المنشورات

يلومونني في اشتراء النخي … ل أهلي فكلّهم يعذل وأهل الذي باع يلحونه … كما لحي البائع الأوّل

الشاهد: «يلومونني أهلي»، حيث وصل واو الجماعة بالفعل، مع أن الفاعل اسم ظاهر مذكور بعد الفعل. وهذه لغة طيئ، وقيل لغة أزذ شنوءة، وفي هذا المعجم شواهد كثيرة على هذه اللغة. وعليها تأولوا قوله تعالى في سورة الأنبياء: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا. [آية 21]، وقوله تعالى في سورة المائدة: ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ.
[الآية 71]. وقد سماها النحويون بلغة «أكلوني البراغيث»، وهذا غير لائق؛ لأنها موجودة في القرآن. وأحسن ابن مالك صاحب الألفية عند ما سماها لغة «يتعاقبون فيكم ملائكة»، إشارة إلى الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومالك بهذا اللفظ، وزعم بعضهم أن الإمام مالك روى الحديث ناقصا، وأنّ الرواية: «لله ملائكة يتعاقبون فيكم» ملائكة بالليل .. الحديث، وليس الأمر كما قالوا، فالحديث مروي في البخاري بطرق متعددة، كما رواه الإمام مالك.
والبيت الشاهد، للشاعر أحيحة بن الجلاح الأوسي (.. نحو 130 ق هـ - نحو 497 م).
والبيت من قطعة في بيان فضل النخيل، حيث يقول بعد البيتين:
هي الظلّ في الحرّ حقّ الظليل … والمنظر الأحسن الأجمل
تعشّى أسالفها بالجبوب … وتأني حلوبتها من عل
وتصبح حيث تبيت الرّعاء … وإن ضيعوها وإن أهملوا
فعمّ لعمّكم نافع … وطفل لطفلكم يؤمل
وقوله: «تعشّى»، أي: تتعشى من أسفل، أي: تشرب الماء. وتأني، أي: تدرك:
وفي رواية «تأتي»، يريد أنها تشرب الماء من الأرض، وتعطي الغذاء من الأعلى، وشبهها بالناقة، وجعل ثمرها يمنزلة اللبن. والرعاء: حفظة النخل، شبههم برعاة الإبل، يقول:
إذا غفل الفلاح عن النخلة، فإنها لا تهرب كما تهرب الإبل، ويستيقظ راعي النخل، فيجد النخل في مكانه، ولا يحتاجون إلى البحث عنها في القبائل. وقوله: فعمّ، أي:
النخل الكبير، يريد أن يقول: إن النخل الكبير ينتفع به كبار الناس، والصغير منه يؤمل للأطفال في مستقبل حياتهم. وللشاعر أبيات أخرى في وصف النخيل (انظر ديوانه)، قلت: ولأحمد شوقي قصيدة في وصف النخيل من وزن هذه الأبيات (المتقارب)، وفي أبيات أحمد شوقي شبهها بالشاة، (وأنتن في البيد شاة المعيل)، فهل اطلع أحمد شوقي على هذه المقطوعة الجاهلية، ولكن أحمد شوقي يزعم في قصيدته أن الشعراء لم يصفوا النخل، وأن الكتب خلت من ذكر فضائله، فإما أن يكون أحمد شوقي، قرأ قطعة أحيحة، وتأثر بها، ثم زعم أنه أتى بما لم يأت به الأوائل، وإما أن يكون جاهلا بما في كتب الأدب من شعر في وصف النخل. وقد جمعت قطعة أحيحة من المعاني - على وجازتها - ما لم يستطع أحمد شوقي جمعه في قصيدة مطولة، بل كان أحمد شوقي فاسد الذوق عند ما شبه النخيل بالمآذن (مآذن قامت هنا أو هناك)، ثم استدرك قائلا:
وليس يؤذن فيها الرجال … ولكن تصيح عليها الغرب
فأفسد جمال الصورة بجعل الغرب تصيح عليها، والمعروف أن صياح الغراب نذير الخراب، ولو قال: «ولكن تسبّح»، لكان أجمل؛ ليخفف من وقع ذكر الغراب على نفس القارئ، بل إن البيت كله لا فائدة منه؛ لأن ما نفاه يعرفه القارئ، ولا يلتبس عليه، ولعلّ الشاعر ذكر الغربان، إيذانا بزوال ملك سادته من أسرة محمد علي باشا؛ لأنه كان يصف نخيل حدائق القصور التي يسكنها حكام مصر.




مصادر و المراجع :

١-  شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية «لأربعة آلاف شاهد شعري»

المؤلف: محمد بن محمد حسن شُرَّاب

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید