المنشورات

رجعنا إلى الجبال

ثم الجبال التى تلى نضاد من جانبه الأيسر. وهى أبارق ثلاثة، بأسفل الوضح، يقال لأحدها النّسر الأسود، وللآخر النّسر الأبيض، وللثالث النّسير، وهو أصغرها. وهذه الأجبل هى النّسار والأنسر، وهى فى حقوق غنىّ وقد ذكرتها الشعراء. قال نصيب: 

ألا يا عقاب الوكر وكر ضريّة ... سقتك السواقى «1» من عقاب ومن وكر
رأيتك فى طير تدقّين فوقها ... بمنقعة بين العرائس والنّسر
وقال دريد:
وأنبئتهمّ أن الأحالف أصبحت ... مخيّمة بين النّسار «2» وثهمد
وفى ناحية نضاد دار غنىّ التى فيها النّقب، وفيها حقوق بنى جأوة بن معن الباهلىّ، وحقوق غنىّ، فاختلطوا هناك، وهناك مياه عدّة لبنى جأوة فى غربى ثهلان، ماء يسمّى الرّحيضة، وماء يسمّى الأجفر، وماء يسمّى العوسجة، وماء يدعى العريض «3» ولهم ماءان خارجان عن ثهلان، بواد يقال له، الرّشاد، يقال لأحدهما العويند، وللآخر الشّبيكة، وهما ملحان. والرّشد: واد رغيب يصبّ فى التسرير. ويلى جأوة بشرقىّ ثهلان ثلاثة أمواه: المصعد ومخمّر والقتادة، وفى غربيّة النّبخاء، وفى طرفه الجدر، وبلى هذه الايسر ثهمد، وهو جبل أحمر، وحوله أبارق كثيرة، وهو وبأرض سهلة فى خطّ غنىّ. قال قال ابن لجإ فى ثهمد:
سقى ثهمدا من يرسل الغيب وابلا ... فيروى وأعلاما يقابلن ثهمدا
ما نزلت من برقة فوق «4» ثهمد ... سعاد وطود «5» يترك الطرف أقودا
وأقرب مياه غنىّ من ثهمد مياه لضبّة يقال لها المطالى، وهى مياه صدق، خارجة عن الحمى. ثم بلى ثهمدا سويقة. وهى هضبة حمراء فاردة طويلة،

رأسها محدّد، وهى فى الحمى، وفيها تقول بنت الأسود الضّبابيّة:
ألهفى على يوم كيوم سويقة ... شفى غلّ أكباد فساغ شرابها
وسويقة فى أرض الضّباب، وكانت للضبّاب وقعة بسويقة، ولها حديث يطول ذكره. وللضّباب أمرات «1» متعالية، قريب «2» من الطائف، ولهم واد يقال كراء، وهو واد رغيب فى علياء دار بنى هلال، يفلق الحرّة، دونه منها أربعة أميال، ووراءه مثلها، وهو كثير النخل جدّا، ليس بينه وبين الطائف إلّا ليلتان، يطؤه حاجّ اليمن، وبينه وبين تبالة ثلاث مراحل، وبينه وبين مكّة خمس مراحل، وهو لبنى زهير من الضّباب، وكانت بنو هلال بن عامر يهتضمون أهله، ويسيئون جوارهم، حتّى جمعت لهم الضّباب بالحمى، فغزوهم، وكان لهم حديث.
وللضّباب ماء آخر يقال له العرّى «3» بناحية بيشة، قريب من تبالة، به نخل ومزارع.
ثم الجبال التى تلى سويقة شرقىّ حليّت وهو جبل عظيم ليس بالحمى أعظم منه إلا شعبى. وحلّيت: جبل أسود فى أرض الضباب، بعيد ما بين الطرفين، كثير معادن التّبر، وكان به معدن يدعى النّجّادىّ، كان لرجل من ولد سعد ابن أبى وقّاص يقال له نجّاد بن موسى، به سمّى، ولم يعلم فى الأرض معدن أكثر منه نيلا، لقد أثاروه والذهب غال بالآفاق كلّها، فأرخصوا الذهب بالعراق وبالحجاز. ثم إنّه تغيّر وقلّ نيله، وقد عمله بنو نجّاد دهرا، قوم بعد قوم. وقد ذكر امرؤ القيس حلّيت فقال:

ألا يا ديار الحىّ بالبكرات ... فعارمة فبرقة العيرات
فغول فحلّيت فنفء فمنعج ... إلى عاقل فالجبّ ذى الأمرات
هكذا الرواية. والبكرات: موضع قد مضى ذكره. وقال ابن حبيب:
البكرات: قارات سود برحرحان. وأمّا عارمة «1» فإنّها ردهة فى وسط الحمى، فى حق بنى جعفر بن كلاب بين هضبات. وأمّا برقة العيرات، فإنها برقة من قبل ضلع ضريّة، ليس بينها وبين ضريّة إلّا أقلّ من نصف ميل، وهى برقة حسنة واسعة جدّا، وهى بين البساتين. وكان جعفر ومحمّد ابنا سليمان إذا باتا برقة العيرات. وأمّا غول فإنّه جبل داخل فى الحمى فى غربىّ حليّت، فيه برقة العيرات. وأمّا غول فإنّه جبل داخل فى الحمى فى غربىّ حليّت، وله هضبات خمس يدعين هضبات غول؛ وفى غول ابن غلفاء.
لقد قالت «2» سلامة يوم غول ... تقطّع يا بن غلفاء الحبال
فأما «3» نفء فقد تقدّم ذكره. وأمّا منعج فإنه واد خارج عن الحمى، فى ناحية دار غنىّ، بين أضاخ وأمرة. وبناحية منعج خزاز وهو لبنى رباح الغنوييّن، وهو الذي ذكر عمرو بن كلثوم، وقد تقدّم ذلك «4» . وأمّا الأمرات فإن الأصمعىّ قال: أرانيها أعرابىّ: فإذا هى قارات رءوسها شاخصة. وأصل الأمرة العلم الصغير. ورواه السّكونى:
إلى أبرق الداءات ذى الأمرات والداءات: واد جلوا «5» ، يين أعلاه وبين ضريّة ثمانية أميال على طريق ضرية إلى الكوفة وأسفله ينتهى إلى الرّمّة، قريبا من أبان الأسود، وبين أسفله وأعلاه يومان، أعلاه فى الحمى، وأسفله خارج منه. والأمرات: الأعلام ينصبونها.
ثم يلى حليّت منى، وهو جبل أحمر عظيم، ليس بالحمى جبل أطول منه، وهو يشرف على ما حوله من الجبال، وفى أصله ماءة لبنى زبّان، فى أرض «1» غنىّ، وقد ذكره لبيد فقال:
عفت الديار محلّها فمقامها ... بمنى تأبّد غولها فرجامها
ومنى عن يسار طريق أهل البصرة إلى مكّة للمصعد، ينظر إليه الحاجّ حين يصدرون إلى أمرة، وقبل أن يردوها. وقد وصفنا غولا وأمرة. وأمّا الرّجام فإنّه جبل آخر مستطيل فى الأرض، بناحية طخفة، ليس بينه وبينها إلّا طريق يدعى العرج، وهو طريق أهل أضاخ إلى ضريّة. وبين الرّجام وضرية ثلاثة عشر ميلا أو نحوها، وفى أصل الرّجام ماء عذب لبنى جعفر، وهو الذي يقول فيه الشاعر:
إذا شربت ماء الرجام وبرّكت ... بهوبجة الريّان قرّت عيونها
وهوبجة الريّان: أجارع مهلة تنبت الرّمث. والرّيّان: واد أعلى سيله يأتى من ناحية سويقة وحليّت، ثم يمضى حتّى يقطع طريق الحاجّ، وينحدر حتّى يفرّغ فى الداءات. وبشرقىّ الرجام ماء يقال له إنسان، وهو لكعب بن سعد العنوىّ وأهل بيته، وهو بين الرملة والجبل، والرملة تدعى رملة إنسان، وهى التى عنى كعب بن سعد بقوله فى مرثية أخيه:
وخبّرتمانى أنّما الموت بالقرى ... فكيف وهاتا رملة وكثيب
ثم يلى منى الهضب، هضب الأشقّ، الذي ذكرت فى أول الأجبل، [إلى الستار الذي منه ايتدأت مواضع الأجبل] «2» . فهذه صفة حمى ضرية وأجبله.
وقال عبد الله بن شبيب: اعترضتنى جارية بضريّة، فقلت لها: أين نشأت؟ قالت: بشعبعب. قلت: بين الحوض والعطن؟ قالت: نعم. قلت:
فمن الذي يقول:
يا صاحبى فدت نفسى نفوسكما ... عوجا علىّ صدور الأبغل الشّثن «1»
ثمّ ارفع «2» الطّرف ننظر هل ترى ظعنا ... بحائل يا عناء النّفس من ظعن
يا ليت شعرى والإنسان ذو أمل ... والعين تذرف أحيانا من الحزن
هل أجعلنّ يدى للخدّ مرفقة ... على شعبعب بين الحوض والعطن
أم هل أقولن لفتيان على قلص ... وهم بتبراك: قضّوا نومة الوسن
قالت: ذلك يحيى بن «3» طالب.
 

مصادر و المراجع :

١- معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع

المؤلف: أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي (المتوفى: 487هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید