المنشورات

‌‌علم البيان

وهو علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه، كذا ذكر الخطيب في التلخيص. فالعلم جنس، وقوله يعرف به إيراد المعنى الواحد، أي علم يعرف به إيراد كلّ معنى واحد يدخل في قصد المتكلّم، على أن اللام في المعنى للاستغراق العرفي، وهذا هو العرف في وصف العلوم بمعرفة الجزئيات بها، فلو عرف من ليس له هذه الملكة أو الأصول أو الإدراك على اختلاف معاني العلم كالعربي المتكلّم بالسليقة إيراد معنى قولنا: زيد جواد بطرق مختلفة، لم يكن عالما بعلم البيان، وفسّر القوم المعنى الواحد بما يدلّ عليه الكلام الذي روعي فيه المطابقة لمقتضى الحال، واعترض عليه بأنه مما لا يفهم من العبارة، ويخرج البحث عن المجاز المفرد مع أنه من البيان، ويمكن دفعه بأنّ تخصيص المعنى الواحد بمعنى الكلام البليغ لاشتهار أنّ موضوع الفن اللفظ البليغ، على أنّ وصف المعنى بالواحد يحتمل أن يكون باعتبار وحدة تحصل للمعنى باعتبار ترتيبه في النفس بحيث لا يصحّ تقديم جزء على جزء، فهذا هو الوحدة المعتبرة في نظر البليغ. وأمّا المجاز المفرد وأمثاله، فالبحث عنه راجع إلى البحث عن الكلام البليغ، وقد احترز به عن ملكة الاقتدار على إيراد المعنى العاري عن الترتيب الذي يصير به المعنى معنى الكلام المطابق لمقتضى الحال بالطرق المذكورة، فإنها ليست من علم البيان. وهذه الفائدة أقوى مما ذكره السيّد السّند من أنّ فيما ذكره القوم تنبيه على أن علم البيان ينبغي أن يتأخّر عن علم المعاني في الاستعمال، وذلك لأنه يعلم منه هذه الفائدة أيضا، فإن رعاية مراتب الدلالة في الوضوح والخفاء على المعنى ينبغي أن يكون بعد رعاية مطابقته لمقتضى الحال، فإنّ هذه كالأصل في المقصودية وتلك فرع وتتمة لها؛ وكذا خرج به ملكة الاقتدار على معنى الشّجاع بألفاظ مختلفة [في الوضوح] «3» كالأسد والغضنفر والليث والحارث؛ وقوله بطرق مختلفة، أي في طرق مختلفة؛ والمراد بالطرق التراكيب، ويستفاد منه أنه لا بد في البيان من أن تكون بالنسبة إلى كل معنى طرق ثلاثة على ما هو أدنى الجمع، ولا بعد فيه لأن المعنى الواحد الذي نحن فيه له مسند ومسند إليه، ونسبة لكل منها دال يجري فيه المجاز سيّما باعتبار المعنى الالتزامي المعتبر في هذا الفن، فتحصل للمركب طرق ثلاثة لا محالة. ولا يشكل عليك أنه وإن تتحقق الطرق الثلاثة بالاعتبار المذكور، وأزيد لكن كيف يجزم بتحقق الاختلاف في الوضوح وهو خفي جدّا، فإنّ الأمر هيّن إذ الاختلاف في الوضوح والخفاء كما يكون باعتبار قرب المعنى المجازي وبعده من المعنى الحقيقي، يكون بوضوح القرينة المنصوبة وخفائها فلا محالة تتحقق «1» المعاني المختلفة وضوحا وخفاء ولو باعتبار القرائن التي نصبها في تصرّف البليغ؛ فتقييد إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة على تقدير أن يكون لها طرق مختلفة مما لا حاجة إليه

 

مصادر و المراجع :

١- موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم

المؤلف: محمد بن علي ابن القاضي محمد حامد بن محمّد صابر الفاروقي الحنفي التهانوي (المتوفى: بعد 1158هـ)

٢-دَرْجُ الدُّرر في تَفِسيِر الآيِ والسُّوَر

المؤلف: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي الأصل، الجرجاني الدار (ت ٤٧١ هـ)

٣-مفتاح العلوم

المؤلف: يوسف بن أبي بكر بن محمد بن علي السكاكي الخوارزمي الحنفي أبو يعقوب (ت ٦٢٦هـ)

٤-المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر

المؤلف: ضياء الدين بن الأثير، نصر الله بن محمد (ت ٦٣٧هـ)

٥-الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز

المؤلف: يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم، الحسيني العلويّ الطالبي الملقب بالمؤيد باللَّه (ت ٧٤٥هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید