المنشورات

دير القائم الأقصى

قال أبو الفرج: هو على شاطىء الفرات من الجانب الغربىّ، على طريق الرّقّة، قال: وقد رأيته ورأيت القائم الأقصى، وهو مرقب من المراقب التى كانت بين الفرس والروم، على أطراف الحدود، مثل عقر قوف من بغداد وما جرى مجراه؛ وعنده هذا الدّير؛ وهو الآن خراب؛ دخلته «1» وليس فيه أحد، ولا «2» عليه سقف ولا باب.
وأخبرنى هاشم بن محمد الخزاعىّ، قال: أخبرنى عمى عبد الله بن مالك، عن أبيه، قال «3» : خرجنا مع الرشيد إلى الرّقة، فممرنا بالقائم الأقصى، فاستحسن الرشيد الموضع، وكان ربيعا «4» ، وكانت تلك المروج مملوءة بالشقائق، وأصناف الزهر، فشرب على ذلك ثلاثة أيام. ودخلت الدير فطفنه، فإذا فيه ديرانية حين نهد ثدياها، عليها مسوح، ما رأيت قطّ أحسن منها وجها وقدّا واعتدالا؛ وكأن تلك المسوح عليها حلىّ، فدعوت بنبيذ، فشربت على وجهها أقداحا، وقلت فيها: بدير القائم الأقصى ... غزال «1» شادن أحوى
برى حبّى له جسمى ... ولا «2» يدرى بما ألقى
وأخفى «3» حبّه جهدى ... ولا والله ما يخفى
ثم دعوت العود، وغنّيت فيه صوتا «4» حسنا، ولم أزل أكرره وأشرب على وجهها «5» حتى سكرت.
فلما كان الغد دخلت على الرشيد وأنا ميت سكرا فاستخبرنى، فأخبرته بقصتى، فقال: طيب وحياتى! ودعا بالشراب، فشرب سائر يومه، فلما كان العشىّ قال: قم حتى أتنكّر وأدخل معك على صاحبتك، فأراها. فركب حمارا، وتلثم بردائه، فدخلنا، فرآها، وقال: مليحة والله! «6» فامر فجىء بكأس، وأحضرت عودى، وغنّيته الصوت ثلاث مرات، وشرب ثلاثة أرطال وأمر لى بعشرة آلاف درهم؛ فقلت له: يا سيدى، فصاحبة القصة؟ فأمر لها بمثل ذلك؛ وأمر ألّا يؤخذ من مزارع ذلك «7» الدير خراج، وأقطعهم إياه، وجعل عليه خراج عشرة دنانير فى كل سنة، تؤدّى عنه ببغداد، وانصرفنا.
 

مصادر و المراجع :

١- معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع

المؤلف: أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي (المتوفى: 487هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید