المنشورات

الأحاجي

هي جمع أحجية، وهي اسم من المحاجاة، ويقال لها أدعية من المداعاة.
قال في "الصحاح" ويقال: حجيك ما كذا وكذا؟ وهي لعبة وأغلوطة يتعاطاها الناس بينهم، قال أبو عبيد: هو نحو قولهم: أخرج ما في يدي ولك كذا؛ وتقول أيضًا: أنا حجيك في هذا الأمر، أي: من يحاجيك. وقال في "تاج العروس": واحتجى: أصاب ما حوجي به، وقال:
فناصيتي وراحلتي ورحلي ... ونسعا ناقتي لمن احتجاها
فالأحاجي على ذلك تشبه الأغاليط التي يسميها عامة مصر "بالفوازير" وهي بهذا المعنى أعم من الألغاز، وإن كان الأصل في كلها واحدا.
وهذه الأحاجي غريزية في الفطرة على ما يظهر لي، فإن الطفل الذي هو دليل الطبيعة الأولى في الإنسان يسأل عن أشياء كثيرة بوصفها والإشارة إليها، فإذا سئل هو بمثل ذلك كانت عنده أحاجي، ومما يؤيد ذلك ورود بعض الأحاجي في أسفار العهد [القديم] كسفر القضاة، وشيء مما يماثلها في الخرافات القديمة أيضًا "الميثولوجيا" ويكون تقرير هذه المعاني وإخراجها مخرج الموضوعات النفسية مما عمله الحكماء ملحقًا بالنرد والشطرنج وأمثالهما.
وأقدم ما وصل إلينا من أحاجي العرب نوع كان يستعمل في اختبار البداهة وقوة العارضة، فيلقي السائل الكلمة المفردة والمسئول يتمها في كل مرة حتى يحتبس لسانه أو يكل بيانه، كهذا الذي نقلوه عن هند بنت الخس وهي قديمة في الجاهلية أدركت المتلمس أحد حكام العرب الذي يقال إنه أول من وصل الوصيلة وسيب السائبة, وهي امرأة ساجعة متبذلة كانت تحاجي الرجال، إلى أن مر بها رجل فسألته المحاجاة؛ فقال: كاد.... فقالت: كاد العروس يكون الأمير، فقال: كاد.... قالت: كاد المنتعل يكون راكبًا، فقال: كاد ... قالت: كاد البخيل يكون كلبًا، وانصرف، فقالت له: أحاجيك، فقال: قولي، قالت: عجبت ... قال: عجبت للسبخة لا يجف ثراها ولا ينبت مرعاها، فقالت: عجبت ... قال: عجبت للحجارة لا يكبر صغيرها ولا يهرم كبيرها ... ثم أفحمها بكلمة بذيئة فخجلت وتركت المحاجاة.
ولكن الحريري المتوفى سنة 516هـ وضع نوعًا من المعمى استعار له اسم الأحجية، وهو أول من اخترعه وسماه كذلك، وقد نظم منه في المقامة السادسة والثلاثين عشرين أحجية، وقال: وضع الأحجية لامتحان الألمعية، واستخراج الخبية الخفية، وشرطها أن تون ذات مماثلة حقيقية وألفاظ معنوية ولطيفة أدبية فمتى نافت هذا النمط ضاهت السقط ولم تدخل السفط ا. هـ.
وذلك النوع كلام مركب يستخرج منه لفظ بسيط لو جزئ انقسم إلى ما يعادل ذلك المركب في أجزائه ويرادفها في المعنى، كقوله في أسكوب1:
يا من تبوأ ذروة ... في الفضل فاقت كل ذروه
ما مثل قولك أعط إبريـ ... ـقًا يلوح بغير عروه
لأن "أعط" يرادفها "أس" من الأوس [وهو الإعطاء] والإبريق بغير عروة يرادفه الكوب.
وقوله أبي الوفاء العرضي في صهباء:
يا مفردًا فيما جمع ... وكاملًا فيما ابتدع
بين لنا أحجية ... حاصلها أسكت رجع
وقد فلا المتأخرون مركبات اللغة التي يستخرج منها مثل هذه الألفاظ وجمعوا من ذلك كلمات كثيرة، كقولهم: اطلب طريقًا، في "سلسبيل"؛ وتراب مطر، في "البراغيث" لأن البرى هو التراب، وقد أخذ بعض المعاصرين هذه الكلمة وجعلها هكذا "ابن عاجب أمطرا" يريد: البراء ابن عاجب، وهو صحابي.
[واقتفار] الأحاجي ما عرفت من هذا النمط خروج بها عما ليس له حد إلى ما يحد، وبذلك تعسفوا بها في هذه [البواد] وركبوا من أمرها كما رأيت القور بعد الجواد.
وقد ذكر عبد القادر البغدادي صاحب "خزانة الأدب" أن أجل التصانيف المؤلفة في الألغاز والأحاجي كتاب "الإعجاز في الأحاجي والألغاز"، تأليف أبي المعالي سعد الوراق الخطيري، قال: وهو كتاب تكل عن وصفه الألسن، جمع فيه ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين. ا. هـ. 













مصادر و المراجع :

١- تاريخ آداب العرب

المؤلف: مصطفى صادق بن عبد الرزاق بن سعيد بن أحمد بن عبد القادر الرافعي (المتوفى: 1356هـ)

الناشر: دار الكتاب العربي

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید