المنشورات
ملوك العجم
قرأت في كتب سير العجم:
أن الملوك الذين كانوا قبل ملوك الطوائف كان بعضهم ينزل «بلخ» ، من «خراسان» ، وكان بعضهم ينزل «بابل» ، وكان بعضهم ينزل «فارس» .
فممن نزل «فارس» :
جم- وكان ملكه تسعمائة وستين سنة، وهو عندهم: سليمان النبيّ- عليه السلام.
ومنهم:
طهمورث- ملك ألف سنة.
ومنهم:
بيوراسف- ملك ألف سنة. وقالوا: هو: الضحاك الحميري.
وممن نزل «خراسان» :
كشتاسف- وهو الّذي أتاه «زرادشت» بكتاب المجوس. وكان ملكه تسعين سنة.
ومنهم:
بهمن بن إسفنديار.
وهو الّذي كان على عهد «موسى» - عليه السلام. فلما بلغه أن بناحية «المغرب» في أرض «أوراشليم» . قوما أحدثوا دينا، بعث إليهم قائدا من قوّاده، يقال له: «بخت نرسي» وهو عندهم: «بخت نصّر» وأمره بقتلهم، وسبى ذراريهم، ففعل ذلك، ونفاهم عن «بيت المقدس» ، وبدّدهم في البلاد.
حدّثنا: أبو حاتم، عن الأصمعي، قال:
أهل «مرو» من أولاد الملوك الذين كانوا قبل الفرس ب «خراسان» .
وقيل: ل «كسرى» : أما ترى جمالهم وهيئتهم! نحّهم عنك. فأنزلهم «مرو» .
ولم يزل الأمر مستقيما، حتى انتهى إلى:
«دارا بن دارا» .
وكان ينزل «بابل» . فخرج «الإسكندر الرومي» عليه، وغصبه ملكه وقتله، ثم دخل أرض «فارس» ، فأكثر من القتل والسبي والإخراب، وأمر بإحراق كتب دينهم، وأمر بهدم بيوت نيرانهم، وخلف على كل ناحية وطائفة ملكا ممن كان أسر من أشراف أهل «فارس» ، فامتنع كل امرئ منهم، وحمى حوزته، فهم ملوك «الطوائف» ، ولم يزل الأمر كذلك أربعمائة وخمسا وستين سنة. وكان «أردشير بن بابك بن ساسان» ، أحد ملوك «الطوائف» على أرض «إصطخر» ، وهم من أولاد الملوك المتقدمين، قبل ملوك «الطوائف» ، فرأى أنه وارث ملكهم، فكتب إلى من كان بقربة من ملوك «فارس» ، ومن نأى عنه من ملوك «الطوائف» ، يخبرهم بالذي أجمع عليه. من الطلب بالملك، لما فيه من صلاح الرعية، وإقامة الدين والسنة، وكتب كتابا، صدره: بسم الله ولى الرحمة بابكار من «أردشير» ، المستأثر دونه بحقه، المغلوب على تراث آبائه، الداعي إلى قوام دين الله وسنته، المستنصر باللَّه الّذي وعد المحقين الفلج، وجعل لهم العواقب، إلى من بلغه كتابي هذا من ولاة «الطوائف» .
سلام عليكم بقدر ما تستوجبون من معرفة الحق، وإنكار الباطل والجور.
فمنهم من أقر له بالطاعة، ومنهم من تربص به حتى قدم عليه، ومنهم من عصاه فصار عاقبة أمره، إلى القتل والهلاك، حتى استوثق له أمره. وهو الّذي/ 322/ افتتح الحصن، وهو بإزاء «مسكن» ، وكان ملك «السواد» متحصّنا فيه. و «العرب» تسميه: السّاطرون. قال أبو دواد [1] :
وأرى الموت قد تدلّى من الحضر ... «1» على ربّ أهله [2] السّاطرون
وكانت ابنته قد هويت «أزدشير» ، فدلته على عورة في حصن المدينة.
وبنى مدينة «جور» ب «فارس» ، ومدينة «أزد شبر» ب «فارس» ، و «بهمن أردشير» - وهي فرات البصرة- و «إستاراباد» . وهي:
«كرخ ميسان» ، وهي «كور دجلة» ، ومدينة سوق «الأهواز» ، ومدينة «الأبلة» وغير ذلك.
وكانت مدة ملكه أربع عشرة سنة وستة أشهر.
سابور بن أردشير:
ثم ملك بعده ابنه «سابور بن أردشير» فأخذ بسيرة أبيه، وبمذهبه في الصرامة والحزم، وسار إلى «نصيبين» ، وفيها عدد كثير من جنود قيصر، فحاصرهم حتى افتتحها، ثم وغل في أرض الروم، فافتتح من «الشام» مدائن، ثم انصرف إلى مملكته، وفرق ما كان معه من السبي في ثلاث مدائن: «جنديسابور» ، و «سابور» - التي ب «فارس» - و «تستر» التي ب «الأهواز» .
ولما حضرته الوفاة دعا ابنه «هرمز» ، فاستخلفه على ملكه، وعهد إليه.
وكان جميع ما ملك ثلاثين سنة وشهرا واحدا.
هرمز بن سابور:
وملك بعده «هرمز» ابنه، وهو الّذي يقال له: هرمز البطل. وكان شبيها ب «أردشير» ، في صورته وجسمه، ومضىّ جنانه، غير أنه لم يكن له من أصالة [1] الرأى، ما كان لآبائه، فسار بسيرة حسنه عادلة، وبنى المدينة التي في دسكرة الملك.
وكان ملكه سنة وعشرة أشهر.
بهرام بن هرمز:
ثم ملك بعده ابنه «بهرام» ، فقام في ملكه بأوفق سياسة، واتبع آثار آبائه.
وكان ملكه ثلاث سنين، وثلاثة أشهر.
بهرام بن بهرام:
ثم ملك بعده ابنه «بهرام بن بهرام» ، فأحسن السيرة، ووادع من يليه من الملوك وتاركهم.
وكان ملكه سبع عشرة سنة.
بهرام بن بهرام بن بهرام:
ثم ملك بعده ابنه «بهرام» ، وهو الّذي يقال له: شاهان شاه.
وكان ملكه أربعة أشهر.
نرسى بن بهرام:
ثم ملك بعده «نرسى بن بهرام» ، فسار فأحسن السيرة، وكان من أحب ملوكهم إليهم.
وكانت مدة ملكه تسع سنين.
هرمزين نرسى:
ثم ملك بعده ابنه «هرمزين نرسى» ، وكانت فيه غلظة وفظاظة قبل أن يملك، فلما ملك نزع عن ذلك.
فلبث في ملكه سبع سنين وخمسة أشهر.
سابور بن هرمز ذو الأكتاف:
ولما هلك «هرمز» ، ولم يكن له ولد يجعلونه مكانه، شق ذلك على الناس، ثم سألوا عن نسائه، فذكر لهم أن ببعضهن حملا، فأرسلوا إليها: أيتها المرأة، إن المرأة التي قد قاست الحمل، وتدبرت أمور النساء، قد تعرف علامات الذكران، وعلامات الإناث، فأعلمينا الّذي يقع عليه ظنك فيما في بطنك. فأرسلت إليهم:
إني أرى من نضارة لوني، وتحرك الجنين في شقي الأيمن، مع يسير الحمل، وخفّته على، ما أرجو أن يكون الجنين مع ذلك ذكرا. فاستبشروا بذلك، وعقدوا التاج على بطن تلك المرأة، ولم يزالوا يتلوّمون، حتى ولدت غلاما، فسمى:
سابور. وهو الملقب ب «ذي الأكتاف» ، ولم يزل الوزراء يدبرون أمور المملكة، وينفذون الكتب إلى العمال، ويجبون الخراج، ويمضون الأعمال، على ما كانت تجرى عليه، و «سابور» طفل.
وذاع الخبر في أطراف الأرض بذلك، وطمع فيهم، وأقبل من كان يليهم من «العرب» من نواحي «عبد القيس» ، و «كاظمة» ، و «البحرين» ، فتغلبوا على أرض أسياف «فارس» ، و «نخلها» وشجرها، وأكثروا الفساد، وتواكل «الفرس» فيما بينهم، فلم يوجّهوا إليهم أحدا، ولم يزل ملكهم يزداد ضياعا، حتى طمع فيهم جميع أعدائهم.
فبينما «سابور» ذات ليلة نائم، وقد أثغر وأيفع، انتبه بأصوات الناس وضجتهم، فسأل خدمه عن ذلك، فأعلموه أن تلك أصوات من على الجسر من الناس، وما يصرخ به المقبل منهم إلى المدبر، ليتنحّى له عن الطريق. فقال:
وما دعاهم على احتمال هذه المشقة، وهم يقدرون على حسم ذلك بأيسر المئونة؟
ألا يجعلون لهم جسرين، فيكون أحدهما للمقبلين والآخر للمدبرين- يعنى الراجعين- فلا يزحم الناس بعضهم بعضا. فسر من حضر بمقالته، ولطف فطنته على صغر سنّه، وعقدوا جسرا آخر.
فلما أتت له ست عشرة/ 324/ سنة، أمرهم أن يختاروا له ألف رجل، من أهل النجدة. ففعلوا: فأعطاهم الأرزاق، ثم سار بهم إلى نواحي «العرب» الذين كانوا يعيثون في أرضهم، فقتل من قدر عليهم، ونزع أكتافهم، وغوّر مياههم، ولم يأخذ منهم مالا ولا سلبا، فلما فرغ من ذلك، قال لمن معه من الجنود: إني أريد الدخول إلى أرض: «الروم» سرّا لأعرفها، ولأعرف قدر قوّتهم وعدتهم، ومسالك بلادهم، فإذا بلغت من ذلك حاجتي، انصرفت إلى بلدي، فسرت إليهم بالجنود. فحذّروه التغرير بنفسه. فلم يقبل قولهم وردهم، وانطلق متنكرا حتى دخل أرضهم، فلبث فيهم حينا، فبينما هو كذلك. إذ بلغه أن ابن «قيصر» أولم وليمة، وأمر بالمساكين أن يجمعوا ليطعموا، فانطلق «سابور» ، فتزيّا بزي السؤال، ثم شهد المجمع، وحضر الطعام، فأتى «قيصر» بإناء من آنية «سابور» ، منقوش فيها تمثال «سابور» ، فجعل خدمه يسقون به، فلما انتهى الإناء إلى رجل من عظمائهم، كان يعرف الفراسة، نظر التمثال الّذي فيه، وقد كان قبل ذلك نظر إلى وجه «سابور» ، فأمسك الإناء، وقال: إني لأرى أمرا معجبا. فقال قيصر: وما ذاك؟
فقال: إني أرى في الجلساء صاحب هذه الصورة! وأومأ إلى «سابور» ، فأمر «قيصر» بإدناء «سابور» منه، فسأله عن أمره، فاعتل عليه بضروب من العلل. فقال لهم المتفرّس: لا تقبلوا منه، فلم يزالوا به حتى أقرّ بأنه «سابور» ، فأمر به «قيصر» ، فجعل في تمثال بقرة أجوف من جلود البقر، ثم أطبق عليه وسار بجنوده إلى أرض «فارس» ، وهو معهم، فأكثر القتل فيهم والخراب، حتى انتهى إلى «جنديسابور» ، فوضع المجانيق عليها، وثلم سورها، وغفل المتوكلون بحراسة «سابور» عنه ليلة، فلم يغلقوا الباب الّذي كان يلقى فيه طعامه، فخرج في جوف الليل، واحتال في حل وثاقه، والخروج إلى باب المدينة. فلما رآه الحرس صرخوا، فأشار إليهم أن يصمتوا، وأخبرهم باسمه، ففتحوا له باب المدينة، ودخلها، فآشتدّ سرورهم، وقويت ظهورهم، وقال لهم «سابور» : استعدّوا، فإذا سمعتم صوت ناقوس «الروم» فاركبوا خيولكم، فإذا سمعتم [1] الثانية فاحملوا عليهم.
ففعلوا ذلك، فقتلوا «الروم» أبرح قتل، وأخذوا «قيصر» أسيرا، واستباحوا عسكره وأمواله. فقال له «سابور» : إني مكافئك بما/ 325/ أوليتني، ومستحييك كما استحييتني، وآخذك بصلاح ما أفسدت، فلم يفارقه حتى حمل التراب من أرض «الشام» ، فبنى به ما هدم.
فكان مما بنى: ما ثلم من سور «جنديسابور» ، فصار بعض السور بلبن وبعضه بآجر وجصّ، وغرس مكان كل نخلة عقرها زيتونة، ولم يكن في أرض «فارس» زيتون، ثم أطلقه. وسار «سابور» إلى أرض «الروم» ، فقتل وسبى.
ثم بنى ب «السّوس» مدينة سماها: فيروز سابور، وبنى «نيسابور» ، وبنى مدينة ب «السند» ، وأخرى ب «سجستان» ، سوى أنهار احتفرها، وعقد قناطر وأنشأ قرى، وعجل عليه الهرم، وكثرت به العلل، فبعث إلى ملك «الهند» يسأله أن يبعث إليه طبيبا، فعالجه حتى اشتدّ عصبه وجلده، وقوى بصره، وهش للنساء، وأطاق الركوب، فأحسن إلى ذلك الطبيب، وأمره أن يتخير من بلاده بلدا ينزله، فاختار مدينة «السوس» حتى هلك، فورث طبه أهل «السوس» ، فصاروا أطباء أهل «فارس» لذلك، ولما ورثوا عمّن سكنها من سبى «الروم» .
وكان جميع ما ملك «سابور» اثنتين وسبعين سنة. وهو باني «الإيوان» ب «المدائن» .
أردشير بن هرمز:
ثم ملك بعده: «أردشير بن هرمز» أخوه، وكان ابنه «سابور بن سابور» يومئذ صغيرا، فلم يزل حسن السيرة، مرضىّ الولاية.
وكان ملكه أربع سنين.
سابور بن سابور:
ثم ملك بعده «سابور بن سابور بن هرمز» ، وكان حسن السيرة، عادلا على رعيته.
وكان ملكه خمس سنين، وأربعة أشهر.
بهرام بن سابور:
ثم ملك بعده، «بهرام بن سابور» ، الّذي يدعى: كرمان شاه. فقام في ملكه بسيرة قاصدة، ونية حسنة، وبنى مدينة «كرمان» .
وكان ملكه إحدى عشرة سنة.
يزدجرد بن بهرام:
ثم ملك بعده «يزدجرد بن بهرام» .
وكان فظّا خشن الجانب شديد الكبر، فعسف وخبط، ولم يشاور في أموره، فاجتمعوا ودعوا الله عليه، وشكوا إليه ما هم فيه من الجور والظلم، وسألوه تعجيل الفرج لهم منه. فذكروا أنهم رأوا فرسا أقبل حتى وقف على بابه، فأطاف الناس به متعجبين من حسن صورته، وأخبره صاحبه بذلك فقام ينظر إليه، فأعجب به، وأمر بإسراجه، فلما أسرج، مسح وجهه/ 326/ وناصيته واستدار حوله، فرمحه رمحة أصاب به فؤاده فقتله، ثم ملأ الفرس فروجه فلم يدرك.
وكان ملكه إحدى وعشرين سنة، وخمسة أشهر، وثمانية عشر يوما.
بهرام جور بن يزدجرد:
ثم ملكوا بعده، ابنه بهرام جور، بعد كراهة له ومحن كثيرة امتحنوه بها، فأثر آثارا حسنة نعش بها الضعيف، وعم نفعها، ودخل أرض «الهند» متنكرا، فمكث حينا لا يعرف، حتى بلغه أن فيلا هائجا قد ظهر بها، قد قطع السبيل، وأهلك الناس، فسألهم أن يدلوه عليه ليريحهم منه، فرفع أمره إلى الملك، وأرسل معه رسولا يدله عليه، فلما انتهى إلى الفيل، رقى [1] الرسول على شجرة لينظر إلى ما يصنع «بهرام» ، فصرخ بالفيل، فخرج إليه، فرماه رمية ثبتت بين عينيه، وتابع عليه بالسهام حتى أثبته، ثم دنا منه، فاجتذبه [2] حتى خرّ، واحتز رأسه، وأقبل به إلى الملك، فحباه الملك وسأله عن خبره، فأعلمه أنه من أهل «فارس» ، لجأ إليه لأمر أحدثه، فسخط عليه الملك، وكان لذلك الملك عدوّ ممن حوله سار إليه، فاشتدّ منه وجله. فقال له «بهرام» : لا يهولنك أمره، فإنّي سأكفيكه [3] بإذن الله، فركب «بهرام» في سلاحه وقال لأساورة «الهند» : أحرسوا ظهري، ثم انظروا إلى عملي فيما أمامى. وكانوا قوما لا يحسنون الرمي، وأكثرهم رجالة- فحمل عليهم حملة هدهم، ثم جعل يأتى الرجل فيضربه على رأسه فيقطعه بنصفين، ويأتى الفيل يضرب مشفره فيكبه، ويتناول من عليه فيقتلهم، ويحمل الفارس عن فرسه ثم يذبحه على قربوس سرجه، ويتناول الاثنين فيضرب أحدهما بالآخر حتى يقتلهما، ويرمى فلا تسقط نشابة. فولوا منهزمين مرعوبين.
وحمل أصحاب «بهرام» عليهم فأكثروا القتل فيهم، وغنموا أموالهم.
فانصرف ملك «الهند» فأنكحه ابنته، ونحلة «الدّيبل» ، و «مكران» وملكها، وما يليها من أرض «السند» ، وأشهد له بذلك.
ثم انصرف «بهرام» إلى مملكته، ولم يزل تحمل إليه أموال تلك البلاد إلى «فارس» . ثم لقي ملك «الترك» وفي عدد كثير، فاستباح «بهرام» عسكره، على قلة من جنوده، وولى أخاه «نرسى» خراسان.
وملك ثلاثا وعشرين سنة.
يزدجرد بن بهرام:
ثم ملّكوا بعده «يزدجرد بن بهرام» ، وكان محمودا. وملك ثمان/ 327/ عشرة سنة وخمسة أشهر، غير أيام.
فلما هلك «يزدجرد» تنازع الملك بعده ابناه: «فيروز» ، و «هرمز» ، ونشبت الحرب بينهما، حتى قتل «هرمز» وثلاثة نفر من أهل بيته، وغلب «فيروز» على الملك.
فيروز بن يزدجرد:
وولى «فيروز» الأمر، فأسنت الناس في أوّل ولايته سبع سنين، وقحطوا حتى أشرفوا [1] على الهلاك، ثم أغاثهم الله برحمته، ولما استوثق له الأمر بنى ب «كسكر» مدينتين منسوبتين إليه، ثم سار بجنوده نحو «خراسان» لغزو «أخنشوار» ملك «الهياطلة» ، ب «بلخ» فاحتال له ملك «الهياطلة» بمكيدة، حتى ظفر به على حال غرة وضعف منه ومن جنوده، فسأله أن يطلقه على أن يعطيه موثقا، على ألا يغزوه أبدا، ففعل ذلك ملك «الهياطلة» ، فلما عاد إلى «فارس» أخذته الحميّة، فجمع له وغزاه غادرا به، فظفر ملك «الهياطلة» بعسكره، فاستباحه وقتل رجاله، وأسر من أولاده وقرابته. وهلك «فيروز» فيمن هلك.
وكان على «سجستان» رجل من «أردشير» [1] يقال له: «سوخرا» [2] فشخص فيمن معه من أسورته، نحو «الهياطلة» ، وجمع إليه جنود «فيروز» ، ثم بعث إلى ملك «الهياطلة» ، يخيره بين الحرب، وبين التخلية عمن في يده من أسارى «فارس» ، فخلاهم ملك «الهياطلة» ، فشرفت منزلة «شوخرا» ، وانصرف إلى «المدائن» .
وكان ملك «فيروز» سبعا وعشرين سنة.
ثم تنازع الملك ابنا «فيروز قباذ» و «بلاش» ، فغلب «بلاش» عليه، ونفاه عنه. فهرب «قباذ» إلى «خراسان» ، ليسأل «خاقان» ملك «الترك» أن يعينه ويمده.
بلاش بن فيروز:
وملك «بلاش» ، ولم يزل حسن السيرة، حريصا على العمارة. وكانت مدة ملكه- إلى أن مات- أربع سنين.
وكان «قباذ» حين سار إلى «خراسان» نزل في طريقه على رجل من الأساورة، وقد كانت نفسه تاقت إلى النساء، فخطب بنت صاحب البيت، فزوجه وهو لا يعرفه، فبات بالمرأة فحملت منه، ثم سار «قباذ» إلى «خاقان»
واستمده، فدافعه بذلك أربع سنين. ثم وجه معه جيشا، فلما انصرف مر بالمنزل الّذي كانت به المرأة، فوجدها قد ولدت غلاما، فانطلق بها وبالغلام، وهو ابن ثلاث سنين، فلما وصل «المدائن» لقي أخاه قد هلك.
/ 328/ قباذ بن فيروز:
فملك «قباذ» ، وبنى فيما بين «فارس» و «الأهواز» ، مدينة «أرجان» ، فأسكن فيها سبى «همذان» ، وبنى مدينة «حلوان» ، مما يلي «الماهاب» ، وبنى مدينة يقال لها: «قباذخره» ، وكان ضعيفا في ولايته، مهينا، فوثب «مردق» ، وأصحاب له، فقالوا: إن الله تعالى جعل الأرض للعباد بالسوية، فتظالم الناس، واستأثر بعضهم على بعض، فنحن قاسمون بين الناس، ورادّون على الفقراء حقوقهم في أموال الأغنياء، فجعلوا يدخلون على الرجل فيغلبونه في منزله، ونسائه وأمواله، وأراد بعضهم «قباذ» على نسائه، وبعضهم على دمه، ليظهره، وحملوه على قتل «شوخرا» فقتله «ابن شوخرا» بمن تابعه من الأشراف، فقتل «مردق» وخلقا كثيرا من أصحابه، وأعاد «قباذ» إلى ملكه، ثم سعى به وغرّ منه حتى قتله «قباذ» ، فانتشر أمره وأدبر، ولم تبق ناصية إلا خرج فيها خارج، وهلك على ذلك.
وكان ملكه ثلاثا وأربعين سنة.
كسرى أنوشروان بن قباذ:
ثم ملك بعده «كسرى أنوشروان» ، وهو ابن المرأة التي ولدت له في طريقه إلى «خراسان» ، وكان رجلا شديدا، فأعاد الأمور إلى أحوالها، ونفى رءوس المزادقة، وعمل بسيرة «أردشير» ، وافتتح «أنطاكية» ، وكان فيها عظم [1] جنود «قيصر» ، وبنى «رومية» بناحية «المدائن» على صورة «أنطاكية» وأنزل فيها السبي، وافتتح مدينة «هرقل» «والإسكندرية» ، وملك «آل المنذر» على «العرب» ، وسار نحو «الهياطلة» ، واستعان عليهم ب «خاقان» ، وكان قد صاهره، حتى أدرك بوتر «فيروز» ، وأنزل جنوده «بفرغانة» ، فلما انصرف من «خراسان» ، قدم عليه «ابن ذي يزن» ، يستنصره على «الحبشة» فبعث قائدا من قواده، يقال له «وهرز» ، في جند من «الديلم» فافتتحوا «اليمن» ، ونفوا «السودان» ، وأقاموا هناك.
وكان ملكه سبعا وأربعين سنة، وسبعة أشهر.
هرمز بن كسرى:
ثم ملكه ابنه «هرمز» ، فجار وعسف، فخرج عليه «خاقان» ، ملك «الترك» ، فبعث إليه «بهرام شوبينة» ، في اثنى عشر ألف رجل، فقتل «خاقان» ، واستباح عسكره، ثم خالفه، وخلع يده من طاعته، لما يذكر من سوء مذهبه، فوثب من كان «بالعراق» / 329/ من جنود «بهرام» فسملوا عينيه، ثم قتل.
وكانت مدّة ملكه إحدى عشرة سنة، وسبعة أشهر.
وكان «لهرمز» ابن يقال له: «أبرويز» ب «أذربيجان» ، فلما بلغه خبر أبيه، صار إلى «الروم» ، واستعان ب «قيصر» ، فقبله، وأنكحه ابنته، وبعث معه جندا، فأقبل وسار إليه «بهرام شوبينة» ، فاقتتلوا، فهزم «شوبينة» فلحق ب «الترك» ، فلم يزل يدس عليه، ويحتال حتى قتل هناك.
أبرويز بن هرمز- ويعرف ب «كسرى» :
ثم ملك «أبرويز» ، فأقبل على رعيته، بالعسف والخبط، وقتل قتلة أبيه، و «موبذان موبذ» ، وأمسك عن الإنفاق، وغزا «الشام» ، وبلغ «مصر» ، وحاصر ملك «الروم» ب «قسطنطينية» فحمل ذلك الملك خزائنه إلى البحر، فعصفت الريح، فألقاها ب «الإسكندرية» ، فظفر بها أصحابه. فسماها خزائن الريح وطالت مدته، حتى ضجر الناس منه، فخلعوه بعد ثمان وثلاثين سنة من ملكه.
شيرويه بن أبرويز:
ثم جعلوا مكانه ابنه «شيرويه» ، وهو ابن بنت «قيصر» ، فأمر بأبيه فسملت عيناه، وقتل من إخوته ثمانية عشر رجلا، وهرب بقية أهل بيته، وخفف المئونة على الناس ورفع الخراج، وظهر الطاعون، فهلك فيمن هلك، وكان ملكه خمس [1] سنين وأشهرا، من مقدم النبي- صلّى الله عليه وسلم «المدينة» .
وكان ملكه، سبعة أشهر.
أردشير بن شيرويه:
ثم ملك ابنه «أردشير بن شيرويه» . وكان ابن سبع سنين فقتل، وكان ملكه خمسة شهور.
خرهان:
ثم ملك بعده رجل، لم يكن من أهل بيت الملك، فاحتالت له امرأة من أهل بيت الملك، يقال لها «بوران» ، فقتلته.
وكان ملكه اثنين وعشرين يوما.
كسرى بن قباذ:
ثم ملك بعده، من ولد «هرمز» ، رجل يقال له: «كسرى بن قباذ» ، وكان ولد بأرض «الترك» ، فقدم عند ما بلغه من الاختلاف. فوثب عليه ملك «خراسان» فقتله.
وكان ملكه ثلاثة أشهر.
بوران:
ثم ملكت «بوران بنت كسرى» سنة وستة أشهر، فلم تجب الخراج، وفرقت/ 330/ الأموال بين الجند والأشراف، وبلغ النبي- صلّى الله عليه وسلم- أمرها، فقال: لن يفلح قوم، أسندوا أمرهم إلى امرأة. ثم ملك بعدها رجل من بنى عم «كسرى» شهرين، ثم قتل.
ثم ملكت «أزرميدخت» بنت «كسرى» ، فسمت ثم ماتت. وكان ملكها اربعة أشهر.
ثم ملك بعدها رجل آخر شهرا، ثم قتل. فلما رأى أهل «فارس» ما هم فيه من الانتشار [1] طلبوا ابن ابن «لكسرى» يقال له: «يزدجرد بن شهريار» فملكوه عليهم، وهو ابن خمس عشرة سنة. فأقام «بالمدائن» على الانتشار ثماني سنوات.
ووافى «سعد بن أبى وقاص» العذيب، فأمر بأمواله وخزائنه أن تنقل إلى «الصين» وأقام في عدة يسيرة من الجنود وقلة من الأموال ب «نهاوند» ، وخلف «بالمدائن» أخا ل «رستم» وسرح «رستم» لقتال «سعد» فنزل «القادسية» وأقام بها حتى قتل. وبلغ ذلك «يزدجرد» وعلم أن مدتهم قد تصرمت فسار إلى «فارس» ثم هرب إلى «مرو» في طريق «سجستان» فقتل هناك.
وكان جميع ملكه عشرين سنة.
مصادر و المراجع :
١-المعارف
المؤلف: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276هـ)
تحقيق: ثروت عكاشة
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة
الطبعة: الثانية، 1992 م
9 ديسمبر 2024
تعليقات (0)