المنشورات

دير الرّصافة

 بدمشق «3» . قال أبو الفرج: حدثنى جعفر بن قدامة، قال: حدثنى أبو عبد الله بن حمدون، قال: كنت مع المتوكّل لما خرج إلى الشام، فركب يوما من دمشق يتنزه فى رصافة هشام «4» ، يزور «5» قصوره وقصور ولده؛ ثم خرج، فدخل ديرا «6» هناك قديما، من بناء الرّوم «7» ، بين أنهار 

ومزارع وأشجار، فبينا هو يدور فيه، إذ بصر برقعة ملصقة، فأمر أن تقلع، فقلعت، فإذا فيها «1» :
أيا منزلّا بالدير أصبح خاليا ... تلاعب فيه شمأل ودبور
كأنك لم يسكنك بيض أوانس ... ولم يتبختر فى فنائك حور
وأبناء أملاك عباشم سادة ... صغيرهم عند الأنام كبير
إذا لبسوا أدراعهم فمنابس ... وإن لبسوا تيجانهم فبدور
على أنهم يوم اللّقاء ضراغم ... وأنهم يوم العطاء بحور
وحولك رايات لهم وعساكر ... وخيل لها بعد الصهيل شخير
ليالى هشام فى الرّصافة قاطن ... وفيك ابنه يا دير وهو أمير
إذ العيش غضّ والخلافة لذّة «2» ... وأنت طرير والزمان غرير
وروضك مرتاض، ونورك نيّر ... وعيش بنى مروان فيك نضير
بلى، فسقاك الغيث صوب غمامة ... عليك لها بعد الرّواح بكور
تذكرت قومى خاليا فبكيتهم ... بشجو، ومثلى بالبكاء جدير
وعزّيت نفسى وهى نفس إذا جرى ... لها ذكر قومى أنّة وزفير
لعلّ زمانا جار يوما عليهم ... له بالذى تهوى النفوس يدور
فيفرح محزون، وينعم بائس ... ويطلق من ضيق الوثاق أسير
قال: فلما قرأها المتوكل ارتاع لها «3» وتطيّر، وقال: أعوذ بالله من سوء أقداره «4» ثم دعا بصاحب الدير، فقال له «5» : من كتب هذه الرّقعة؟ فأقسم أنه لا يدرى.قال: وأنا مذ نزل أمير المؤمنين هذا الموضع «1» ، لا أملك من أمر هذا الدير شيئا؛ يدخله الجند والشاكرية ويخرجون «2» ؛ وغاية قدرتى أنى متوار فى قلّايتى.
فهمّ بضرب عنقه، وإخراب الدير؛ فكلمه صحبه إلى أن سكن غضبه؛ ثم بان بعد ذلك أن الذي كتب الأبيات رجل من بنى روح بن زنباع الجذامىّ، وأمه من موالى هشام بن عبد الملك.
 

مصادر و المراجع :

١- معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع

المؤلف: أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي (المتوفى: 487هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید