المنشورات
ملوك اليمن
قال أبو محمد:
كان «يعرب بن قحطان» سار إلى «اليمن» في ولده وأقام بها، وهو أوّل من نطق بالعربية من ولد «آدم» ، وأوّل من حياه ولده بتحية الملوك: أبيت اللعن، وأنعم صباحا.
و «اليمن» كلها من ولده. وولد ل «يعرب» : يشجب بن يعرب. وولد ل «يشجب» سبأ بن يشجب. وكانت الملوك في ولده. ويقال: إنه سمى: سبأ، لأنه أوّل من سبى السبي من ولد «قحطان» .
فأوّل الملوك من ولده: حمير بن سبإ، ملك حتى مات/ 305/ هرما.
ولم يزل الملك في ولد «حمير» لا يعدو ملكهم «اليمن» ، ولا يغزو أحد منهم، حتى مضت قرون، وصار الملك إلى «الحارث الرائش» .
الحارث الرائش:
وكان «الحارث» أوّل من غزا منهم، وأصاب الغنائم، وأدخلها «اليمن» ، وبين «الرائش» وبين «حمير» خمسة عشر أبا، فيما يقال. وسمى: الرائش، لأنه أدخل «اليمن» الغنائم والأموال والسبي، فراش الناس.
وفي عصره مات «لقمان» صاحب النّسور. و «لقمان» ، هو الّذي بعثته «عاد» في وفدها إلى «الحرم» ليستسقي لها، فخير بقاء سبع بقرات سمر من أظب، أو عفر في جبل وعر، لا يمسها القطر، أو بقاء سبعة أنسر، كلما هلك منها نسر، خلف من بعده نسر. فاختار أعمار النسور، فكان آخر نسوره «لبد» . وقد ذكرته الشعراء. قال النابغة: [بسيط]
أضحت خلاء وأضحى أهلها احتملوا ... أخنى عليها الّذي أخنى على لبد
وقال «لبيد بن ربيعة العامري» : [بسيط]
لما رأى لبد النّسور تطايرت ... رفع القوادم كالفقير الأعزل
والشعراء تنسبه إلى «عاد» ويقال: إنه عمر ألفى سنة، وأربعمائة ونيفا وخمسين سنة. وكان أقصى أثر «الرائش» في غزوة الأوّل «الهند» ، ثم غزا بعد ذلك «الترك» ب «أذربيجان» وما يليها، وسبى الذرية. ثم أقبل.
وقد ذكر «الرائش» نبينا- صلّى الله عليه وسلم- في شعر له، ذكر فيه من يملك منهم ومن غيرهم، فقال: [وافر]
ويملك بعدهم رجل عظيم ... نبيّ لا يرخّص في الحرام
يسمّى أحمدا ياليت أنّى ... أعمّر بعد مخرجه بعام
وكان ملكة مائة سنة، وخمسا وعشرين سنة.
أبرهة بن الرائش:
ثم ملك بعده ابنه «أبرهة بن الرائش» ، وكان يقال له: ذو المنار. لأنه أوّل من ضرب المنار على طريقه في مغازيه، ليهتدى بها إذا رجع. وكان ملكه مائة وثلاثا وثمانين سنة.
(306) إفريقيس [1] بن أبرهة:
ثم ملك بعده ابنه «إفريقيس بن أبرهة بن الرائش» ، فغزا نحو «المغرب» في أرض «بربر» ، حتى انتهى إلى «طنجة» ونقل البربر من أرض «فلسطين» ، و «مصر» ، والساحل إلى مساكنهم اليوم. وكانت «البربر» بقية من قتل «يوشع بن نون» .
و «إفريقيس» هو الّذي بنى «إفريقية» ، وبه سميت، وكان ملكه مائة وأربعا وستين سنة.
العبد بن أبرهة:
ثم ملك بعده أخوه «العبد بن أبرهة» . وهو ذو: الأذعار. سمى بذلك لأنه كان غزا «بلاد النسناس» ، فقتل منهم مقتله عظيمة ورجع إلى «اليمن» من سبيهم بقوم وجوههم في صدورهم، فذعر الناس منهم، فسمى: ذا الأذعار.
وكان هذا في حياة أبيه، فلما ملك أصابه الفالج، فذهب شقه قبل غزوة. وكان ملكه خمسا وعشرين سنة.
هداد بن شرحبيل:
ثم ملك بعده «هداد بن شرحبيل بن عمرو بن الرائش» ، وهو أبو «بلقيس» صاحبة «سليمان» - عليه السلام. ويقال: إنه نكح امرأة من الجن، فولدت له «بلقيس» ، فلم يلبث إلا يسيرا حتى هلك، فلما حضرته الوفاة جعل الملك لها بعده.
بلقيس:
فملكت «بلقيس» ، وكانت من أفضل [1] الناس في زمانها، وأعقلهم وأحزمهم، فكان من أمرها وأمر «سليمان» عليه السلام ما قصه الله- عز وجل- علينا في كتابه. ويقال إن «سليمان» تزوّجها، فولدت له «داود بن سليمان» ، ومات في حياة أبيه.
ويقال: بل تزوّجها رجل من المقاول وسرّحها إلى ملكها، وكان يأتى بلدها في كل شهر.
ويقال: إن مدة «سليمان» ، كانت في ملكه أربعين سنة. ويقال:
أربعا وعشرين سنة.
وماتت «بلقيس» بعده بمدة يسيرة.
ياسر بن عمرو:
ثم ملك بعدها: «ياسر بن عمرو» بن يعفر بن عمرو بن شرحبيل. ويعرف «بياسر النعم» ، لإنعامه على الناس. ورد الملك إليهم بعد «سليمان» - عليه السلام.
وكان شديد السلطان، قويا في أمره، وخرج غازيا نحو «المغرب» ، حتى أتى وادي الرمل الجاري، فوجه جيشا في الرمل فهلكوا فيه، ولم يعد منهم أحد، فأمر بصنم نحاس فعمل، وكتب عليه بالمسند: ليس ورائي مذهب. ورجع.
وكان ملكه خمسا وثمانين سنة.
شمر بن إفريقيش:
ثم ملك بعده: «شمر» بن إفريقيش بن أبرهة بن الرائش. وهو [307] الّذي يدعى: «شمر يرعش» ، وذلك لارتعاش كان به. وخرج في جيش عظيم حتى دخل أرض «العراق» ، ثم توجه يريد «الصين» ، فأخذ على طريق «فارس» ، و «سجستان» ، و «خراسان» ، فافتتح «المدائن» . والقلاع، وقتل وسبى، ودخل مدينة «الصغد» ، فهدمها- فسميت «شمركند» - أي:
شمر أخربها. وأعربها الناس، فقالوا: سمرقند-، ثم عاد، وكان ملكه مائة وسبعا وثلاثين سنة.
الأقرن بن شمر:
ثم ملك بعده ابنه «الأقرن بن شمر يرعش» ، فغزا بلاد الروم، وكان أهلها يومئذ يعبدون الأوثان، ووغل فيها حتى بلغ «وادي الياقوت» ، فمات قبل أن يدخله، ودفن هناك. وكان ملكه ثلاثا وخمسين سنة.
تبع بن الأقرن:
ثم ملك بعده ابنه «تبع بن الأقرن بن شمر يرعش» ، وهو «تبع الأكبر» ، وأوّل التبابعة. فأقام عشرين سنة لا يغزو، وأتاه عن «الترك» ما كره، فسار إليهم على جبلي «طيِّئ» ، ثم على «الأنبار» ، وهو الطريق الّذي سلكه «الرائش» ، فلقيهم في حد «أذربيجان» ، فهزمهم، وسبى منهم، ورجع.
ثم غزا «الصين» ، ثم رجع وخلف ب «التبت» جيشا عظيما رابطة، فأعقابهم «بالتبت» يعرفون ذلك.
و «تبع» هذا هو القائل: [كامل]
منع البقاء تقلّب الشمس ... وطلوعها من حيث لا تمسى
وطلوعها بيضاء صافية ... وغروبها صفراء كالورس
تجرى على كبد السماء كما ... يجرى حمام الموت في النّفس
اليوم نعلم [1] ما يجئ به ... ومضى بفصل قضائه أمس
وبعض الرواة يذكرون أن هذا الشعر لأسقف «نجران» ، وكان ملكه مائة وثلاثا وستين سنة.
كليكرب بن تبع الأكبر:
ثم ملك بعده «كليكرب بن تبع الأكبر» ، وكان ضعيفا صغير الهمة، لم يغز حتى مات. وكان ملكه خمسا وثلاثين سنة.
تبع بن كليكرب:
ثم ملك بعده ولده «تبع بن كليكرب» ، وهو «أسعد أبو كرب» وهو «تبع» الأوسط، فأكثر الغزو، ولم يدع مسلكا سلكه آباؤه إلا سلكه، وكان يغزو بالنجوم/ 308/ ويسير بها ويمضى أموره بدلالتها. وطالت مدته، واشتدت وطأته، وملّته «حمير» ، وثقل عليهم ما كان يأخذهم به من الغزو، فسألوا ابنه «حسان بن تبع» أن يمالئهم على قتله ويملكوه، فأبى ذلك عليهم فقتلوه، ثم ندموا على قتله، فاختلفوا فيمن يملكون بعده، حتى اضطرتهم الأمور إلى أن يملكوا ابنه «حسانا» ، فملكوه، وأخذوا عليه موثقا ألا يؤاخذهم بما كان منهم في أبيه.
ويقال: إن «تبعا» هذا هو الّذي آمن برسول الله- صلّى الله عليه وسلم- وقال: [متقارب]
شهدت على أحمد أنه ... رسول من الله بارى النّسم
فلو مد عمري إلى عمره ... لكنت وزيرا له وابن عم
وأنه كسا البيت الأقطاع [1] .
ويقال بل «تبع الآخر» [فعل ذلك [1] .
وكان ملك «تبع الأوسط» ثلاثمائة وعشرين سنة.
حسان بن تبع:
ثم ملك ابنه «حسان بن تبع» ، وهو الّذي بعث إلى «جديس» ب «اليمامة» فأبادها، وكانت «طسم» و «جديس» تنزل «اليمامة» ، وكان لها ملك من «طسم» ، قد ساءت سيرته، وكانوا لا يزوّجون امرأة من «جديس» ، إلا بعث بها إليه ليلة إهدائها فافترعها قبل زوجها. فوثبت «جديس» على «طسم» ، وهي غارّة، فقتلت منها مقتلة عظيمة، وقتلت ذلك الملك. ومضى رجل من «طسم» إلى «حسان بن تبع» يستصرخه، فوجه «حسان» جيشا إلى «اليمامة» ، واسم «اليمامة» ، يومئذ «جو» وبها امرأة يقال لها: اليمامة [2] ، تبصر الركب من مسيرة ثلاثة أيام. وباسمها سميت: جو اليمامة. فلما خافوا أن تبصرهم قطعوا الشجر، وجعل كل رجل منهم بين يديه شجرة، فنظرت «اليمامة» ، فقالت: يا معشر «جديس» ، لقد سار إليكم الشجر، ولقد أتتكم «حمير» . قالوا: ما ذاك؟! قالت: أرى في الشجر رجلا معه كتف يأكلها أو نعل يخصها، فكذبوها. فصبحتهم «حمير» . وأوقعت بهم وقعة أفنتهم إلا يسيرا.
وقد ذكرت الشعراء قصة المرأة، قال الأعشى: [بسيط]
ما نظرت ذات أشفار كما نظرت ... يوما ولا نظر الذئبى «1» إذ سجعا
/ 309/
قالت أرى رجلا في كفّه كتف ... أو يخصف النعل لهفي أية صنعا
فكذّبوها بما قالت فصبّحهم ... ذو آل حسّان يزجى السّم والسّلعا «1» [1]
فاستنزلوا أهل جوّ من مساكنهم ... وهدّموا رافع [2] البنيان فاتضعا
ولم يزل «حسان بن تبع» ، يتجنى على قتلة أبيه، فقتلهم واحدا واحدا، وأخذهم بالغزو، واشتدّ عليهم، فأتوا أخاه «عمرو بن تبع» ، فبايعهم وبايعوه على قتل أخيه، وتمليكه بعده، خلا رجل من أشرافهم، يقال له: ذو رعين، فإنه نهاه عن ذلك، وحذره سوء العاقبة، وأعلم أنه إن فعل ذلك منع منه النوم، فلم يقبل منه، فقتل أخاه «حسانا» .
عمرو بن تبع:
وملك «عمرو بن تبع» ، فمنع منه النوم، فشكا ذلك، فقيل له: إن النوم لا يأتيك، أو تقتل قتلة أخيك. فنادى في جميع أهل مملكته: إن الملك يريد أن يعهد عهدا غدا، فاجتمعوا، وأقام لهم الرجال، وقعد في مجلس الملك، ثم أمرهم أن يدخلوا خمسة خمسة، وعشرة عشرة، فإذا دخلوا، عدل بهم فقتلوا، حتى أتى على عامة القوم، وأدخل «ذو رعين» ، فلما رآه أذكره ما كان قال له، وأنشد شعرا له يقول فيه: [وافر]
ألا من يشترى سهرا بنوم ... سعيد من يبيت قرير عين
فإن تك حمير غدرت وخانت ... فمعذرة الإله لذي رعين
فأمر بتخليته، وأكرمه وقرّبه واختصه. واضطربت عليه أموره، وترك الغزو، فسمى: موثبان، لقعوده- والوثاب: الفراش، أرادوا أنه لزم الفراش.
وفي ملكه تزوّج «عمرو بن حجر الكندي» جد «امرئ القيس» الشاعر، بنت «حسان بن تبع» ، فولدت له: الحارث بن عمرو بن حجر. وكان «عمرو ابن حجر» سيد «كندة» ، وكان يخدم أباها «حسان بن تبع» ، وفي زمانه انتقل «عمرو بن عامر مزيقياء» ، وولده، ومن اتبعه من أرض «اليمن» ، حين أحس ب «سيل العرم» . و «عمرو بن عامر» هو أبو «خزاعة» ، وأبو «الأوس» ، و «الخزرج» ، وكان ملكه ثلاثا وثلاثين سنة.
عبد كلال بن مثوب:
ثم ملك بعده «عبد كلال بن مثوب» ، وكان مؤمنا على دين عيسى- عليه السلام- ويسرّ إيمانه. وكان ملكه أربعا وسبعين سنة.
/ 310/ تبع بن حسان:
ثم ملك بعده «تبع بن حسان بن تبع بن كليكرب بن تبع بن الأقرن» ، وهو «تبع الأصغر» ، آخر «التبابعة» ، وكان مهيبا، فبعث ابن أخته «الحارث بن عمرو بن حجر الكندي» ، وهو جد «امرئ القيس» الشاعر، إلى «معد» ، وملكه عليهم، وسار إلى «الشام» ، وملوكها «غسان» ، فأعطته المقادة، واعتذروا من دخولهم إلى النصرانية، وصاروا إلى ابن أخته «الحارث بن عمرو» ، وهو «بالمشقر» من ناحية «هجر» ، فأتاه قوم كانوا وقعوا إلى «يثرب» ، ممن خرج مع «عمرو بن عامر مزيقياء» ، وخالفوا «اليهود» «بيثرب» ، فشكوا اليهود وذكروا سوء مجاورتهم لهم، ونقضهم الشرط الّذي شرطوه لهم عند نزولهم، ومتوا إليه بالرحم، فأحفظه ذلك، فسار إلى «يثرب» ، ونزل في سفح «أحد» ، وبعث إلى اليهود، فقتل منهم ثلاثمائة وخمسين رجلا صبرا، وأراد إخرابها، فقام إليه رجل من اليهود، قد أتت له مائتان وخمسون سنة، فقال له: أيها الملك مثلك لا يقتل على الغضب، ولا يقبل قول الزور، وأمرك أعظم من أن يطير بك نزق، أو يسرع بك لجاج، وإنك لا تستطيع أن تخرب هذه القرية. قال: ولم؟ قال: لأنها مهاجر نبيّ من ولد «إسماعيل» يخرج من عند هذه البنية- يعنى البيت الحرام- فكف «تبع» عن ذلك، ومضى يريد «مكة» ، ومعه هذا اليهودي، ورجل آخر من اليهود عالم، وهما الحبران، فأتى «مكة» ، وكسا البيت، وأطعم الناس، وهو القائل: [خفيف]
فكسونا البيت الّذي حرّم الله ... ملاء معضّدا وبرودا
ويقول قوم: إن قائل هذا هو تبع الأوسط. ثم رجع إلى «اليمن» ، ومعه الحبران، وقد دان بدينهما، وآمن «بموسى» وما نزل في التوراة، وبلغ ذلك أهل «اليمن» ، فاختلفوا عليه، وامتنعوا عن متابعته على دينه، فحاكمهم إلى النار، بأن دخلها الحبران وقوم منهم فأحرقتهم، وسلم الحبران والتوراة، فانقادوا له وتابعوه، فبذلك دخلت اليهودية «اليمن» .
و «تبع» هذا هو الّذي عقد الحلف بين «اليمن» و «ربيعة» .
وكان ملكه ثمانيا وسبعين سنة.
مرثد بن عبد كلال:
ثم ملك بعده «مرثد بن عبد كلال» ، وهو أخو «تبع» لأمه، وكان ذا رأى وبأس وجود، وبعده تفرّق ملك «حمير» ، فلم يعد ملكهم «اليمن» ، وأهلها.
وكان ملكه إحدى وأربعين سنة.
[311] وليعة بن مرثد:
ثم ملك بعده ولده: وليعة بن مرثد. وكان عاقلا، حسن التدبير.
وكان ملكه سبعا وثلاثين سنة.
أبرهة بن الصباح:
ثم ملك بعده «أبرهة بن الصباح» . وكان عالما جوادا، وكان يعلم أن الملك كائن في بنى «النضر بن كنانة» ، فكان يكرم «معدا» .
وملك ثلاثا وسبعين سنة.
حسان بن عمرو بن تبع:
ثم ملك: «حسان بن عمرو» ، وهو الّذي أتاه «خالد بن جعفر بن كلاب العامري» في أسارى قومه، فأطلقهم. ومدحه «خالد» .
وكان ملكه سبعا وخمسين سنة.
ذو شناتر:
ثم ملك بعده رجل ليس من أهل بيت الملك، ولكنه من أبناء المقاول، يقال له: «ذو شناتر» ، وكان غليظا فظا، قتالا، ولا يسمع بغلام قد نشأ من أبناء الملوك إلا بعث إليه فأفسده، وأنه بعث إلى غلام منهم، يقال له:
«ذو نواس» ، وكانت له ذؤابتان تنوسان على عاتقه، بهما سمى «ذو نواس» فأدخل عليه، ومعه سكين لطيفة، فلما دنا منه، يريده على الفاحشة، شق بطنه، واحتز رأسه.
وكان ملك «ذو شناتر» سبعا وعشرين سنة.
ذو نواس:
ولما بلغ «حمير» ما فعل «ذو نواس» ، قالوا: ما نرى أحدا أحق بالملك ممن أراحنا منه، فملكوا «ذو نواس» ، وهو صاحب الأخدود الّذي ذكره الله تعالى في كتابه «1» ، وكان على اليهودية، فبلغه عن أهل «نجران» أنهم قد دخلوا في النصرانية برجل أتاهم من قبل «آل جفنة» - ملوك «غسان» - فعلمهم إياها، فسار إليهم بنفسه حتى عرضهم على أخاديد احتفرها في الأرض، وملأها جمرا، فمن تابعه على دينه خلى عنه، ومن أقام على النصرانية قذفه فيها، حتى أتى بامرأة معها صبي له سبعة أشهر، فقال لها: يا أمة، امضى على دينك- فإنه لا نار بعدها، فرمى بالمرأة وابنها في النار وكف. ومضى رجل من «اليمن» يقال له:
ذو ثعلبان، في البحر إلى ملك «الحبشة» وهو على النصرانية- فخبره بما فعل «ذو نواس» بأهل دينه، فكتب ملك «الحبشة» إلى «قيصر» / 312/ يعلمه ذلك، ويستأذنه في التوجه إلى «اليمن» ، فكتب إليه يأمره بأن يصير إليها، وأعلمه بأنه سيظهر عليها، وأمره أن يولّى «ذو ثعلبان» [1] أمر قومه، ويقيم فيمن يقيم معه ب «اليمن» . فأقبل ملك «الحبشة» في سبعين ألفا من الرجال، فجمع له «ذو نواس» ، وحاربهم، فهزموه. وقتلوا بشرا كثيرا من أصحابه، ومضى منهزما وهو في أثره حتى أتى البحر، فاقتحم فيه، فغرق هو وبقية أصحابه، وكان آخر العهد به.
ثم قام مكانه «ذو جدن الحميري» ، فقاتلوه وهزموه أيضا، حتى ألجئوه إلى البحر، فاقتحم فيه، فغرق ومن تبعه من أصحابه.
وكان ملك «ذو نواس» ثمانيا وستين سنة.
مصادر و المراجع :
١-المعارف
المؤلف: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276هـ)
تحقيق: ثروت عكاشة
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة
الطبعة: الثانية، 1992 م
9 ديسمبر 2024
تعليقات (0)