المنشورات
زهير بن أبي سلمى:
هو زهير بن أبي سلمى -قال فيه الصحاح: ليس في العرب سلمى "بالضم" غيره- ابن رباح، يرتفع نسبه إلى نزار، وكان ورعًا حكيمًا يعدونه من مترهبة العرب، قالوا: وهو أحد الثلاثة المتقدمين على سائر الشعراء، وإنما اختلف في تقديم أحدهم على صاحبه، فأما الثلاثة فلا اختلاف فيهم، وهم: امرؤ القيس، وزهير، والنابغة الذبياني، وما أرى ذلك عن جماعة، فإن الأقوال مختلفة في التفضيل بين الشعراء، وقد جاءت روايات بتقديم أوس بن حجر، وعلقمة بن عقدة، وغيرهما، ولكن أصل ذلك الخبر فيما أراه ما أتت به الرواية عن يونس بن حبيب النحوي أن علماء البصرة كانوا يقدمون امرأ القيس، وأن أهل الكوفة كانوا يقدمون الأعشى، وأن أهل الحجاز والبادية كانوا يقدمون زهيرًا والنابغة، وكان أهل العالية لا يعدلون بالنابغة أحدًا، كما أن أهل الحجاز لا يعدلون بزهير أحدًا "ص62 ج1: العمدة".
وإلى هذه الرواية يرجع كلما ورد عن ابن عباس وعمر بن الخطاب وغيرهما من الحجازيين في تقديم زهير وأنه أشعر الشعراء.
وقد ورث زهير الشعر عن أبيه وخاله، وورثه ولده، قال ابن الأعرابي: كان لزهير في الشعر ما لم يكن لغيره؛ كان أبوه شاعرًا، وخاله شاعرًا وأخته سلمى شاعرة، وابناه كعب وبجير شاعرين، وأخته الخنساء شاعرة، وابن ابنه المضرب بن كعب شاعرًا.
وفي رواية حماد وابن الكلبي عن أبيه قال: كان بسامة بن الغدير خال أبي سلمى، وكان منقطعًا إليه معجبًا بشعره.. وكان بسامة أحزم الناس رأيًا، فكانت غطفان إذا أرادوا أن يغزوا أتوه فاستشاروه وصدروا عن رأيه، فإذا رجعوا قسموا له مثل ما يقسمون لأفضلهم، فمن أجل ذلك كثر ماله، فلما حضره الموت جعل يقسم ماله في أهل بيته وبين بني إخوته فأتاه زهير فقال: يا خالاه، لو قسمت لي من مالك! فقال: والله يابن أختي لقد قسمت لك أفضل ذلك وأجزله. قال: وما هو؟ قال: شعري ورثتنيه، وقد كان زهير قبل ذلك قال الشعر. وكان أول ما قاله، فقال له زهير: الشعر شيء ما قلته فكيف تعتد به علي؟ فقال له بسامة: ومن أين جئت بهذا الشعر؟ لعلك ترى أنك جئت به من مزينة؟ -من قبيلة من مضر ينسبونه إليها، قال ابن قتيبة: وإنما نسبه في غطفان، ورده ابن عبد البر في "الاستيعاب"- وقد علمت العرب أن حصاتها وعين مائها في الشعر لهذا الحي من غطفان، ثم لي منهم، وقد رويته عني.
غير أن الثابت الذي يدفع، أن زهيرًا كان راوية أوس بن حجر، وطفيل الغنوي جميعًا "ص132 ج1: العمدة" وكان أوس زوج أم زهير "ص55 ج1: العمدة" فإذا صح أنه روى شعر بسامة أيضًا، وأن بسامة كان بالمنزلة التي وصفوا من أصالة الرأي، فيكون زهير قد احتذاه في حكمه وأمثاله؛ لأنه لا يعرف لشاعر جاهلي ما عرف من ذلك لزهير.
وكان زهير يمدح هرم بن سنان سيد غطفان وأحد أجواد العرب المشهورين، وهو الذي وقع به إلى صميم المديح وأراه من جوده موضع الاختراع، حتى قالوا إنه حلف أن لا يمدحه زهير إلا أعطاه ولا يسأله إلا أعطاه، ولا يسلم عليه إلا أعطاه: عبدًا أو ليدة أو فرسًا، فاستحيا زهير مما كان يقبل منه، فكان إذا رآه في ملأ قال: عموا صباحًا غير هرم وخيركم استثنيت؛ وقد سلف لنا الكلام في الارتجال والبديهة عن حوليات هذا الشاعر والأسباب التي بعثته على الصنعة والتنقيح حتى صار مثلًا في ذلك للمتأخرين، وخرج شعره مصفى مستويًا؛ إذ كان لا يعاظل بين الكلام، ولا يتتبع الوحشي منه1.
حتى قال أبو عبيدة: إن لشعره ديباجة إن شئت قلت شهد إن مسسته ذاب، وإن شئت قلت صخر لو رديت به الجبال لأزالها.
وعمر زهير طويلًا، وتوفي قبل البعثة بسنة، وديوان شعره معروف وعليه شروح طبع منها في "ليدن" شرحه للأعلم الشنتمري سنة 1889 للميلاد.
مصادر و المراجع :
١- تاريخ آداب العرب
المؤلف: مصطفى صادق بن عبد الرزاق بن سعيد بن أحمد بن عبد القادر الرافعي (المتوفى: 1356هـ)
الناشر: دار الكتاب العربي
18 ديسمبر 2024
تعليقات (0)