المنشورات
نصح تذكير في مسائل في التعزية
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه ويطلع عليه من إخواني المسلمين، وفقني الله وإياهم إلى فعل الطاعات وجنبني وإياهم البدع والمنكرات. . . آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد
فإن الداعي لكتابة هذه الكلمة هو النصح والتذكير والتنبيه على مسائل في التعزية مخالفة للشرع قد وقع فيها بعض الناس ولا ينبغي السكوت عنها بل يجب التنبيه والتحذير منها فأقول وبالله التوفيق
على كل مسلم أن يعلم علم اليقين أن ما أصابه فهو بقضاء الله وقدره وعليه أن يصبر ويحتسب وينبغي للمصاب أن يستعين بالله تعالى ويتعزى بعزائه ويمتثل أمره في الاستعانة بالصبر والصلاة لينال ما وعد به الصابرين في قوله ــ تعالى ــ (وبشَّر الصابرين الَّذين إذآ أصابتهم مُّصيبة قالوا إنَّا لله وإنَّ إليه راجعون، أُولئك عليهم صَلَواتٌ مّن رَّبّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) .
وروى مسلم في صحيحة عن أم سلمة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول
((ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنَّا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها)) . وليحذر المصاب أن يتكلم بشيء يحبط أجره ويسخط ربه مما يشبه التظلم والتسخط فهو ــ سبحانه وتعالى ــ عدل لا يجوز وله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى وله في ذلك الحكمة البالغة وهو الفعَّال لما يريد. ومن عارض في هذا أو مانعه فإنما يعترض على قضاء الله وقدره الذي هو عين المصلحة والحكمة وأساس العدل والصلاح. ولا يدعو على نفسه لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال لما مات أبو سلمة ((لا تدعو على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون)) . ويحتسب ثواب الله ويحمده.
وتعزية المصاب بالميت مستحبة لما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم ((من عزّى مصاباً فله مثل أجره)) . والمقصود منها تسلية أهل المصيبة في مصيبتهم ومواساتهم وجبرهم، ولا بأس بالبكاء على الميت لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، فعله لما مات ابنه إبراهيم وبعض بناته صلى الله عليه وسلم.
أما الندب والنياحة ولطم الخد وشق الجيب وخمش الوجه ونتف الشعر والدعاء بالويل والثبور وما أشبهها فكل ذلك محرم لما روى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال ((ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية)) . وعن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بريء من الصالقة، والحالقة، والشاقة، وذلك لأن هذه الأشياء وما أشبهها فيها إظهار للجزع والتسخط وعدم الرضاء والتسليم والصالقة هي التي ترفع صوتها عند المصيبة. ويستحب إصلاح طعام لأهل الميت يبعث به إليهم إعانة لهم وجبراً لقلوبهم فإنهم ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي إليهم عن إصلاح طعام لأنفسهم لما روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه بسند صحيح عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما قال لما جاء نعي جعفر قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم ((اصنعوا لآل جعفر طعاماً فإنه قد أتاهم ما يشغلهم)) وروي عن عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما أنه قال فمازالت السنة فينا حتى تركها من تركها.
أما صنع أهل البيت الطعام للناس سواء أكان ذلك من مال الورثة أم من ثلث الميت أو من شخص يفد عليهم فهذا لا يجوز لأنه خلاف السنة ومن عمل الجاهلية لأن في ذلك زيادة تعب لهم على مصيبتهم وشغلاً إلى شغلهم وروى أحمد وابن ماجه بإسناد جيد عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال (كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد الدفن من النياحة) وأما الإحداد فوق ثلاثة أيام على ميت غير زوج فيلزم زوجته الإحداد مدة العدة فقط لقوله عليه الصلاة والسلام ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا)) . .
أما إحداد النساء سنة كاملة فهذا مخالف للشريعة الإسلامية السمحة وهو عادات الجاهلية التي أبطلها الإسلام وحذر منها فالواجب إنكاره والتواصي بتركه قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى وهذا من تمام محاسن الشريعة وحكمتها ورعايتها على أكمل الوجوه. فإن الإحداد على الميت من تعظيم مصيبة الموت التي كان أهل الجاهلية يبالغون فيها أعظم مبالغة وتمكث المرأة سنة في أضيق بيت وأوحشة لا تمس طيباً ولا تدهن ولا تغتسل إلى غير ذلك مما هو تسخط على الرب وأقداره. فأبطل الله بحكمته سنة الجاهلية وأبدلنا بها الصبر والحمد.
ولما كانت مصيبة الموت لابد أن تحدث للمصاب من الجزع والألم والحزن ما تتقاضاه الطباع سمح لها الحكيم الخبير في اليسير من ذلك وهو ثلاثة أيام تجد بها نوع راحةٍ وتقضي بها وطراً من الحزن، ومازاد عن ذلك فمفسدة راجحة فمنع منه والمقصود أنه أباح لهن الإحداد على موتاهن ثلاثة أيام وأما الإحداد على الزوج فإنه تابع للعدة بالشهور. وأما الحامل فإذا انقضي حملها سقط وجوب الإحداد لأنه يستمر إلى حين الوضع. ا. هـ كلامه رحمه الله.
فأما عمل الحفل بعد خروج المرأة من العدة فهو بدعة إذا اشتمل على ما حرم الله من نياحة وعويل ونذب ونحوها. ولم يثبت عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم ولا عن السلف الصالح إقامة حفل للميت مطلقاً لا عند وفاته ولا بعد أسبوع أو أربعين يوماً أو سنة من وفاته بل ذلك بدعة وعادة قبيحة. فيجب البعد عن مثل هذه الأشياء وإنكارها والتوبة إلى الله منها وتجنبها لما فيها من الابتداع في الدين ومشابهة المشركين وقد ثبت عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال ((بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي. وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم)) وثبت عنه أيضاً عليه الصلاة والسلام أنه قال ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على النهي عن التشبه بالمشركين وعن الابتداع في الدين والله أعلم.
مصادر و المراجع :
١- فتاوى إسلامية
لأصحاب الفضيلة العلماء
سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز (المتوفى: 1420هـ)
فضيلة الشيخ: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421هـ)
فضيلة الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (المتوفى: 1430هـ)
إضافة إلى اللجنة الدائمة، وقرارات المجمع الفقهي
المؤلف (جمع وترتيب) : محمد بن عبد العزيز بن عبد الله المسند
الناشر: دار الوطن للنشر، الرياض
24 ديسمبر 2024
تعليقات (0)