المنشورات

جملة من القول فيما يؤنّث من البلاد ويذكّر

الغالب على أسماء البلاد التأنيث. والمؤنّث منها على أحد أمرين: إمّا أن تكون فيه علامة فاصلة بينه وبين المذكّر، كقولك مكّة والجزيرة؛ وإمّا أن يكون اسم المدينة مستغنيا بقيام معنى التأنيث فيه عن العلامة، كقولك: حمص وفيد وحلب ودمشق.
وكلّ اسم فيه ألف ونون زائدتان «1» ، فهو مذكّر، بمنزلة الشام والعراق نحو جرجان، وحلوان، وجوران، وأصبهان، وهمذان، أنشد الفرّاء:
فلمّا بدا حوران والآل دونه ... نظرت فلم تنظر بعينيك منظرا
وأنشد أيضا عن الكسائىّ:
سقيا لحلوان ذى الكروم وما ... صنّف من تينه ومن عنبه
هكذا رواه صنّف بضمّ الصاد ورواه يعقوب: صنّف، بفتحها، وقال: يقال صنّف التّمر: إذا أدرك بعضه ولم يدرك بعض. فإن رأيت شيئا من ذلك مؤنّثا، فإنّما يذهب فيه إلى معنى المدينة.
والأغلب على «فيد» التأنيث، وكذلك بعلبكّ؛ وقد تقدّم ذكر ذلك فى رسومهما. وقال أبو هفّان: هى منى، وهو منى. وأنشد للعرجىّ:
سقى منى ثم روّاه وساكنه ... وما ثوى فيه واهى الودق منبعق
وقال الفرّاء: الغالب على منى التذكير والإجراء، والغالب على فارس التأنيث وترك الإجراء، قال الشاعر:

لقد علمت أبناء فارس أنّنى ... على عربيّات النّساء غيور
وهجر: الغالب عليه التذكير، وربّما أنّثوها. وقد أنشدنا شعر الفرزدق فى تأنيثها، وسجع العرب. قال الفرّاء: إنّما أجرت العرب هندا ودعدا وجملا وهنّ مؤنّثات، ولم يجروا حمص وفيد وتوز، وهن مؤنّثات على ثلاثة أحرف، لأنّهم يرددون اسم المرأة على غيرها، ولا يردّدون اسم المدينة على غيرها. فلما لم تردّد، ولم تكثر فى الكلام، لزمها الثقل، وترك الإجراء.
وقال أبو حاتم: حجر اليمامة: يذكّر ويؤنّث. قال: وفلج: مذكر على كلّ حال. وعمان: الغالب عليها التأنيث. وقباء وأضاخ: يذكّران ويؤنّثان.
وبدر: مذكّر. قال الله عزّ وجلّ: «ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلّة» .
وحنين: مذكّر لأنهما اسمان للماء. قال الله تعالى: «ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم» . وربّما أنّثته العرب، لأنّه اسم للمقعه. قال حسّان:
نصروا نبيّهم وشدّوا أزره ... بحنين يوم تواكل الأبطال
والحجاز واليمن والشّأم والعراق: ذكران. ومصر: مؤنّثة. قال الله تعالى:
«أليس لى ملك مصر» . وقال تعالى: «ادخلوا مصر» . وقال عامر بن واثلة الكنانىّ لمعاوية: أمّا عمرو [بن العاص] فأنطفته «1» مصر. وأمّا قول الله عزّ وجلّ: «اهبطوا مصرا» . فإنه أراد مصرا من الأمصار. وقرأ سليمان الأعمش:
«اهبطوا مصر» ، وقال: هى مصر التى عليها سليمان بن علىّ، فلم يجرها.
ودابق: يذكّر ويؤنّث. من ذكّر قال: هو اسم للنهر، ومن أنّث قال: هو اسم للمدينة. قال الشاعر فى الإجراء:

بدابق وأين منّى دابق وأنشد الفرّاء فى ترك الإجراء:
لقد ضاع قوم قلّدوك أمورهم ... بدابق إذ قيل العدوّ قريب
ونجد: مذكّر. قال الشاعر:
فإن تدعى نجدا أدعه ومن به ... وإن تسكنى نجدا فيا حبّذا؟ جد
وبغداد: تذكّر وتؤنّث. وقد مضى القول فى ذلك، وذكرناكم [من] لغة فيها. وصفّون وقنّسرون وماردون والسّيلحون: مؤنّثات. وكذلك نصيبون وفلسطون. وقد مضى القول فى إعرابها. وحراء: الغالب عليه التذكير والإجراء. وربّما أنثوه، وقد مضى الشاهد على ذلك. وأجاز الفرّاء أن تقول:
هذه حراء، بالإجراء. تقول هذه، ثم تذهب إلى الجبل، كما تقول هذه ألف درهم. والكلام: هذا ألف درهم. وثبير: مذكّر. وكانوا يقولون:
أشرق ثبير، كيما نغير وكبكب: معرفة مؤنّث لا تجرى. وهو اسم للجبل وما حوله، وقد تقدّم إنشاد بيت الأعشى فيه. وشمام، مكسورة الميم: معرفة مؤنّثة. وهى اسم للجبل وما حوله، بمنزلة حذام وقطام. وسرّ من رأى: مؤنّثة، وفى تعريبها وجوه قد تقدّم ذكرها. وسلمى مؤنّثة: أحد جبلى طيّى، وكذلك أجأ، وهو الجبل الثانى. وقد ذكرناكم من لغة فيه. وقدس: مؤنّثة، غير مجراة، اسم للجبل وما حوله. ولبن: مؤنّثة، اسم للجبل وما حوله لا تجرى. قال الراعى:
سيكفيك الإله ومسنمات ... كجندل لبن تطّرد الصّلالا

 

مصادر و المراجع :

١- معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع

المؤلف: أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي (المتوفى: 487هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید