المنشورات

عبد الله المأمون

وخلص الأمر ل «عبد الله بن هارون، المأمون» سنة ثمان وتسعين ومائة.
وأمه: أمة تسمى: «مراجل» . وكان أبوه حدّه في جارية من جواريه. فقال:
«الرّقاشى» «1» يمدح أخاه «محمدا» ويعرّض ب «المأمون» : [مجزوء الرمل]
لم تلده أمة تعرف ... في السّوق التّجارا
لا ولا حدّ ولا خان ... ولا في الجرى جاري
وكان «أبو السّرايا» مع «هرثمة» من أصحابه. فمنعوه أرزاقه. فغضب:
وخرج حتى أتى «الأنبار» فقتل العامل بها، ثم مضى لا يعرف أين يريد ولا يطلب.
ثم قدم «عليّ بن أبى سعيد» من قبل «الفضل بن سهل» فعزل «هرثمة» و «طاهرا» . وولوا «طاهرا» على «الجزيرة» لمحاربة «نصر بن شبث» [1] . وأقبل «الحسن بن سهل» من «خراسان» على «العراق» ومعه «حميد بن عبد الحميد» وجمع كثير من القواد. فلما دنا من «بغداد» خرج «طاهر» إلى «الرّقة» .
وتوجّه «هرثمة» يريد «خراسان» . وقدم «الحسن» ونزل «الشمّاسية» وظهر «ابن طباطبا العلويّ» [2] بالكوفة، وانضم/ 197/ إليه «أبو السّرايا» «2» فغلب على «الكوفة» ، ووثب العلويون ب «مكة» ، و «المدينة» ، و «اليمن» ، فغلبوا عليها. فوجّه «طاهر» «زهير بن المسيّب» إلى أهل «الكوفة» ، فقاتلهم، فهزمه أهل «الكوفة» واستباحوا عسكره، ورجع إلى «بغداد» . وسار «طاهر» إلى «الرّقة» فالتقى هو و «نصر بن شبث» [1] ، فقاتله «نصر» وأثخن في أصحابه، ولم تزل الحرب بينه وبينه إلى أن ورد «المأمون» «بغداد» فقدم عليه.
ووجّه «الحسن بن سهل» «عبدوس بن محمد بن أبى خالد» إلى «أبى السّرايا» فالتقوا، فقتل «عبدوس» وأصحابه، وأقبل أهل «الكوفة» حتى ساروا إلى نهر «صرصر» «1» أخذوا «واسط» و «البصرة» . فبعث «الحسن بن سهل» «السندىّ بن شاهك» إلى «هرثمة» وهو: «حلوان» ، فردّه، وبعث به فسار إلى نهر «صرصر» فكشفهم، وأتبعهم، فأدركهم بالقرب من قصر «ابن هبيرة» فواقعهم، فقتل منهم خلقا كثيرا، وانهزموا حتى دخلوا «الكوفة» . ومات «ابن طباطبا» ، فنصب «أبو السرايا» مكانه فتى من العلويين، يقال له: محمد ابن محمد. ولم يزل «هرثمة» يحاربهم، وقد أثخنوا في أصحابه حتى ضعفوا وكاتبوه، وهرب «أبو السرايا» ومعه العلويّ. ودخلها «هرثمة» فأقام بها أياما، ثم استخلف عليها، ثم رجع إلى «بغداد» ، ومضى إلى «خراسان» وظفر ب «أبى السّرايا» و «العلويّ» ، فقتل «أبا السرايا» ، ثم حمل «العلويّ» إلى «خراسان» . وحارب أهل «بغداد» «الحسن بن سهل» ، ورئيسهم «محمد بن أبى خالد المروزي» ، وبنوه: عيسى، وهارون، وأبو زنبيل، و «الحسن» ب «المدائن» . وصار الناس فوضى لا أمير عليهم. فخرج «سهل بن سلامة» والمطّوعة. وبعث «المأمون» إلى «على بن موسى» - الّذي يدعى: «الرّضى» - فحمله إلى «خراسان» ، فبايع له بولاية العهد بعده. وأمر الناس بلباس الخضرة. وصار أهل «بغداد» إلى «إبراهيم ابن المهدي» فبايعوه بيعة الخلافة، فخرج إلى «الحسن بن سهل» فألحقه ب «واسط» وأقام «إبراهيم» ب «المدائن» . ثم وجه «الحسن بن سهل» «عليّ بن هشام» و «حميدا الطّوسي» فاقتتلوا، فهزمهم «حميد» وجلس «عليّ بن عيسى» مكان «سهل بن سلامة» وأمره بالمعروف، فاحتال حتى خذل من معه، وظفر به، ودفعه إلى «إبراهيم بن المهدي» ، فغيّبه عنده، ولم يعرف خبره، حتى قرب «المأمون» من «بغداد» . ووجّه «الحسن بن سهل» «هارون بن المسيّب» إلى «الحجاز» لقتال «العلوية» ، فاقتتلوا، فهزمهم/ 198/ «هارون بن المسيّب» ، وظفر ب «محمد بن جعفر» ، فحمله إلى «المأمون» مع عدة من أهل بيته، فلم يرجع أحد منهم. ومات «الرّضى» ب «خراسان» . ولما صار «هرثمة» إلى «خراسان» . جرى بينه وبين «الفضل بن سهل» كلام بين يدي «المأمون» ، فأمر بحبسه، فحبس بقبة في دار «المأمون» ، فمكث فيها أياما ثم أخرج ميتا، فلف في خيشة، ودفن في خندق كان لأهل السجن ب «مرو» . فلما بلغ «حاتم بن هرثمة» ، وهو على «أرمينية» ، ما صنع بأبيه، كاتب الأحرار [1] هنالك، والملوك، ودعاهم إلى الخلاف، فبينما هو كذلك، أتاه الموت. فيقال: إن سبب خروج «بابك» كان ذلك. فمكث «بابك» نيّفا وعشرين سنة.
وكان «أبو إسحاق المعتصم» مع «الحسن بن سهل» . فهرب إلى «إبراهيم ابن المهدي» . وكان يقاتل مع «الحسن بن سهل» وأصحابه، ثم التقى هو و «مهدىّ الشاري» سنة ثلاث ومائتين، فانهزم «أبو إسحاق» إلى «بغداد» .
ولم تزل الحرب بين أهل «بغداد» وبين «الحسن بن سهل» ، حتى ظفر بهم «الحسن» وأسر منهم أسرى كثيرين [1] ، وحملهم مع «أحمد بن أبى خالد» إلى «خراسان» ، فوافى «خراسان» ، وقد قتل «الفضل بن سهل» ب «سرخس» ، سنة ثلاث ومائتين. فاتخذه «المأمون» وزيرا مكان «الفضل» ، واستخلف على «خراسان» ، «غسّان بن عبّاد» ، وأقبل «المأمون» إلى «بغداد» ، فلما قرب منها، أظهر [2] «إبراهيم بن المهدي» «سهل [2] بن سلامة» ، وقال له:
ادع الناس إلى محاربة «المأمون» ، ففعل ذلك. ثم توارى «إبراهيم» . ودخل المأمون «بغداد» يوم السبت، لأربع ليال خلون من صفر، سنة أربع ومائتين، وعليه الخضرة، فأحسن السيرة، وتفقّد أمور الناس وقعد لهم. ثم أصابت الناس المجاعة. ووجّه إلى «بابك» : «يحيى بن معاذ» ، و «شبيبا البلخيّ» إلى: «نصر ابن شبث» ، فهزم «يحيى» و «شبيب» . ووجه «خالد بن يزيد بن مزيد» إلى «مصر» لمحاربة «عبيد الله بن السّرىّ» ، فظفر به «عبيد» ، وأخذه أسيرا، فعفا عنه، وعمّن أسره من أصحابه، وأطلقهم. ثم وجه «المأمون» : «عبد الله ابن طاهر» ، لمحاربة «نصر بن شبث [3] » ، و «الزّواقيل» «1» سنة سبع ومائتين.
وفيها مات «طاهر» أبوه، واستأمن «نصر» فأمنه «عبد الله» . ثم مضى إلى «مصر» فاستأمنه «ابن السري» ، فأمّنه، وأشخصه إلى «بغداد» . (199) .
وظفر «المأمون» ب «إبراهيم بن المهدىّ» سنة عشر ومائتين، فأمنه ونادمه. 

وفي هذه السنة بنى ب «بوران» . وبعث «المأمون» إلى «محمد بن على بن موسى» ، وهو «ابن الرّضى» ، فأقدمه، فزوّجه ابنته، وأذن له في حملها إلى «المدينة» ، فحملها. ووجه «محمد بن حميد» لقتال «بابك» فالتقوا، فقتل «محمد بن حميد» سنة أربع عشرة ومائتين. وعقد «المأمون» ل «عبد الله بن طاهر» [على «الجبال» وحرب الخرّمية. وأمر أخاه «أبا إسحاق» باتخاذ الأتراك، وجلبهم. وكتب إلى عبد الله بن طاهر [1] . وهو ب «الدّينور» من أرض «الجبل» ، أن يتوجه إلى «خراسان» . وبعث «عليّ بن هشام» ، لمحاربة «بابك» ، ثم توجه «المأمون» إلى «طرسوس» في المحرم سنة خمس عشرة ومائتين، فغزا «الروم» ، وافتتح حصن «قرّة» و «خرشنة» ، و «صمالو» «1» [2] ، ثم انصرف إلى «دمشق» ، ثم مضى إلى «مصر» ، ثم عاد إلى «دمشق» ، ثم توجه إلى «الروم» ، سنة سبع عشرة ومائتين. وفي هذه السنة قدم عليه «عجيف» ب «عليّ بن هشام» فقتله وأخاه وفيها مات «عمرو بن مسعدة» ب «أذنة» ، وفيها فتحت «لؤلؤة» ، وأمر ببناء «طوانة» «2» ، ثم عاد «المأمون» ، فصار إلى «الرّقة» ، ثم عاد إلى بلاد الروم، فمات على نهر «البذندون» «3» ، لثلاث عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ثمان عشرة ومائتين، فحمل إلى «طرسوس» ، ودفن بها.
وكانت خلافته- منذ قتل «محمد» - عشرين سنة. وعقبه كثير. 












مصادر و المراجع :

١-المعارف

المؤلف: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276هـ)

تحقيق: ثروت عكاشة

الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة

الطبعة: الثانية، 1992 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید