المنشورات

رضوى

جبل ضخم من جبال تهامة.
قال السّكونى: أملى علىّ أبو الأشعث عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله «4» الكندىّ، قال: أملى عليّ عرّام بن أصبغ السّلمىّ أسماء جبال تهامة وسكّانها، وما فيها من القرى والمياه، وما تنبت من الأشجار.
فأوّلها: رضوى، وهى من ينبع على يوم، ومن المدينة على سبع مراحل، ميامنة طريق المدينة، ومياسرة طريق البرّ لمن كان مصعدا إلى مكة، وعلى ليلتين من البحر، قال بشر:
لو يوزنون كيالا أو معايرة ... مالوا برضوى ولم يفضلهم أحد
القائمون إذا ما الجهل قيم «5» به ... والثاقبون إذا ما معشر خمدوا وبحذاء «1» رضوى عزور، بينهما قدر شوط الفرس، وهما جبلان شاهقان منيعان، لا يرومهما أحد، وبينهما طريق المعرقة «2» ، تختصره العرب «3» إلى إلى الشام وإلى مكّة. وهذان الجبلان ينبتان الشّوحط والنّبع والقرظ والرّنف؛ وفيهما جميعا مياه وأوشال لا تجاوز الشّقّة، تخرج من شواهقه، لا يعلم متفجّرها. ومن حديث عامر بن سعد عن أبيه: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم خرج من مكّة ومعه أصحابه، حتّى إذا هبط من عزور، تياسرت به القصواء.
ويسكن هذين الجبلين نهد وجهينة، فى الوبر خاصّة دون المدر، ولهم هناك يسار ظاهر، ويصبّ الجبلان فى وادى غيقة؛ وغيقة تصبّ فى البحر، ولها مسك تمسك الماء، واحدها مساك.
وينبع: عن يمين رضوى لمن كان منحدرا من المدينة إلى البحر، وهى قرية كبيرة، وبها عيون عذاب غزيرة. زعم محمّد بن عبد المجيد «4» ابن الصّبّاح أنّ بها مئة عين إلّا عينا. ووادى ينبع يليل، يصبّ فى غيقة، قال جرير:
نظرت إليك بمثل عينى مغزل ... قطعت حبائلها بأعلى يليل
ويسكن «5» ينبع «6» الأنصار وجهينة وليث. ومن حديث محمّد بن عمر بن علىّ ابن أبى طالب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى فى مسجد ينبع. ومن حديث واقد بن عبد الله الجهنىّ، عن عمه، عن جدّه كشد «7» بن مالك، قال: نزل طلحة ابن عبيد الله وسعيد بن زيد «8» علىّ بالتّجبار، وهو موضع بين حورة السّفلى وبين منخوس، على طريق التّجار إلى الشام، حين بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم يترقّبان عير قريش، وفيها «1» أبو سفيان، فنزلا على كشد «2» ، فأجارهما.
فلمّا أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبع أقطعها الكشد، فقال: يا رسول الله، إنّى كبير، ولكن أقطعها ابن أخى؛ فأقطعه إياها، فابتاعها منه عبد الرحمن ابن أسعد بن زرارة بثلاثين ألفا، فخرج عبد الرحمن إليها، فاستوبأها ورمد بها، وكرّ راجعا؛ فلقيه علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه، فقال له: من أين جئت؟ قال:
من ينبع، قد شنفتها، فهل لك أن تبتاعها؟ قال علىّ: قد أخذتها بالثلاثين «3» .
قال: هى لك. فخرج إليها، فكان أوّل شىء عمله فيها البغيبعة.
قال محمد بن يزيد «4» : ثنا أبو محلّم محمّد بن هشام، فى إسناد ذكره، آخره أبو نيزر. وكان أبو نيزر من بعض أولاد ملوك الأعاجم. قال: وصحّ عندى بعد أنّه من ولد النّجاشى، فرغب فى الإسلام صغيرا، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، [فأسلم «5» ] ، وكان معه فى بيوته. فلمّا توفّى صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم، صار مع فاطمة وولدها: قال أبو نيزر: جاءنى علىّ وأنا أقوم بالضّيعتين: عين أبى نيزر والبغيبغة، فقال: هل عندك من طعام؟ قلت:
طعام لا أرضاه لأمير المؤمنين، قرع من قرع الضيعة، [صنعته «6» ] بإهالة سنخة. فقال: علىّ به. فقام إلى الرّبيع «7» ، فغسل يديه، ثم أصاب من ذلك شيئا، ثم رجع إلى الرّبيع، فغسل يديه بالرمل حتّى أنقاهما، ثم ضمّ، يديه كلّ واحدة منهما «1» إلى أختها، وشرب [بهما «2» ] حسا من الرّبيع، ثم قال:
يا أبا نيزر، إنّ الأكفّ أنظف الآنية، ثم مسح كفيه «3» على بطنه، وقال:
من أدخله بطنه النار فأبعده الله. ثم أخذ المعول، وانحدر فى العين، وجعل يضرب، وأبطأ عليه الماء، فخرج وقد تفضّج «4» جبينه عرقا، فانتكف العرق «5» عن جبينه، ثم أخذ المعول، وعاد إلى العين، فأقبل يضرب فيها، وجعل يهمهم، فانثالت كأنّها عنق جزور، فخرج مسرعا، وقال «6» : أشهد الله أنّها صدقة: علىّ بدواة وصحيفة. قال: فعجلت بهما إليه، فكتب:
بسم الله الرّحمن الرّحيم هذا ما تصدّق به عبد الله علىّ أمير المؤمنين. تصدّق بالضّيعتين المعروفتين بعين أبى نيزر والبغيبغة، على فقراء المدينة وابن السبيل، ليقى الله بهما وجهه حرّ النار يوم القيامة؛ لا تباعا ولا تورثا «7» حتّى يرثهما الله، وهو خير الوارثين؛ إلّا أن يحتاج إليهما الحسن أو «8» الحسين، فهما طلق لهما، وليس «9» لأحد غيرهما. قال [محمد] «1» بن هشام:
فركب الحسين دين، فحمل إليه معاوية بعين أبى نيزر مائتى ألف «2» ، فأبى أن يبيعها «3» ، وقال: إنّما تصدّق بها أبى، ليقى الله بها وجهه حرّ النار «4» .
وذكر الزّبيريّون فى حديث طويل: أن الحسين نحل البغيبغة أمّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفر، حين رغّبها «5» فى نكاح ابن عمّها القاسم ابن محمد بن جعفر، وقد خطبها معاوية على ابنه يزيد؛ فلم تزل هذه الضيعة بأيدى بنى جعفر، حتّى صار الأمر إلى المأمون، فعوّضهم منها، وردّها إلى ما كانت عليه، وقال: هذه وقف علىّ بن أبى طالب.
وقال السّكونىّ، بإسناده عن موسى بن إسحاق بن عمارة، قال: مررنا بالبغيبغة مع محمّد بن عبد الله بن حسن، وهى عامرة، فقال: أتعجبون لها، والله لتموتنّ حتّى لا يبقى فيها خضراء، ثم لتعيشنّ، ثم لتموتنّ.
وقال السّكونى فى ذكر مياه ضمرة: كانت البغيبغة وغيقة وأذناب الصفراء مياها لبنى غفار، من بنى ضمرة.
قال السّكونى: كان العبّاس بن الحسن يكثر صفة ينبع للرشيد، فقال له يوما: قرّب لى صفتها، فقال:
يا وادى القصر نعم القصر والوادى ... من منزل حاضر إن شئت أو بادى
تلفى قراقيره بالعقر واقفة ... والضّبّ والنون والملّاح والحادى «6»

 

مصادر و المراجع :

١- معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع

المؤلف: أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي (المتوفى: 487هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید