المنشورات

ملوك الحيرة

أوّل ملوك الحيرة:
مالك بن فهم بن غنم بن دوس:
من «الأزد» ، وكان قد خرج من «اليمن» مع «عمرو بن عامر مزيقياء» ، حين أحسوا بسيل العرم. فلما صارت «الأزد» إلى «مكة» ، وغلبوا «جرهم» على ولاية البيت، أقاموا زمانا ثم خرجوا، إلا «خزاعة» ، فإنّها أقامت على ولاية البيت، فصار «مالك بن فهم» إلى «العراق» ، فأقام «ملكا» على «العراق» عشرين سنة، ثم هلك، وملك ابنه.
جذيمة بن مالك الأبرش:
وملك بعده ابنه «جذيمة الأبرش» ، وكان يقال له: الأبرش، والوضاح، لبرص كان به. وكان ينزل «الأنبار» ويأتى «الحيرة» ، ثم يرجع، وكان لا ينادم أحدا ذهابا بنفسه، وينادم الفرقدين، فإذا شرب قدحا، صب لهذا قدحا ولهذا قدحا.
وهو أوّل من عمل المنجنيق، وأوّل من حذيت له النعال، وأوّل من رفع له الشّمع.
وكانت له أخت يقال لها: أم عمرو.
وكان أخص خدمه به وأقربهم منه، فتى من «لخم» ، يقال له: «عدىّ بن نصر ابن ربيعة اللخمي» . ويقال: إن أباه نصرا، هو: نصر بن الساطرون،/ 317/ ملك السريانيين، صاحب الحصن، وهو جرمقاني من أهل «الموصل» من رستاق يدعى: باجرمى. المعارف لابن قتيبة وكان «جبير بن مطعم» يذكر:
أنه من «بنى قنص بن معد بن عدنان» ، وأنه زوّج «عدي بن نصر» أخته «أم عمرو» ، وهو سكران، وأدخله عليها فوطئها، فلما صحا ندم على ذلك، وأمر ب «عدي» فضربت عنقه. وحملت أخته ب «عمرو بن عدي» ، فأحبه وعطف عليه، وإن الجن قد استهوته، فعظم فقده عليه، وجعل لمن أتاه به حكمه. فردّه إليه بعد زمان، «مالك» و «عقيل» ، واحتكما منادمته. فيقال: إنهما نادماه أربعين سنة، وحدّثاه، فما أعادا عليه. فلما ردّاه طوّقته أمه بطوق، فلما رأى خاله الطوق واللحية، قال: شب عمرو عن الطوق. فذهبت مثلا.
وخطب «جذيمة» «الزباء» ، وكانت ابنة ملك «الجزيرة» ، وملكت بعد زوجها، فأجابته، فأقبل إليها، فلما دخل عليها قتلته، فطلب «عمرو» ابن أخته، و «قصير» غلامه بثأره، فقتلاها، وخلّفا في بلدها رجلا، ورجعا بالغنائم. فذلك أوّل سبى قسم في «العرب» من غنائم «الروم» . وكان ملك «جذيمة» ستين سنة.
عمرو بن عدي:
وملك بعده «عمرو بن عدي» ، ابن أخته، فعظّمته الملوك وهابته، لما كان من حيلته في الطلب بثأر خاله، حتى أدركه.
وكان ملكه نيفا وستين سنة.
امرؤ القيس:
وملك «امرؤ القيس بن عمرو بن عدي» - ويقال: بل ملك «الحارث ابن عمرو بن عدي» - ويقال: إنه هو الّذي يدعى: محرقا. وفيهم يقول الأسود بن يعفر: 

[كامل]
ماذا أؤمّل بعد آل محرّق ... تركوا منازلهم وبعد إياد
أرض الخورنق والسّدير وبارق ... والقصر ذي الشّرفات من سنداد
النّعمان بن امرئ القيس:
ثم ملك بعده: النعمان بن امرؤ القيس. وكان أعور، وهو الّذي بنى «الخورنق» ، وهو «النعمان الأكبر» - ويقال: إن «أنوشروان بن قباذ» ، هو الّذي ملكه- وأشرف يوما على «الخورنق» ، فنظر إلى ما حوله فقال: أكل ما أرى إلى فناء وزوال؟ قالوا: نعم. قال: فأى خير فيما يفنى؟ لأطلبن عيشا لا يزول. فانخلع من ملكه، ولبس المسوح، وساح في الأرض. وهو الّذي ذكره «عدي بن زيد» ، فقال: [خفيف]
/ 318/ وتبيّن [1] ربّ الخورنق إذ ... أشرف يوما وللهدى تفكير
سره حاله [2] وكثرة ما يملك ... والبحر معرضا والسّدير «1»
فارعوى قلبه وقال فما غبطة ... حىّ إلى الممات يصير
المنذر بن امرئ القيس:
وملك «أنوشروان» بعده «المنذر بن امرئ القيس» ، أخاه، وكانت أم «المنذر» من «النمر بن قاسط» يقال لها: ماء السماء، لجمالها وحسنها، وأبوها «عوف بن جشم» ، فأما «ماء السماء» من «الأزد» ، فهو «عامر» أبو «عمرو ابن عامر» الخارج من «اليمن» . وسمى «عامر» : «ماء السماء» ، لأنه كان إذا قحط القطر احتبى، فأقام ماله مقام القطر، فسمى: ماء السماء، إذ أقام ماله مقامه. 

وقيل لابنه «عمرو» : مزيقياء، لأنه كان يمزق كل يوم حلتين يلبسهما ويكره أن يعود فيهما، ويأنف أن يلبسهما غيره.
قال:
وذكرت هذا في هذا الموضع، ليفرق بين «ماء السماء» التي هي امرأة، و «ماء السماء» الّذي هو رجل.
وكانت تحت «المنذر بن امرئ القيس» «هند بنت الحارث بن عمرو الكندي» آكل المرار، وهي التي يقول فيها القائل:
يا ليت هندا ولدت ثلاثة فولدت «هند» ثلاثة متتابعين: «عمرو بن هند» مضرّط الحجارة، و «قابوسا» قينة العرس، وكان فيه لين، و «المنذر بن المنذر» ، ولم يزل «المنذر ابن امرئ القيس» على «الحيرة» إلى أن غزا «الحارث بن أبى شمر الغسّانى» ، وهو «الحارث الأعرج» فقتله «الحارث الأعرج» ب «الحيار» «1» .
المنذر بن المنذر بن امرئ القيس:
ثم ملك ابنه «المنذر» بعده، وخرج يطلب دم أبيه، فقتله «الحارث» أيضا ب «عين أباغ» «2» . وقد سمعت أيضا من يذكر أن قاتله «مرة بن كلثوم التغلبي» ، أخو «عمرو بن كلثوم» .
عمرو بن هند:
ثم ملك «عمرو بن هند» مضرط الحجارة. سمى بذلك لشدة وطأته وصرامته. وهو محرق أيضا، سمى بذلك لأنه أحرق ثمانية وتسعين رجلا من «بنى دارم» بالنار، وكمّلهم مائة برجل من «البراجم» ، وبامرأة نهشلية، ولهذا قيل: «إنّ الشقي وافد البراجم» . وكان رجل منهم قتل ابنا له خطأ. وهو صاحب / 319/ «طرفة» و «المتلمس» ، وكان كتب لهما إلى عامله ب «البحرين» كتابا أوهمهما أنه أمر لهما فيه بصلة، وكتب إليه يأمره بقتلهما.
فأما «المتلمس» : فإنه دفع صحيفته إلى رجل من أهل «الحيرة» فقرأها، فلما عرف ما فيها، نبذها في نهر بقرب «الحيرة» ورجع، فقيل: «صحيفة المتلمس» .
وأما «طرفة» : فمضى بصحيفته حتى أوصلها إلى العامل فقتله: وقد ذكرت قصتهما في «كتاب الشعراء» بطولها وكمالها.
النعمان بن المنذر:
ثم ملك بعده «النعمان بن المنذر بن المنذر بن امرئ القيس» . وكان يكنى:
أبا قابوس. وهو صاحب «النابغة الذبياني» ، وصاحب «الغريّين» ، وهما طربالان يغرّيهما بدم من يقتله إذا ركب يوم بؤسه. وكان له يومان:
يوم بؤس ويوم نعيم.
وقتل «عبيد بن الأبرص» الشاعر يوم بؤسه، وكان أتاه يمتدحه، ولم يعلم أنه يوم بؤسه.
وهو قاتل «عدي بن زيد العبادي» الشاعر، وكان «عدي» ترجمان «أبرويز» ، وكاتبه بالعربية، وهو وصف له «النعمان» وأشار عليه بتوليته، واحتال في ذلك حتى ولاه من بين إخوته. وكان أذمهم وأقبحهم، ثم اتهمه «النعمان» ، فاحتال عليه حتى صار في يده فحبسه. وكان «عدي» يقول الشعر في الحبس ثم قتله، وتوصل ابنه «زيد بن عدي» إلى «أبرويز» ، حتى أحله محل أبيه. فذكر «زيد بن عدي» ل «أبرويز» نساء «المنذر» ، ووصفهن بالجمال والأدب، فكتب «أبرويز» يخطب إلى «النعمان» أخته أو ابنته، فلما قرأ «النعمان» الكتاب، قال: وما يصنع الملك بنسائنا؟ وأين هو عن مها السّواد- والمها: البقر- يربد أين هو عن نساء السواد اللواتي كأنهن المها. والعرب تشبه النساء بالمها. فحرف «زيد» القول عنده، وقال: أين هو عن البقر لا ينكحهن. وطلب «أبرويز» «النعمان» ، فهرب «النعمان» منه حينا، ثم بدا له أن يأتيه فأتاه ب «المدائن» ، فصف له «أبرويز» ، ثمانية آلاف جارية صفين، فلما صار بينهن، قلن له: أما للملك فينا غناء عن بقر السواد؟ فعلم «النعمان» أنه غير ناج منه. فأمر به «كسرى» فحبس ب «ساباط» ، ثم ألقاه تحت أرجل الفيلة، فوطئته حتى مات. قال «الأعشى» يذكر «أبرويز» : [طويل]
هو المدخل النّعمان بيتا سماؤه ... نحور الفيول بعد بيت مسردق
/ 320/ إياس بن قبيصة:
ثم خرج الملك عن «آل المنذر» ، وولّى «كسرى» «إياس بن قبيصة الطائي» ثمانية أشهر، واضطرب أمر «كسرى» وشغلوا، وجاء الله بالإسلام، ومات «إياس بن قبيصة» ، ب «عين التمر» وفيه يقول «زيد الخيل» :
[طويل]
فإن يك ربّ العين خلّى مكانه ... فكل نعيم لا محالة زائل 












مصادر و المراجع :

١-المعارف

المؤلف: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276هـ)

تحقيق: ثروت عكاشة

الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة

الطبعة: الثانية، 1992 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید