المنشورات

خيبر

 بينها وبين المدينة ثمانية برد، مشى ثلاثة أيّام.
تخرج من المدينة على الغابة العليا، ثم تسلك الغابة السّفلى، ثم ترقى فى نقب يردوح «1» ، وفيه مسجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تسلك واديا يقال له الدّومة، وبه آبار، ثم أشمذ «2» : جبل، ثم الشّقّة، وهى حرّة، ثم نمار، وهى من خيبر على ستة «3» أميال. وأوّل حدّ خيبر الدّومة «4» ، ثم تصير إلى خيبر وحصونها. وسوق خيبر اليوم المرطة، وكان عثمان مصّرها؛ وفى «5» حصنها اليوم بقية من الناس، وهو لآل عمر بن الخطّاب؛ ثم حصن وجدة، وبه نخل وأشجار، وهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ثم سلالم، وعظمها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الأهيل: جبل فيه آطام ليهود «6» ، ومزارع وأموال، تعرف بالوطيح، فيه طعم أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنى المطّلب، ثم الوادى المتّصل بالوطيح إلى خلص، كلّه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يسمّى الكتيبة، والكتيبة من حصون خيبر وهناك الصّهباء التى أعرس بها «1» رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهى من خيبر على بريد، وحصن خيبر الأعظم القموص، وهو الذي فتحه علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه، وأسفله مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك نطاة والشّقّ، وهما واديان، بينهما أرض تسمّى السّبخة والمخاضة، تفضى إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعظم، الذي كان طول «2» مقامه بخيبر فيه، وبنى عيسى ابن موسى هذا المسجد، وأنفق فيه مالا جليلا «3» وهو على طاقات معقودة، وله رحاب «4» واسعة، وفيه الصخرة التى صلّى إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أوّل نطاة؛ وهذا المسجد يسمّى المنزلة، وفيه تصلّى الأعياد اليوم.
وفى «5» نطاة حصن مرحب وقصره، وقع فى سهم الزّبير بن العوّام.
وبالشّقّ عين تسمّى الحمّة، وهى التى سمّاها النّبيّ صلى الله عليه وسلم قسمة الملائكة، يذهب ثلثامائها فى فلج، والثّلث الآخر فى فلج، والمسلك واحد؛ وقد اعتبرت منذ زمان «6» رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم، يطرح فيها ثلاث خشبات «7» ، أو ثلاث تمرات، فتذهب اثنتان فى الفلج الذي له ثلثامائها، وواحدة فى الفلج الثانى، ولا يقدر أحد أن يأخذ من ذلك الفلج أكثر من الثلث، ومن قام فى الفلج الذي يأخذ الثلثين، ليردّ الماء «8» إلى الفلج الثانى، غلبه الماء وفاض، ولم يرجع إلى الفلج الثانى شىء يزيد على الثلث، والعين العظمى بالنّطاة تسمّى اللّحيحة. وأوّل دار افتتحت «1» بخيبر دار بنى قمّة، وهي بنطاة، وهى منزل الياسر أخى مرحب، وهى التى قالت فيها عائشة: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير والتّمر حتّى فتحت دار بنى قمّة.
صحّ جميع ما أوردته «2» من كتاب السّكونى.
وقال محمد بن سهل «3» الكاتب: سمّيت خيبر بخيبر بن قاينة بن مهلائيل، وهو أوّل من نزلها. وقال ابن إسحاق: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من المدينة إلى خيبر، سلك على عصر.
هكذا روى عنه، بفتح العين وإسكان الصاد المهملة، بعدها راء مهملة؛ وفى بعض النسخ: عصر، بفتح الصاد.
قال: فبنى له فيها مسجد؛ قال: ثم سلك على الصّهباء، ثم أقبل حتّى نزل بواد يقال له الرّجيع، فنزل بين أهل خيبر وبين غطفان، ليحول بينهم وبين أن يمدّوا «4» أهل خيبر، وكانوا لهم مظاهرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أوّل حصن افتتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم حصن ناعم، ثم القموص «5» ، حصن بنى «6» أبى الحقيق، ثم الشّقّ ونطاة والكتيبة؛ فلمّا افتتح من حصونهم ما افتتح، وحاز من أموالهم ما حاز، انتهوا إلى حصنيهم «7» :
الوطيح والسّلالم، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ليلة، حتى إذا أيقنوا بالهلكة، سألوه أن يسيّرهم، وأن يحقن لهم دماءهم، ففعل، فلمّا سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا، بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يسيّرهم، ويخلوا له الأموال، ففعل؛ ولمّا نزل أهل خيبر سألوه أن يعاملهم فى الأموال على النّصف، وقالوا: نحن أعلم بها منكم، وأعمر لها ففعل، على أنّه إذا شاء أن يجليهم أجلاهم، وصالحه أهل فدك على مثل ذلك.
وقال ابن لفيم العبسىّ فى افتتاح خيبر:
رميت نطاة من الرسول بفيلق ... والشّقّ أظلم أهله بنهار
قال ابن إسحاق: وواديا خيبر: السّرير وخلص، وهما اللذان قسمت عليها خيبر. فخلص بين قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين نسائه، قال: وأوّل سهم خرج من خيبر بنطاة سهم الزّبير بن العوّام، وهو الخوع.
وقال «1» ابن لقيم العبسى فى الشّقّ ونطاة، وذلك عند فتح خيبر:
رميت نطاة من الرسول بفيلق ... شهباء ذات مناكب وفقار
واستيقنت بالذّلّ لمّا أصبحت «2» ... ورجال أسلم وسطها وغفار
ولكل حصن شاغل من خيلهم ... من عبد أشهل أو بنى النّجار «3»
صبحت بنى عمرو بن زرعة غدوة ... والشّقّ أظلم ليلها «4» بنهار

 

مصادر و المراجع :

١- معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع

المؤلف: أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي (المتوفى: 487هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید