المنشورات

عكاظ

 بضمّ أوّله، وفتح ثانيه، وبالظاء المعجمة: صحراء مستوية، لا علم بها «4» ولا جبل، إلّا ما كان من الأنصاب التى كانت بها فى الجاهليّة، وبها من دماء البدن كالأرحال «5»
العظام. وكانت عكاظ ومجنّة وذو المجاز أسواقا لمكّة فى الجاهليّة. وعكاظ: على دعوة من ماءة يقال لها نقعاء، بئر لا تنكف «6» ، قد تقدّم ذكرها، وهى مذكورة أيضا فى رسم الستار؛ قال محمد ابن حبيب: عكاط بأعلى نجد قريب من عرفات قال غيره: عكاظ وراء قرن المنازل، بمرحلة من طريق صعناء، وهى من عمل الطائف، وعلى بريد منها، وأرضها لبنى نصر، واتخذت سوقا بعد الفيل بخمس عشر سنة، وتركت عام خرجت الحروريّة بمكّة مع المختار بن عوف سنة تسع وعشرين ومئة إلى هلمّ جرّا.
قال أبو عبيدة: عكاظ: فيما بين نخلة والطّائف، إلى موضع يقال له العتق، وبه أموال ونخل لثقيف، بينه وبين الطائف عشرة أميال، فكان سوق عكاظ يقوم صبح هلال ذى القعدة عشرين يوما، وسوق مجنّة يقوم عشرة أيّام بعده، وسوق ذى المجاز يقوم هلال ذى الحجّة.
وروى يزيد بن هارون، عن حريز بن عثمان، عن سليم بن عامر، عن عمرو ابن عبسة، قال: أتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعكاظ، فقلت من تبعك على هذا الأمر؟ قال: حرّ وعبد. وروى أبو الزّبير عن جابر، أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم مكث سبع سنين يتبع الحاجّ فى منازلهم فى المواسم بعكاظ ومجنّة، يعرض عليهم الإسلام. وبعكاظ رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسّ ابن ساعدة، وحفظ كلامه. وروى البخاريّ عن ابن جريج وابن عيينة قالا:
كانت هذه الأسواق متجرا للناس فى الجاهليّة، فلمّا جاء الإسلام كرهوها، وتأثّموها أن يتّجروا فى المواسم، فنزلت: «ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربّكم فى مواسم الحجّ ورضوانا» هكذا قرأها ابن عبّاس.
ويتّصل بعكاظ بلد تسمّى ركبة، بها عين تسمّى عين خليض للعمر بيّن، وخليص: رجل نسبت إليه. وكان قدامة بن عمّار الكلابى الذي يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكن ركبة، وهو الذي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته يرمى الجمرة لا ضرب ولا طرد إليك إليك.
وكان ينزلها أيضا من الصحابة لقيط بن صبرة العقيلى، وهو وافد بنى المنتفق؛ ومالك بن نضلة الجشمىّ، وأبو عوف أبو الأحوص كان ينزلها أيضا، وهو الذي روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اليد العليا خير من اليد السّفلى» .
وقال ابن واقد: هو مالك بن عوف. والصواب: ابن نضلة.
وعكاظ مشتقّ من قولك «1» : عكظت الرجل عكظا إذا قهرته بحجّتك، لأنّهم كانوا يتعاكظون هناك بالفخر، وكانت بعكاظ وقائع مرّة مرّة، وفى ذلك يقول دريد بن الصّمّة.
تغيّبت عن بومى عكاظ كليهما ... وإن يك يوم ثالث أتغيّب 

وإن يك يوم رابع لم أكن به ... وإن يك يوم خامس أتجنّب
وذكر أبو عبيدة أنه كان بعكاظ أربعة أيّام: يوم شمظة، ويوم العبلاء، ويوم شرب «1» ويوم الحريرة؛ وهى كلّها من عكاظ، فشمظة من عكاظ: هو الموضع الذي نزلت فيه قريش وحلفاؤها من بنى كنانة بعد يوم نخلة، وهو أوّل يوم اقتتلوا به من أيّام الفجار بحول «2» ، على ما تواعدت عليه من هوازن وحلفائها من ثقيف وغيرهم، فكان يوم شمظة لهوازن على كنانة وقريش، ولم يقتل من قريش أحد يذكر، واعتزلت بكر بن عبد مناة بن كنانة إلى جبل يقال له دخم، فلم يقتل منهم أحد. وقال خداش بن زهير:
فأبلغ إن مررت به هشاما ... وعبد الله أبلغ والوليدا
بأنّا يوم شمظة قد أقمنا ... عمود الدين إنّ له عمودا
ثم التقى الأحياء المذكورون على رأس الحول من يوم شمظة بالعبلاء، إلى جنب عكاظ، فكان لهوازن أيضا على قريش وكنانة. قال خداش بن زهير:
ألم يبلغكم أنّا جدعنا ... لدى العبلاء خندف بالقياد
ضربناهم يبطن عكاظ حتّى ... تولّوا ظالعين من النّجاد
فهو يوم العبلاء. ثم التقوا على رأس الحول وهو اليوم الرابع من يوم نخلة بشرب، وشرب من عكاظ، ولم يكن بينهم يوم أعظم منه، فحافظت قريش وكنانة، وقد كان تقدّم لهوازن عليهم يومان، وقيّد سفيان وحرب ابنا أميّة وأبو سفيان بن حرب أنفسهم، وقالوا لا يبرح منّا رجل مكانه حتّى يموت أو يظهر، فسمّوا العنابسة، وجعل بلعاء بن قيس يقاتل ويرتجز:

إنّ عكاظا ماؤنا فخلّوه ... وذا المجاز بعد لن تحلّوه
فانهزمت هوازن وقيس كلّها إلّا بنى نصر، فإنّها صبرت مع ثقيف؛ وذلك أنّ عكاظا لهم فيه نخل وأموال، فلم يغنوا شيئا، ثم انهزموا، وقتلت هوازن يومئذ قتلا ذريعا، قال أميّه بن الأشكر «1» الكنانىّ:
ألا سائل هوازن يوم لاقوا ... فوارس من كنانة معلمينا
لدى شرب وقد جاشوا وجشنا ... فأوعب فى النفير بنوا أبينا
ثم التقوا على رأس الحول بالحريرة، وهى حرّة إلى جنب عكاظ، ممّا يلى مهبّ جنوبها، فكان لهوازن على قريش وكنانة، وهو يوم الحريرة.
 

مصادر و المراجع :

١- معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع

المؤلف: أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي (المتوفى: 487هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید