المنشورات

الرّبذة

بفتح أوّله وثانيه، وبالذال المعجمة، هى التى جعلها عمر رضى الله عنه حمى لإبل الصدقة، وكان حماه الذي أحماه بريدا فى بريد. ثم تزيّدت الولاة فى الحمى أضعافا، ثم أبيحت الأحماء فى أيّام المهدى، فلم يحمها أحد بعد ذلك.
وروى الزّهرى أنّ عمر حمى السّرف والرّبذة. ذكره البخارى. ويسرة حمى الرّبذة الخبرة، وهى من الرّبذة مهبّ الشمال، وهى فى بلاد غطفان. وإن أدنى المياه من الخبرة ماء لبنى ثعلبة بن سعد. وأوّل أجبل حمى الربذة فى غربيّها رحرحان، وهو جبل كثير القنان، وقنانه سود، بينها فرج، وأسفله سهلة، تنبت الطريفة، وهى لبنى ثعلبة بن سعد، وبه كانت الحرب بين الأحوص ابن جعفر ومعه أفناء عامر، وبين بنى دارم، وفيهم يومئذ الحارث بن ظالم؛ وكان الحارث لمّا قتل خالد بن جعفر ببطن عاقل، خرج حتّى نزل بينى دارم، على معبد بن زرارة بن عدس، فالتحفوا عليه، وضمّوه، وأبوا أن يسلموه، فغزاهم الأحوص طالبا بدم أخيه، فهزم بنى دارم هناك، وأسر معبد بن زرارة؛ وفى ذلك يقول جرير:
وليلة وادى رحرحان زففتم «2» ... فرارا (ولم تلووا) زفيف النّعائم
تركتم أبا القعقاع فى القدّ موثقا ... وأىّ أخ لم تسلموا للأداهم
وقال أيضا: أتنسون يومى رحرحان فقد بدا ... فوارس قيس لا بسين السّنوّرا
تركتم بوادى رحرحان نساءكم ... ويوم الصّفا لاقيتم الشّعب أو عرا «1»
وأقرب المياه من رحرحان الكديد، وفيه حفار عاديّة عذبة؛ وبه قتل ربيعة بن مكدّم، وهى لبنى ناشرة من بنى ثعلبة، ولهم هناك ماء آخر، يقال له أعوج، فيه قلب وبئر كبيرة. وبين رحرحان وبين الرّبذة بريدان. ويلى رحرحان من غربيّه جبل يقال له الجواء، وهو على طريق الرّبذة إلى المدينة، بينه وبين الرّبذة أحد وعشرون ميلا، وليس بالجواء ماء. وأقرب المياه إليه ماء للسلطان يقال له العزّافة، بأبرق العزّاف، بينه «2» وبين الجواء ثلاثة أميال. ثم يلى الجواء أجبل يقال لها القهب، وهى بجلّد سهل حرّ، ينبت الطّريفة، وهى من خيار مواضع أحماء الرّبذة، وهى عن يسار المصعد إلى المدينة، وعن يمين المصعد من العراق إلى مكّة. وبين القهب والربذة نحو من بريد، وهى فى ناحية دار بنى ثعلبة وبنى أنمار. وأقرب المياه منها ماء يدعى الجفر:
جفر القهب. وقد ذكره وزير «3» بن الجعد، أخو صخر بن الجعد الخضرىّ، فقال:
نظرت غديّة والشمس طفل ... بعينى مضرحىّ يستحيل «4»
إلى جفر بنعف القهب تحتى ... وقد خنس الغريّب والبتيل
ثم الجبال التى تلى القهب عن يمين المصعد إلى مكّة: جبل أسود يدعى أسود البرم، بينه وبين الربذة عشرون ميلا، وهو فى أرض سليم. وأقرب المياه من أسود البرم حفائر حفرها المهدىّ، على ميلين منه، تدعى ذا بقر، وقد ذكرها مؤرّج السّلمى؛ فقال:
قدر أحلّك ذا النّخيل وقد أرى ... وأبيك مالك ذو النّخيل بدار
إلّا كداركم بذى بقر الحمى ... هيهات ذو بقر من الزّوّار
ثم يلى أسود البرم جبلان، يقال لأحدهما أروم، وللآخر أرام، وهما فى قبلة الربذة، بأرض بنى سليم، والحفائر بناحيتها، قال أبو دواد الإيادىّ:
أقفرت من سروب قومى تعار ... فأروم فشابة فالسّتار
وأقرب المياه تدعى ذبذب، وهى داخلة فى الحمى، بينها وبين الربذة اثنا عشر ميلا. ثم يليها جبال يقال لها اليعملة، وبها مياه كثيرة، لواد يقال له وادى اليعملة، وهى فى أرض بنى سليم، وناحية أرض محارب، ومياهها مشتركة بين الحيّين. وبين الرّبذة واليعملة ثلاثة عشر ميلا، وجفر الهباءة بناحية أرض بنى سليم، فى ظهور اليعملة؛ قال عامر الخصفىّ:
أحيا أباه هاشم بن حرمله ... بين الهباءات وبين اليعمله
ترى الملوك حوله مغربله ... يقتل ذا الذّنب ومن لا ذنب له
ثم الجبال التى تلى اليعملة: هضاب حمر عن يسار المصعد، تدعى قوانى، واحدتها قانية، وهى فى أرض حرّة لبنى سليم، بينهما وبين الربذة اثنا عشر ميلا، وأقرب المياه إليها الخضرمة. ثم يلى قوانى عمود أحمر يدعى عمود المحدث، أرض محارب، للخضر منهم، وأقرب المياه منهم حفيرة بنى نصر، موالى عبد الله بن عامر؛ وبين المحدث وبين الربذة اثنا عشر ميلا.
ثم الجبال التى تلى المحدث: عن يسار المصعد، عمود الأقعس، من أرض محارب أيضا، وبه مياه تدعى الأقعسيّة، فى أصل الأقعس، وهى لمحارب، وبين الأقعس والربذة بريدان. ثم يلى الأقعس هضب البلس، فى أرض محارب أيضا، وهو مجمع للسّعاة «1» ، بينه وبين الربذة بريدان أيضا، ثم يليه قنان سود ببلد سهل فى أرض بنى ثعلبة، تدعى الحمازة «2» ، وبها لهم جفار جاهليّة، بينها وبين الربذة ثمانية عشر ميلا. ثم يليها قنان أخر تدعى الهادنية «3» ، وهى لبنى ثعلبة، وبها ماءة لبنى ناشب، ثم تليها هضاب حمر تدعى هضب المنحر، فى أرض بنى ثعلبة أيضا، عن يسار الطريق، ببلد سهل، قال الحكم الخضرىّ:
يا صاحبىّ ألم تشيما بارقا ... تضح الصّراد به فهضب المنحر
«4» ركب النّجاد «5» وظلّ ينهض مصعدا ... نهض المعبّد فى الدّهاس الموقر
ثم يليه رحرحان، والخبرة بينهما.
وبالرّبذة مات أبو ذرّ وحده لمّا نفى من المدينة، ليس معه إلّا امرأته وغلام له، كما أنذره به رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك. وإن أبا ذرّ لمّا أبطأ عليه بعيره أخذ متاعه «6» على ظهره، ثم سار يتّبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر ناظر من المسلمين، فقال: يا رسول الله، هذا رجل يمشى على الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا ذرّ؛ فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول الله، هو والله أبو ذرّ. فقال: يرحم لله أبا ذرّ: يمشى وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده.
 

مصادر و المراجع :

١- معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع

المؤلف: أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي (المتوفى: 487هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید