المنشورات

حكم الحال، وعاملها، وصاحبها، ورابطها، من ناحية الذكر والحذف

أ– الأصل في الحال أن تكون مذكورة؛ لتؤدي مهمتهما المعنوية؛ وهي بيان هيئة الفاعل، أو المفعول به، أو غيرهما، مما سبق تفصيله1 لهذا يجب ذكرها في كثير من المواضع، ويجوز حذفها في أخرى. فمن المواضع التي يجب أن تذكر فيها ما يأتي: 1– أن تكون محصورة؛ نحو: ما أحب العالم إلا نافعًا بعلمه. 2– أن تكون نائبة عن عاملها المحذوف سماعًا؛ نحو: هنيئًا لك2، بمعنى: ثبت لك الخير هنيئًَا، أو: هناك الأمر هنيئًا3، أو نحو هذا التقدير الدال على الدعاء بالهناءة. 3– أن يتوقف على ذكرها المعنى المراد، أو يفسد يحذفها … كما أشرنا أول الباب4؛ فالأول نحو قوله تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} ، والثاني نحو قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} . ومن هذا الموضع أن تكون سادة مسد الخبر5 في مثل: سهري على المزرعة نافعة. 4– أن تكون جوابًا، مثل: كيف حضرت؟ فيجاب: راكبًا. ويجوز حذف الحال إذا دل عليها دليل، وأكثر حذفها حين يكون لفظها مشتقًا من مادة "القول"، ويكون الدليل عليها بعد الحذف هو: "المقول"6 نحو جلست في حجرتي، فإذا صديقي الغائب يدخل: "السلام عليكم"، أي: يدخل قائلًا: السلام عليكم، فكلمة: "قائلًا" هي الحال المحذوفة، وهي مشتقة من مادة: "القول"، وقد دل عليها الكلام الذي قيل؛ وهو: "السلام عليكم". ومثل: هل دار بينك وبين المسافر كلام؟ نعم، لما قابلني في الصباح حياني: "صباح الخير"، وحدثني عن رحلته المنتظرة: ثم أسرع إلى القطار بعد أن صافحني ومد يده: "الوداع"، أي: قائلًا صباح الخير؛ قائلًا: الوداع. ومن هذا قوله تعالى في أهل الجنة: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ} ، أي: قائلين: سلام عليكم، وقال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} ، أي: قائلين ربنا تقبل منا. ب– والأصل في عامل الحال –وغيرها– أن يكون مذكورًا؛ ليحقق غرضًا معينًا، وهو: إيجاد معنى جديد، أو تقوية معنى وجود، وقد يحذف جوازًا أو وجوبًا؛ لدواع تقتضى الحذف، أي: أن عامل الحال قد يذكر وجوبًا، وقد يحذف وجوبًا، وقد يجوز ذكره وحذفه. فيجب ذكره إن كان عاملًا معنويًا "وقد سبق شرحه"1 كأسماء الإشارة؛ وحروف التنبيه، والتمني؛ وكشبه الجملة … و … و … ويجوز حذفه إذا كان عاملًا غير معنوي، ودال عليه دليل مقالي2، أو حالي فمثال المقالي أن يقال: أتستطيع الصعود إلى قمة الجبل؟ فيجيب المسؤول: مسرعًا، أي: أصعد مسرعًا –أتعتني بخط رسائلك؟ فيجاب: واضحًا جميلًا أي: أعتني به واضحًا جميلًا. ومثال الحالي: أن ترى مسافرًا فتقول له: "سالمًا"، أي: سافر سالمًا وأن ترى من يشرب الدواء، فتقول: "شافيًا"، أي: تشرب الدواء شافيًا، وأن تقول لمن يبني بيتًا: "معمورًا"، أي: تبني البيت معمورًا، أو تسكن البيت معمورًا. ويجب حذفه في مواضع، أهمها: 1– أن تكون الحال سادة مسد الخبر1، نحو: إنشادي القصيدة محفوظة، فكلمة: "محفوظة" حال سدت مسد خبر المبتدأ المحذوف وجوبًا؛ والأصل: إنشادي القصيدة إذ كانت، أو: إذا كانت محفوظة. 2– أن تكون الحال مفردة مؤكدة مضمون جملة2 قبلها نحو: الجد أب راحمًا. 3– أن تكون الحال مفردة دالة بلفظها على زيادة تدريجية، أو نقص تدريجي نحو: تصدق على المحتاج بدرهم؛ فصاعدًا لا تتعرض للشمس عند شروقها إلا عشرين دقيقة؛ فنازلًا … فكلمة: "صاعدًا" حال، وعاملها وصاحبها محذوفان. والتقدير: فاذهب بالعدد صاعدًا. والجملة المحذوفة هنا إنشائية، معطوفة بالفاء على نظيرتها الفعلية الإنشائية3، وكلمة: "نازلًا" حال، وعاملها وصاحبها محذوفان: والجملة منهما إنشائية معطوفة بالفاء على نظيرتها، ولا بد من من اقتران هذه الحال المفردة "بالفاء" العاطفة، أو"ثم" العاطفة4. ومن الأمثلة التي تحوي الحالين: "صاعدًا ونازلًا": تدرب على الحفظ خمسة أسطر، فستة، فسبعة، فصاعدًا، لا تتناول في اليوم أكثر من ثلاث وجبات؛ فنازلًا … 4– أن تكون الحال مسبوقة باستفهام يراد به التوبيخ؛ نحو: أنائمًا وقد أشرقت الشمس؟ أعاطلًا والعمل يطلبك؟ أسفيهًا وهو كريم النشأة؟ أي أتوجد نائمًا؟ أتوجد عاطلًا؟ أيوجد سفيهًا؟ … 5– عوامل حذفت سماعًا، من ذلك قولهم لمن ظفر بشيء؛ هنيئًا لك ما أدركت، أي: ثبت هنيئًا1. والحذف في المواضع الأربعة الأولى قياسي2. جـ والأصل في صاحب الحال أن يكون مذكورًا في الكلام: لتتحقق الفائدة من ذكره، وقد يحذف جوازًا في مثل قوله تعالى: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً} ، أي: بعثه الله. ويجب حذفه في الصورة التي يحذف فيها عامله وجوبًا حين تؤكد الحال مضمون جملة قبلها، على الوجه الذي سبق3 شرحه، وكذلك يجب حذفه مع عامله حين تدل الحال على زيادة تدريجية، أو نقص تدريجي وهي الصورة الثالثة من الصور التي في الصفحة المتقدمة. د– والأصل في الرابط أن يكون مذكورًا؛ ليعقد الصلة المعنوية بين جملة الحال والجملة التي قبلها المشتملة على صاحب الحال، فيمنع التفكك، لكن يجوز حذف الرابط لفظًا، لا تقديرًا4، إذا كان ضميرًا مفهومًا من السياق، نحو: ارتفع سعر القمح، كيلة بخمسين قرشًا، أي؛ كيلة منه … وكذلك يصح حذفه إن كان الحال جملة خالية من الرابط لكن عطف عليها بالفاء"، أو: "الواو"، أو: "ثم" جملة تصلح أن تكون حالًا مع اشتمالها على الرابط؛ نحو: عرفت الوالي العادل تشكو الرعية، فيزيل أسباب الشكوى1 أقبل الفائز، يصفق الناس، ويشرق وجهه تداوى المريض يشير الأطباء، ثم يستجيب للمشورة. "ملاحظة": يتفق الحال والتمييز2 في أمور: ويختلفان في أخرى. وسيجيء البيان في: "هـ" ص 429 











مصادر و المراجع:

1-المفتاح في الصرف المؤلف: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي الأصل، الجرجاني الدار (ت ٤٧١هـ)

2- أبنية الأسماء والأفعال والمصادر المؤلف: ابن القَطَّاع الصقلي (المتوفى ٥١٥ هـ)

3-المقدمة الجزولية في النحو المؤلف: عيسى بن عبد العزيز بن يَلَلْبَخْت الجزولي البربري المراكشي، أبو موسى (ت ٦٠٧هـ)

4- الخلاصة في النحو، ألفية ابن مالك المؤلف: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك الأندلسي (ت ٦٧٢ هـ)

5-ارتشاف الضرب من لسان العرب المؤلف: أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (ت ٧٤٥ هـ)

6- النحو الوافي المؤلف: عباس حسن (ت ١٣٩٨هـ)

7-الجمل في النحو المؤلف: أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري (ت ١٧٠هـ)

8-الكتاب المؤلف: عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، أبو بشر، الملقب سيبويه (ت ١٨٠هـ) 9- المقتضب المؤلف: محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالى الأزدي، أبو العباس، المعروف بالمبرد (ت ٢٨٥هـ)

10-الأصول في النحو المؤلف: أبو بكر محمد بن السري بن سهل النحوي المعروف بابن السراج (ت ٣١٦هـ)

11-شرح كتاب سيبويه المؤلف: أبو سعيد السيرافي الحسن بن عبد الله بن المرزبان (ت ٣٦٨ هـ) 12-الإيضاح العضدي المؤلف: أبو علي الفارسيّ (٢٨٨ - ٣٧٧ هـ)

13-علل النحو المؤلف: محمد بن عبد الله بن العباس، أبو الحسن، ابن الوراق (ت ٣٨١هـ)

14-شرح أبيات سيبويه المؤلف: يوسف بن أبي سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان أبو محمد السيرافي (ت ٣٨٥هـ)

15-اللمع في العربية المؤلف: أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت ٣٩٢هـ)

16-الخصائص المؤلف: أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت ٣٩٢هـ)

17-المفصل في صنعة الإعراب المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (ت ٥٣٨هـ)

18- المرتجل (في شرح الجمل) المؤلف: أبو محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد ابن الخشاب (٤٩٢ - ٥٦٧ هـ)

19- نتائج الفكر في النَّحو للسُّهَيلي المؤلف: أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي (ت ٥٨١هـ)

20-البديع في علم العربية المؤلف: مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد

21- المقدمة الجزولية في النحو المؤلف: عيسى بن عبد العزيز بن يَلَلْبَخْت الجزولي البربري المراكشي، أبو موسى (ت ٦٠٧هـ)

22- شرح المفصل للزمخشري المؤلف: يعيش بن علي بن يعيش ابن أبي السرايا محمد بن علي، أبو البقاء، موفق الدين الأسدي الموصلي، المعروف بابن يعيش وبابن الصانع (ت ٦٤٣هـ)

23-الكناش في فني النحو والصرف المؤلف: أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد ابن عمر بن شاهنشاه بن أيوب، الملك المؤيد، صاحب حماة (ت ٧٣٢ هـ)

24-شرح ابن الناظم على ألفية ابن مالك المؤلف: بدر الدين محمد ابن الإمام جمال الدين محمد بن مالك (ت ٦٨٦ هـ)

25-الشافية في علم التصريف (ومعها الوافية نظم الشافية للنيساري - المتوفى في القرن ١٢)

 

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید