المنشورات

لمّا أتى خبر الزّبير تواضعت … سور المدينة والجبال الخشّع

البيت لجرير، من قصيدة عدّتها مائة وعشرون بيتا، هجا بها الفرزدق، وعدّ فيها معايبه. منها أن ابن جرموز المجاشعي، وهو من رهط الفرزدق، قتل الزبير بن العوام غيلة بعد انصرافه عن وقعة الجمل. وقوله: تواضعت: وقعت إلى الأرض. والخشّع:
التي لطئت بالأرض، ولم يرد أنها كانت خشعا قبل، بل هي خشّع؛ لموته الآن.
والشاهد: «تواضعت سور المدينة»، فأنث الفعل «تواضعت»، وفاعله «سور» مذكر، فاكتسب «سور» التأنيث؛ لإضافته إلى المدينة؛ ولهذا أنث الفعل. والبيت من شواهد سيبويه. قال الأعلم في شرح شواهد سيبويه: إنّ (السّور)، وإن كان بعض المدينة، لا يسمى مدينة، كما يسمى بعض السنين سنة، ولكن الاتساع فيه ممكن. لأن معنى تواضعت المدينة، وتواضع سور المدينة متقارب.
وهذا التخريج على زعم أنّ (السور)، هو الحائط الذي يبنى حول المدينة. فإن أرادوا به
سور المدينة النبوية، فقد وهموا وهما فاضحا؛ لأنه يدل على جهلهم بالتاريخ، فقد كانت معركة الجمل، ومقتل الزبير سنة 36 هـ، ولم يكن يومها للمدينة النبويّة سور يحيط بها، كما كان للمدن القديمة، مثل دمشق، والقدس، وتوفي جرير ولم يبن للمدينة النبوية سور، ولعلّ أول سور بني حول المدينة كان في القرن الثالث الهجري، والصحيح ما ذكره أبو عبيدة معمر بن المثنى، أن (السّور) في بيت جرير: جمع «سورة»، وهي كل ما علا، وهي كل منزلة من البناء، فكأن مراد جرير، أن بيوت المدينة وقعت على الأرض عند ما وصل خبر مقتل الزبير، ولا عجب إذا وقعت بيوت المدينة، فإنه أمر تخشع له الجبال الشامخة. [كتاب سيبويه ج 1/ 25، واللسان «سور» والخزانة ج 4/ 218، وديوان جرير/ 913]. من قصيدة مطلعها:
بان الخليط برامتين فودّعوا … أو كلّما رفعوا لبين تجزع



مصادر و المراجع :      

١-  شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية «لأربعة آلاف شاهد شعري»

المؤلف: محمد بن محمد حسن شُرَّاب


تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید