المنشورات

عَمَل "أفعل" التفضيل

"أفعَل" التفضيل أحد المشتقات التي يصح أن يتعلق بها شبه الجملة، والتي يصح أن تعمل؛ فيكون معمولها مرفوعًا، أو منصوبًا، أو مجرورًا. فمثال تعلق شبه الجملة به ما قاله أحد الوصافين في الإمام عليّ: "سمعته قُبَيْل المعركة يخطب في جنوده، فكان أفصح في القول لسانًا، وأعلى في الكلام بيانًا، ورأيته يخوض الوغَى؛ فكان أجرأ عند الإقدام قلبًا، وأقوَى لدى شِدّاتها عزمًا" … ؛ فالجار والمجرور: "في القول"، متعلقان بأفصح. والجار والمجرور: "في الكلام"، متعلقان بأعلى. والظرف: "عند" متعلق: "بأجرأ". والظرف: "لدى" متعلق: "بأقوى". أما عمله الرفعَ أو النصبَ أو الجرّ، ففيه البيان التالي: أولا: علمه الرفع 1- يرفع الضمير المستتر باتفاق، نحو: العظيم أنبل نفسًا، وأشرف قصدًا، وأكثر تعلقًا بجلائل الأمور، ففي كل من "أنبل" و "أشرف"، و "أكثر" ضمير مستتر وجوبًا تقديره: "هو"، ويعود على: العظيم. 2- ويرفع الضمير البارز أحيانًا –وهذا قياسي- نحو: مررت بزميل أفضلَ منه أنت، بجر كلمة: "أفضل"1، على اعتبارها نعتًا لزميل، و "منة": جار ومجرور متعلق بأفضل. و "أنت": فاعل1 أفعل التفضيل. 3- وقد يرفع الاسم الظاهر –قياسا– إذا صح أن يحل محل "أفعل" التفضيل فعْلٌ بمعناه من غير فساد في المعنى أو في تركيب الأسلوب. فإن لم يصح كان رفعه الظاهر نادرًا لا يحسن القياس عليه وقد وضعوا للحالة الأولى ضابطًا مُطَّردا، وهو: أن يكون "أفْعل التفضيل" –في الأغلب– نعتًا والمنعوت اسم جنس، قبله نفي أو شبهه1. وأن يكون الاسم الظاهر المرفوع بأفعل التفضيل أجنبيًا2 منه، ومفضَّلًا على نفسه ومفضولًا أيضًا –باعتبارين مختلفين- نحو: ما رأيت رجلًا أكمل في وجه الإشراق منه3 أفعل تفضيل، نعت. والمنعوت قبلها اسم جنس منفيّ في جملته، وهو: "رجل"، و"الإشراقُ" فاعل لأفعل التفضيل، وهذا الفاعل مفَضَّل ومفضول معًا؛ فهو مفضَّل باعتباره في وجه العابد، ومفضول باعتباره في وجه غير وحه العابد. وهذا معنى قولهم: مفضل على نفسه ومفضول باعتبارين. وقد تحقق الضابط في المثال السالف؛ ومن ثَمَّ رفع أفعل التفضيل الاسم الظاهر. ومن الأمثلة: ما شاهدت عيونًا أجملَ فيها الحَوَرُ منه في عيون الظباء … فأفعل التفضيل هو: "أجمل"، ومنعوته: "عيونًا" اسم جنس منفي في جملته، وفاعله الظاهر هو: "الحَوَر"، ولهذا الفاعل اعتباران، فهو مفضَّل إن كان في عيون الظباء، ومفضول إن كان في عيون غيرها. فقد تحقق في هذه الصورة الضابط الخاص كما تحقق في سالفتها. وفي الصورتين يمكن أن يحل محل "أفعل" فعلٌ بمعناه من غير أن يترتب على هذا فساد، نحو: ما رأيت رجلًا يكمل في وجهه الإشراق.... وما شهدت عيونًا بجمل فيها الحَور.... فإن لم يصلح أن يحل هذا الفعل محله لم يرفع اسمًا ظاهرًا، إلا نادرًا لا يقاس عليه –كما سبق –وإنما يرفع ضميرًا مستترًا وجوبًا؛ نحو: المشي أنفع من السباحة، ففي "أنفع" ضمير مستتر وجوبًا يعود على المشي، ولا يجوز في الرأي الراجح أن يرفع اسمًا ظاهرًا؛ لأنه لا يصح أن يحل محله فعل بمعناه؛ كما لا يصح أن يقال –في الرأي الراجح أيضًا –استمعت إلى فتى أعلمُ منه أبوه برفع كلمة "أبوه" على أنها فاعل لأفعل التفضيل4: "أعْلم" إلا على لغة ضعيفة مرجوحة ومن الأمثلة التي يرفع فيها الظاهر وينطبق عليها الضابط: "ما سمعت ببلاد أكثرَ فيها الثَّراءُ المدفون منه في البلاد العربية". ومنها مثالهم المرَدّد منذ عهود بعيدة حتى سَمَّوا مسألة الرفع باسمه، وهو: "ما رأيت رجلًا في عينه الكُحلُ منه في عين فلان".... ويرمزون لكل ما سبق بقولهم: "إن أفعل التفضيل لا يرفع الظاهر إلا في مسألة: "الكُحل". يريدون المثال السالف المشتمل على كلمة: "الكُحل" وغيره مما يشابهه من الأمثلة التي ينطبق عليها الضابط العام كما ينطبق على مثال الكحل1 











مصادر و المراجع:

1-المفتاح في الصرف المؤلف: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي الأصل، الجرجاني الدار (ت ٤٧١هـ)

2- أبنية الأسماء والأفعال والمصادر المؤلف: ابن القَطَّاع الصقلي (المتوفى ٥١٥ هـ)

3-المقدمة الجزولية في النحو المؤلف: عيسى بن عبد العزيز بن يَلَلْبَخْت الجزولي البربري المراكشي، أبو موسى (ت ٦٠٧هـ)

4- الخلاصة في النحو، ألفية ابن مالك المؤلف: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك الأندلسي (ت ٦٧٢ هـ)

5-ارتشاف الضرب من لسان العرب المؤلف: أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (ت ٧٤٥ هـ)

6- النحو الوافي المؤلف: عباس حسن (ت ١٣٩٨هـ)

7-الجمل في النحو المؤلف: أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري (ت ١٧٠هـ)

8-الكتاب المؤلف: عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، أبو بشر، الملقب سيبويه (ت ١٨٠هـ) 9- المقتضب المؤلف: محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالى الأزدي، أبو العباس، المعروف بالمبرد (ت ٢٨٥هـ)

10-الأصول في النحو المؤلف: أبو بكر محمد بن السري بن سهل النحوي المعروف بابن السراج (ت ٣١٦هـ)

11-شرح كتاب سيبويه المؤلف: أبو سعيد السيرافي الحسن بن عبد الله بن المرزبان (ت ٣٦٨ هـ) 12-الإيضاح العضدي المؤلف: أبو علي الفارسيّ (٢٨٨ - ٣٧٧ هـ)

13-علل النحو المؤلف: محمد بن عبد الله بن العباس، أبو الحسن، ابن الوراق (ت ٣٨١هـ)

14-شرح أبيات سيبويه المؤلف: يوسف بن أبي سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان أبو محمد السيرافي (ت ٣٨٥هـ)

15-اللمع في العربية المؤلف: أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت ٣٩٢هـ)

16-الخصائص المؤلف: أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت ٣٩٢هـ)

17-المفصل في صنعة الإعراب المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (ت ٥٣٨هـ)

18- المرتجل (في شرح الجمل) المؤلف: أبو محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد ابن الخشاب (٤٩٢ - ٥٦٧ هـ)

19- نتائج الفكر في النَّحو للسُّهَيلي المؤلف: أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي (ت ٥٨١هـ)

20-البديع في علم العربية المؤلف: مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد

21- المقدمة الجزولية في النحو المؤلف: عيسى بن عبد العزيز بن يَلَلْبَخْت الجزولي البربري المراكشي، أبو موسى (ت ٦٠٧هـ)

22- شرح المفصل للزمخشري المؤلف: يعيش بن علي بن يعيش ابن أبي السرايا محمد بن علي، أبو البقاء، موفق الدين الأسدي الموصلي، المعروف بابن يعيش وبابن الصانع (ت ٦٤٣هـ)

23-الكناش في فني النحو والصرف المؤلف: أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد ابن عمر بن شاهنشاه بن أيوب، الملك المؤيد، صاحب حماة (ت ٧٣٢ هـ)

24-شرح ابن الناظم على ألفية ابن مالك المؤلف: بدر الدين محمد ابن الإمام جمال الدين محمد بن مالك (ت ٦٨٦ هـ)

25-الشافية في علم التصريف (ومعها الوافية نظم الشافية للنيساري - المتوفى في القرن ١٢)

 

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید