المنشورات

ليث وليث في محلّ ضنك … كلاهما ذو أشر ومحك

رجز قاله واثلة بن الأسقع، الصحابي، في وقعة مرج الروم، عند ما برز له بطريق
رومي، فحمل عليه واثلة فقتله، وهو يرتجز بهذا الرجز. وقوله: «محلّ ضنك»، أي:
ضيّق. والأشر: البطر. ومحك: بفتح الميم وسكون الحاء، أي: لجاج.
والرجز شاهد على أنّ أصل المثنى العطف بالواو؛ فلذلك يرجع إليه الشاعر في الضرورة كما في البيت، فإن القياس أن يقول: «ليثان». لكنه أفردهما وعطف بالواو؛ لضرورة الشعر. وقد يفعلون هذا في الجمع أيضا كقول أبي نواس:
أقمنا بها يوما ويوما وثالثا … ويوما له يوم الترحّل خامس
ويرى ابن الشجري في أماليه، أنك إن استعملت هذا في السعة، فإنما تستعمله لتفخيم الشيء الذي تقصد تعظيمه، كقولك لمن تعنّفه بقبيح تكرر منه، وتنبهه على تكرير عفوك:
قد صفحت عن جرم وجرم وجرم وجرم. وكقولك لمن يحقر أيادي أسديتها إليه، أو ينكر ما أنعمت به عليه: قد أعطيتك، ألفا وألفا وألفا، فهذا أفخم في اللفظ، وأوقع في النفس من قولك: قد صفحت لك عن أربعة أجرام، وقد أعطيتك ثلاثة آلاف. قال أبو أحمد: وهذه لفتة ذكية من ابن الشجري، فما زال الناس يقولون هذا الأسلوب.
هذا، وقد نسب الجاحظ هذا الرجز - في كتاب المحاسن - إلى جحدر بن مالك الحنفي، في قصة كانت أيام الحجاج بن يوسف، وتفيد القصة أن جحدرا كان فاتكا، فأمسك به، ووضع مع أسد في حومة، فقتل الأسد، وهو يرتجز هذا الرجز، ولكن واثلة أقدم من جحدر، فمن المحتمل أن يكون سمعه وتمثّل به، والله أعلم، فقد توفي واثلة سنة 83 هـ، وهو ابن مائة، وقيل توفي سنة 85 هـ، وهو ابن ثمان وتسعين سنة، وتوفي في بيت المقدس، أو في إحدى قرى فلسطين. ومما لا شكّ فيه أن واثلة - أبا قرصافة شارك في فتح فلسطين، وعودة الأرض إلى أهلها العرب، وطرد الروم. واليوم: الجمعة 24/ 3 / 1414 هـ - 11/ 9 / 1993 م، أقرّت (م ت ف) بملكية اليهود لفلسطين، وأعلنت إلغاء فرض الجهاد - ولو بالحجارة - في سبيل إرجاع الأرض المقدسة، بل كانت الفرحة أكبر؛ لأن الاسرائيلين اعترفوا بوجود (م ت ف)، وتمثيلها للفلسطينيين، وأشهد الله أن الحكومات العربية منذ سنة 1917 م حتى سنة 1993 م - وقلت: الحكومات، ولم أقل - الشعوب - هي التي أوصلت الأمر إلى هذا الحدّ؛ لأن الحكومات كانت تحمي حدود الأرض الفلسطينية التي اغتصبها اليهود، وتمنع تسلل المجاهدين إلى أرض فلسطين، فعاش اليهود في حصن حصين، ثم قالوا: إنّ أهل فلسطين هم المسؤولون عن تحرير الأرض،
وكيف يكون ذلك وليس لهم أرض ينطلقون منها، بل كيف قالوا ذلك وفلسطين جزء من أرض العرب؟ ثم اتفقت الحكومات العربيّة على أن (م ت ف) الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وهذا الخطأ الأكبر؛ لأنه يعني التخلّي التام عن الاهتمام بشؤون فلسطين، وأن لكل هيئة حاكمة حقّ التصرف في الأرض التي تحكمها، وهذا صحيح حسب ميثاق الأمم المتحدة، وميثاق الجامعة العربية التي أسستها بريطانيا، ولكنه ليس صحيحا إذا عرضناه على قانون الإسلام والعروبة والقوميّة؛ لأن الرسول عليه السّلام، مثل المجتمع المسلم، بقوم ركبوا سفينة، فجاء أحدهم وقال: هذه قسمتي، وأخذ يخرق في حصته من السفينة، فإن تركوه، هلكوا جميعا، وإن منعوه، نجوا جميعا. وأنا أقول هذا وأنا متلبس بالقيم الدينية والقوميّة، ولكنني لا أقوله إذا انسلخت عنها، وقد لا يعيبني الناس إذا نظرت للموضوع نظرة شخصية صرفة، مدفوعا بالمنفعة الشخصية؛ ذلك أنّ أهل فلسطين - وبخاصة أهل قطاع غزة - ذاقوا مرارة الطرد والتشريد والحصر والحبس منذ سنة 1947 م إلى اليوم الذي أكتب فيه هذا الكلام، وقد عانينا مرارة الطرد والتشريد من العرب، بل من الحكومات العربية، أكثر مما عانيناه من الأعداء، كلما
قصدنا إلى قطر حالت شرطة الحدود دون دخولنا، ونرى بأعيننا قوافل أمم الأرض كلها تدخل بالتأهيل والترحيب، أليس من حقّي أن تكون لي هوية، أو وثيقة سفر تمنحني القدرة على التجوال والضرب في الأرض؛ لكسب لقمة العيش الشريف؟ وهذا ما أطمح إليه، وأطمع فيه، إذا نظرت للقضية نظرة منفعية خالصة، وكلّ العرب ينظرون إلى منافعهم الخاصة، فهم الذين ألجؤوا الفلسطيني إلى القول:
نفسي أولا ومن بعدي الطوفان، أم يريدون منا وحدنا أن ندافع عن قلب العرب الذي يحيا به العرب بعامة؟!
[الخزانة/ 7/ 461، والهمع/ 1/ 43].




مصادر و المراجع :

١-  شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية «لأربعة آلاف شاهد شعري»

المؤلف: محمد بن محمد حسن شُرَّاب

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید