناشر: دار المناهل، بيروت
30 نوفمبر 2024
تعليقات (0)