المنشورات
الأقوال في الإعجاز:
واعلم أننا لسنا نلتمس بما نتأتى إليه من هذا الفصل، ونستأتي به تعب الكتابة في سرده، ونصبنا له من استقراء مذاهب القوم وآرائهم أن نقيم من ذلك برهانًا صحيحًا، أو نقدم رأيًا صريحًا، فإن هذا بعض ما لا يطمع فيه ولا يرد التعب منه شيئًا على المباحث يكون فيه مطمع فلقد أبعد القوم في المقايسة وأمعنوا في المذاكرة، وأطالوا في الخصومة، وفخموا ما شاءوا، ومضغوا من الكلام ما ملأ أفواههم، وجاءوا بما هو لعمري فلسفة ومنطق؛ بيد أنهم في كل ذلك إنما توافوا على صنيع واحد من الرد بعضهم على بعض فمن فَلَج بحجته فقطع خصمه عن المعارضة، وأفحمه دون المناضلة كان الرأي في الإعجاز ما رآه هو، وكان أكبر البرهان على صوابه عجز خصمه عن تخطئته.
وهذه سبيل من الكلام لا يزال أذاها حاضرًا، وسالكها حائرًا، فإنه ما يندفع إليها رأيان متناقضان إلا كان أقواهما معتبرًا صوابًا بحتًا، لا بقوته ولكن بضعف الآخر، وإن كان هو في نفسه خطأ صراحًا وفسادًا صرفًا أو جهلًا وإحالة.
وقد مضى أكثر المتكلمين من رءوس الفرق الإسلامية على أن لا يبالوا أن يضربوا بآرائهم صفحًا، ولهم في ذلك صلابة يوهمون أنها صلابة أهل الحق وعناد يلتبس باليقين على العامة وأشباه العامة من أتباعهم فلا تنفعهم نافعة حتى يأخذوا بآرائهم وينتحلوها، ثم لا تكون لهم الخيرة من أمرهم بعد ذلك فيما يأخذون وما يدعون.
وقد أسلفنا في غير هذا الموضع أن كل فرقة انشعبت في الإسلام وانبسط لها ظل, فإنما هي عقل رجل ذكي واحد؛ بالغًا ما بلغ أتباعها ومنتحلو عقائدها؛ فإن نبغ في هؤلاء عقل آخر انصدعت الفرقة فخرجت منها فرقة ثانية، وهلم جرا.
فالمقر من أولئك كالمنكر من هؤلاء، ما دام سبيل جميعهم من صناعة الكلام، وعلى ناحية المكابرة، وما دام نفي الشك بقوة المنطق كأنه في المنطق إقرار اليقين بقوة الحق فإن سقت الشبهة وبطل الاعتراض -ولو من عجز أو عي أو ما هو في حكمها من عوارض المنطق- فلذلك هو العلم المحض والرأي الصريح، وإلا فما دام للشبهة ظل، وللاعتراض وجه -ولو من المعارضة والمكابرة- فلا قرار لذلك الرأي، ولا ثبوت لذلك العلم، ولا يبلغ الجدال منهما رأيًا ولا علمًا.
وعلى هذه الجهة رأينا كل أقوالهم في إعجاز القرآن: لا يصنعون شيئًا دون أن ينكر ويدفع من ينكر من يدفع، فإما أن تتعارض الحجج الكلامية فتسقط بعضها بعضًا، وإما أن تقوى واحدة منهن فتسقط الباقيات وتبقى هي كلامًا من الكلام لا تصلح لنفي ولا إثبات.
وليس من طلب الحق ليعرفه كالذي يطلبه ليعرف به، فإن الأول ينصف من نفسه كما ينتصف لها، ولكن الثاني خصم لا يريده إلا جدلًا وله مع الجدل قوة الحرص على المؤاربة، وشدة الصريحة في المراوغة؛ كيما تنتهي إليه الحجة ويقف عنده البرهان فيكون له الصوت المردد ويصير إليه مرجع القول في النحلة أو المذهب، فهو يعتسف لذلك ولا جرم كل طريق، ويركب كل صعب، ويتحمل من كل وجه، ويتعنت بكل آية، وليس له هم دون قوة الإقناع المنطقية، ودون الإفحام والتعجيز ومن ثم لا يبالي أن يتورد خصمه بالسفه، أو يقر له بالسخف، أو يتبسط على الباطل أو يحتجز دون الحق، ما دامت هذه كلها أدوات في صناعة الكلام، وما دام الكلام قادرًا بأدواته على أن يصنع الحق أو ما يسمى حقا، وإن كانت الصنعة فاسدة أو سقيمة، وكانت التسمية من خطأ أو ضلال.
من أجل ذلك قلنا إنه لا يستقيم لنا برهان صحيح مما نصبنا لاستقرائه في هذا الفصل، ولكن أكبر غرضنا منه أن ندل على تاريخ الكلام في القرآن وإعجازه؛ فإن ذلك واضح النسق بين السرد فيما تهيأ لنا من هذه الآراء التي نؤديها كما هي وفاء بحق التاريخ وتوفية لفائدة ما نحن بسبيله.
كان أول ما ظهر من الكلام في القرآن، مقالة تعزى إلى رجل يهودي يسمى لبيد بن الأعصم فكان يقول: إن التوراة مخلوقة، فالقرآن كذلك مخلوق، ثم أخذها عنه طالوت ابن أخته وأشاعها، فقال بها بنان بن سمعان الذي إليه تنسب البنانية1، وتلقاها عنه الجعد بن درهم "مؤدب مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية" وكان زنديقًا فاحش الرأي واللسان، وهو أول من صرح بالإنكار على القرآن، والرد عليه، وجحد أشياء مما فيه2. وأضاف إلى القول بخلقه أن فصاحته غير معجزة، وأن الناس يقدرون على مثلها وعلى أحسن منها، ولم يقل بذلك أحد قبله، ولا فشت المقالة بخلق القرآن إلا من بعده، إذ كان أول من تكلم بها في دمشق عاصمة الأمويين، وكان مروان "ويلقب بالحمار" يتبع رأيه، حتى نسب إليه، فقيل مروان الجعدي.
ولم تظهر بعد فتنة القول بخلق القرآن إلا زمن أحمد بن أبي دؤاد وزير المعتصم "سنة 220هـ".
وكان أول من بالغ في القول بذلك عيسى بن صبيح الملقب بالمزدار الذي إليه تنسب المزدارية كما سيأتي.
ثم لما نجمت آراء المعتزلة بعد أن أقبل جماعة من شياطينها على دراسة كتب الفلسفة مما وقع إليهم عن اليونان وغيرهم نبغت لهم شئون أخرى من الكلام، فمزجوا بين تلك الفلسفة على كونها نظرًا صرفًا، وبين الدين على كونه يقينًا محضًا وتغلغلوا في ذلك حتى خالف بعضهم بعضًا بمقدار ما يختلفون في الذكاء وبعد النظر، فتفرقوا عشر فرق، واختلفت بهذا آراؤهم في وجه إعجاز القرآن اختلافًا يقوم بعضه على بعض، فيبدأ فارغًا وينتهي كما بدأ وإن كثر في ذات نفسه.
فذهب شيطان المتكلمين أبو إسحاق إبراهيم النظام إلى أن الإعجاز كان بالصَّرفة، وهي أن الله صرف العرب عن معارضة القرآن مع قدرتهم عليها فكان هذا الصرف خارفًا للمادة. قلنا وكأنه من هذا القبيل هو المعجزة لا القرآن.
وهذا الذي يروون عنه أحد شطرين من رأيه، أما الشطر الآخر فهو الإعجاز إنما كان من حيث الإخبار عن الأمور الماضية والآتية.
وقال المرتضى من الشيعة: بل معنى الصرفة أن الله سلبهم العلوم ... التي يحتاج إليها في المعارضة ليجيئوا بمثل القرآن, فكأنه يقول إنهم بلغاء يقدرون على مثل النظم والأسلوب ولا يستطيعون ما وراء ذلك مما لبسته ألفاظ القرآن من المعاني؛ إذ لم يكونوا أهل العلم ولا كان العلم في زمنهم، وهذا رأي بين الخلط كما ترى.
غير أن النظام هو الذي بالغ في القول بالصرفة حتى عرفت به، وكان هذا الرجل من شياطين أهل الكلام، على بلاغة ولسن وحسن تصرف، بيد أنه شب في ناشئة الفتنة الكلامية، فلم ينتفع بيقين. وقال فيه الجاحظ وهو تلميذه وصاحبه وأخبر الناس به: "إنما كان عيبه الذي لا يفارقه، سوء ظنه وجودة قياسه على العارض والخاطر والسابق الذي لا يوثق بمثله، فلو كان بدل تصحيحه القياس التمس تصحيح الأصل الذي قاس عليه، كان أمره على الخلاف. ولكنه كان يظن الظن ثم يقيس عليه وينسى أن بدء أمره ظنا، فإذا أتقن ذلك وأيقن، جزم عليه، وحكاه عن صاحبه حكاية المستبصر في صحة معناه؛ ولكنه كان لا يقول سمعت ولا رأيت، وكان كلامه إذا خرج مخرج الشهادة القاطعة لم يشك السامع أنه إنما حكى ذلك عن سماع قد امتحنه، أو عن معاينة قد بهرته" ا. هـ.
قلنا: وهذا بعض ما ذهب بفضل بلاغته، وغطى على أثره، ونقض أمره عروة عروة، وجعله في أكثر آرائه بعيدًا عما هو من غايته، مدفعًا إلى ما ينزل عن حقه؛ حتى جاء رأيه الذي علمت في مذهب الصرفة دون قدره بل دون علمه، بل دون لسانه، وهو عندنا رأي لو قال به صبية المكاتب وكانوا هم الذين افتتحوه وابتدعوه، لكان ذلك مذهبًا من تخاليطهم في بعض ما يحاولونه إذا عمدوا إلى القول فيما لا يعرفون ليوهموا أنهم قد عرفوا!
وإلا فإن من سلب القدرة على شيء بانصراف وهمه عنه، وهو بعد قادر عليه مقرن له، لا يكون تعجيزه بذلك في البرهان إلا كعجزه هو عن البرهان، إذ كان لم يعجزه عدم القدرة. ولكن أعجزه القدر وهو لا يغالب والمرء ينسى ويذكر، وقد يتراجع طبعه فترة لا عجزًا، وقد يعتريه السأم ويتخونه الملال، فينصرف عن الشيء وهو له مطيق، وذلك ليس أحق بأن يسمى عجزًا من أن يسمى تهاونًا، ولا هو أدخل فيما يحمل عليه الضعف منه فيما يحمل عليه فضل الثقة1.
على أن القول بالصرفة هو المذهب الفاشي من لدن قال به النظام، يصوبه فيه قوم ويشايعه عليه آخرون، ولولا احتجاج هذا البليغ لصحته، وقيامه عليه، وتقلده أمره، لكان لنا اليوم كتب ممتعة في بلاغة القرآن وأسلوبه وإعجازه اللغوي وما إلى ذلك، ولكن القوم -عفا الله عنهم- أخرجوا أنفسهم من هذا كله، وكفوها مؤنته بكلمة واحدة تعلقوا عليها، فكانوا فيها جميعًا كقول هذا الشاعر الظريف الذي يقول:
كأننا والماء من حولنا ... قوم جلوس حولهم ماء..
ولم نر أحدًا فسر هذه الكلمة "الصرفة" كابن حزم الظاهري، فإنه قال في كتابه "الفصل" في سبب الإعجاز: "لم يقل أحد إن كلام غير الله تعالى معجز، لكن ما قالها لله تعالى وجعله كلامًا له، أصاره معجزًا ومنع من مماثلته ... قال: وهذا برهان كاف لا يحتاج إلى غيره". نقول: بل هو فوق الكفاية، وأكثر من أن يكون كافيًا أيضًا؛ لأنه لما قاله ابن حزم وجعله رأيًا له، أصاره كافيًا لا يحتاج إلى غيره! وهل يراد من إثبات الإعجاز للقرآن إلا إثبات أنه كلام الله تعالى؟
وعلى الجملة فإن القول بالصرفة لا يختلف عن قول العرب فيه: "إن هو إلا سحر يؤثر" وهذا زعم رده الله على أهله وأكذبهم فيه وجعل القول به ضربًا من العمى2 {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ} فاعتبر ذلك بعضه ببعضه فهو كالشيء الواحد.
أما الجاحظ فإن رأيه في الإعجاز كرأي أهل العربية، وهو أن القرآن في الدرجة العليا من البلاغة التي لم يعهد مثلها، وله في ذلك أقوال نشير إلى بعضها في موضعه غير أن الرجل كثير الاضطراب، فإن هؤلاء المتكلمين كأنما كانوا من عصرهم في منخل ... ولذلك لم يسم هو أيضًا من القول بالصرفة، وإن كان قد أخفاها وأومأ إليها من عرض، فقد سرد في موضع من كتاب "الحيوان" طائفة من أنواع العجز، وردها في العلة إلى أن الله صرف أوهام الناس عنها ورفع ذلك القصد من صدورهم، ثم عد منها: "ما رفع من أوهام العرب وصرف نفوسهم عن المعارضة لقرآنه بعد أن تحداهم الرسول بنظمه" وقد يكون استرسل بهذه العبارة لما في نفسه من أثر أستاذه، وهو شيء ينزل على حكم الملابسة، ويعتري أكثر الناس إلا من تنبه له أو نبه عليه3، أو هو يكون ناقلًا، ولا ندري.
وبعض الفرق، فإنهم يقولون: إن وجه الإعجاز في القرآن هو ما اشتمل عليه من النظم الغريب المخالف لنظم العرب ونثرهم، في مطالعه ومقاطعه وفواصله؛ أي: فكأنه بدع من ترتيب الكلام لا أكثر.
وبعضهم يقول: إن وجه الإعجاز في سلامة ألفاظه مما يشين اللفظ: كالتعقيد والاستكراه ونحوهما مما عرفه علماء البيان، وهو رأي سخيف يدل على أن القائلين به لم يلابسوا صناعة المعاني.
وآخرون يقولون: بل ذلك في خلوه من التناقض واشتماله على المعاني الدقيقة.
وجماعة يذهبون إلى أن الإعجاز مجتمع من بعض الوجوه التي ذكرناها كثرة أو قلة، وهذا الرأي حسن في ذاته، لا لأنه الصواب، ولكن لأنه يدل على أن كل وجه من تلك الوجوه ليس في نفسه الوجه المتقبل.
أما الرأي المشهور في الإعجاز البياني الذي ذهب إليه عبد القادر الجرجاني صاحب "دلائل الإعجاز" المتوفى سنة 471هـ "وقيل 474هـ" فكثير من المتوسمين بالأدب يظنون أنه أول من صنف فيه ووضع من أجله كتابه المعروف، وذلك وهم، فإن أول من جود الكلام في هذا المذهب وصنف فيه، أبو عبد الله محمد بن يزيد الواسطي المتوفى سنة 306هـ، ثم أبو عيسى الرماني المتوفى سنة 382هـ، ثم عبد القادر، وهذا الرأي كان هو السبب في وضع علم البيان، كما نبسطه في موضعه من تاريخ آداب العرب إن شاء الله.
ومذهب آخر لطائفة من المتأخرين: وهو أن وجه الإعجاز ما تضمنه القرآن من المزايا الظاهرة والبدائع الرائقة، في الفواتح والمقاصد والخواتيم في كل سورة وفي مبادئ الآيات وفواصلها قالوا: والمعول على ثلاث خواص:
1- الفصاحة في ألفاظه كأنها السلسال.
2- البلاغة في المعاني بالإضافة إلى مضرب كل مثل ومساق كل قصة وخبر في الأوامر والنواهي وأنواع الوعيد ومحاسن المواعظ والأمثال وغيرها مما اشتمل عليه؛ فإنها مسوقة على أبلغ سياق.
3- صورة النظم، فإن كل ما ذكره من هذه العلوم مسوق على أتم نظام وأحسنه وأكمله. ا. هـ.
ومحصل هذا المذهب أن الإعجاز في القرآن كله؛ لأن القرآن كله معجز ... وهو معجز؛ لأنه معجز.
ولجماعة من المتكلمين وأهل التقسيمات المنطقية على اختلاف بينهم شبه ومطاعن يوردونها على القرآن. وهي نحو عشرين وجهًا، كلها سخيف ركيك وكلها واه مضطرب، وكلها غث بارد، منها قولهم: إن معارضته التي يقطع بأنها مستحيلة، حاصلة فعلًا: فإن الله يقول: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} قالوا: وكل من قرأ سورة منه فقد أتى بمثلها، أي: لأن من قرأها من المتأخرين يثبت بنفي هذه الشبه ونقضها؛ لأن سقوط الشبهة الواردة على الدليل، هو نفسه دليل صحته1.
وهذا برهان لم يكن لهم بد منه؛ فإن إنكار الإعجاز لم يقل به أحد من المتأخرين؛ وإنما وقع إليهم على هيئته في كتب الكلام وكتب التفسير التي يدرسونها؛ فهو رأي ميت، لو أنكروه بكل دليل في العلم لم يزده ذلك موتًا في الأرض ولا في السماء.
تلك هي أصول الأدلة لمن يقولون بالإعجاز2، لا نظن أنه فاتنا منها شيء إلا أن يكون قبيلًا مما زعمه بعضهم من أن حقيقة هذا الإعجاز هي أن العرب لم يعلموا وجه الترتيب الذي لو تعلموه لوصلوا به إلى المعارضة. وهو دليل لا يثبت شيئًا إلا عجز قائله وحده.
فإن قلت: أتنكر أن ما زعموه هو الدليل على الإعجاز، وأنه لا ينهض دليلًا ولا يتماسك إذا نهض وأنه زعم على الهاجس ورأي على ما يتفق، وأن مسألة الإعجاز لا تحل بصناعة الأقيسة وملابسة الجدال، وأن هذه التقسيمات وصحل لا يغني وحشو لا يسمن؟ قلت في ذلك: لشد ما ... !
أما الذين يقولون إن القرآن غير معجز، لا بقوة القدر ولا بضعف القدرة، فقد ذكرنا من أمرهم طرفًا، وأشدهم بعد الجعد بن درهم: عيسى بن صبيح المزدار وأصحابه المزدارية، وكان عيسى هذا تلميذًا لبشر بن المعتمر -من أكبر شيوخ المعتزلة وأفراد بلغائهم- ثم كان مبتلى بجنون التكفير، حتى سأله إبراهيم بن السندي مرة عن أهل الأرض جميعًا، فكفرهم، فأقبل عليه وقال: الجنة التي عرضها السموات والأرض لا يدخلها إلا أنت، وثلاثة وافقوك؟ ومع هذا فكان الرجل من الزهد والورع بمكان حتى لقبوه راهب المعتزلة.
وقد زعم أن الناس قادرون على مثل القرآن فصاحة ونظمًا وبلاغة؛ وعلى ذلك أصحابه، وهو جنون بلا ريب ليس أقبح منه إلا جنون الحسينية أصحاب الحسين بن القاسم العناني الذين يزعمون أن كتبهم وكلامهم أبلغ وأهدى وأبين من القرآن. وذلك زعم يكثر أن يكون جهلًا وسخفًا من قوم شاهدين على أنفسهم بالكفر، وإنما هو بعض يزينه شيطان النفاق {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} .
مصادر و المراجع :
١-تاريخ آداب العرب
المؤلف: مصطفى صادق بن عبد الرزاق بن سعيد بن أحمد بن عبد القادر الرافعي (المتوفى: 1356هـ)
الناشر: دار الكتاب العربي
16 ديسمبر 2024
تعليقات (0)