المنشورات
حساب الكافر في الآخرة
س الإنسان المؤمن محل الحساب يوم القيامة، إن خيرا فخير وإن شرًا فشر. فكيف يكون الكافر محلا للحساب كذلك وهو غير مطالب بالتكليفات المطالب بها المؤمن؟
ج هذا السؤال مبني على فهم ليس بصحيح، فإن الكافر مطالب بما يطالب به المؤمن لكنه غير ملزم به في الدنيا، ويدل على أنه مطالب لقوله تعالى {إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ. فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ. عَنِ الْمُجْرِمِينَ. مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ. وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} . فلولا أنهم تأثروا بترك الصلاة وترك الطعام وإطعام المساكين لو أنهم تأثروا بذلك ما ذكروه وهذا دليل على أنهم يعاقبون على فروع الإسلام وكما أن هذا هو مقتضى الأثر فهو أيضا مقتضى النظر، فإذا كان الله تعالى يعاقب عبده المؤمن على ما أخل به من واجب في دينه فكيف لا يعاقب عبده الكافر؟ بل إني أزيدك أن الكافر يعاقب على كل ما أنعم الله به عليه من طعام وشراب وغيره قال تعالى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} فمنطوق الآية رفع الجناح عن المؤمنين فيما طعموه، ومفهومها وقوع الجناح على الكافرين فيما طعموه، وكذلك قول الله سبحانه وتعالى {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . فإن قوله {قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . دليل على أن غير المؤمن ليس له حق في أن يستمتع بها، أقول ليس له حق شرعي أما الحق بالنظر إلى الأمر الكوني وهو أن الله سبحانه وتعالى خلقها وانتفع بها هذا الكافر فهذا أمر لا يمكن إنكاره. فهذا دليل على أن الكافر يحاسب حتى على ما أكل من المباحات وما لبس، وكما أن هذا مقتضى الأثر فإنه مقتضى النظر، إذ كيف يتمتع هذا الكافر العاصي لله الذي لا يؤمن به كيف يحق له عقلا أن يستمتع بما خلقه الله عز وجل وما أنعم الله به على عباده؟ إذا تبين لك هذا فإن الكافر يحاسب يوم القيامة على عمله. ولكن حساب الكافر على عمله يوم القيامة ليس كحساب المؤمن لأن المؤمن يحاسب حساًبا يسرًا؛ يخلو به الرب عزَّ وجل ويقرره بذنوبه حتى يعترف ثم يقول له سبحانه وتعالى (قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) . أما الكافر - والعياذ بالله - فإن حسابه أن يقرر بذنوبه ويُخزى بها على رؤوس الأشهاد ... {وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}
الشيخ ابن عثيمين
مصادر و المراجع :
١- فتاوى إسلامية
لأصحاب الفضيلة العلماء
سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز (المتوفى: 1420هـ)
فضيلة الشيخ: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421هـ)
فضيلة الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (المتوفى: 1430هـ)
إضافة إلى اللجنة الدائمة، وقرارات المجمع الفقهي
المؤلف (جمع وترتيب) : محمد بن عبد العزيز بن عبد الله المسند
الناشر: دار الوطن للنشر، الرياض
21 ديسمبر 2024
تعليقات (0)