المنشورات

يقلّب عينيه كما لأخافه … تشاوس رويدا إنني من تأمّل

قوله: تشاوس: يقال: فلان يتشاوس في نظره، إذا نظر نظرة ذي نخوة وكبر، أو هو أن ينظر بمؤخر عينه ويميل وجهه في شقّ العين التي ينظر بها، يكون ذلك خلقة، ويكون من الكبر والتيه والغضب. ورويدا: أصله تصغير الإرواد، تصغير ترخيم، وقالوا: أرود فلان في سيره إروادا، يريدون أنه تمهل في سيره وترفق. وسيبويه يرى أن «رويدا» إنما يستعمل استعمال المصادر التي تنوب عن الأفعال، تقول: رويد عليا، أي: أمهله، وتكون اسم فعل، تقول: رويدك، أي: أمهل. ويرى أيضا أنه قد يقع صفة فتقول: سار
سيرا رويدا، وإنك قد تذكر الموصوف كما في المثال، وقد تحذفه فتقول: سار رويدا. قال سيبويه: «هذا باب متصرف رويد»، تقول: رويد زيدا، وإنما تريد: أرود زيدا. وسمعنا من العرب من يقول: والله لو أردت الدراهم، لأعطيتك، رويد، ما الشعر. يريد: أرود الشعر، كقول القائل: لو أردت الدراهم، لأعطيتك فدع الشعر، فقد تبين لك أن «رويد» في موضع الفعل. ويكون «رويد» أيضا صفة، كقولك: سار سيرا رويدا. ويقولون أيضا:
ساروا رويدا، فيحذفون السير ويجعلونه حالا، به وصف كلامه، اجتزاء بما في صدر حديثه من قوله «ساروا» عن ذكر السّير. ومن ذلك قول العرب: «ضعه رويدا»، أي:
وضعا رويدا. ومن ذلك قولك للرجل، تراه يعالج شيئا: «رويدا» إنما تريد علاجا رويدا، فهذا على وجه الحال إلا أن يظهر الموصوف، فيكون على الحال وعلى غير الحال. اه.
وعلى هذا يكون قول الشاعر في البيت الشاهد: «رويدا»، حالا من الضمير الواجب الاستتار في قوله: تشاوس.
وقوله: إنني من تأمّل: أي: أنا ذلك الذي تتأمله وتنظر إليه، ومتى عرفتني، عرفت أنه ليس لك أن تنظر لي نظر الكبر والغضب.
والشاهد في البيت: «كما لأخافه»، حيث زعم الكوفيون أن الفعل المضارع الذي هو «أخافه» منصوب ب «كما»، التي هي في الأصل: «كيما»، وليس هذا البيت حجة للكوفيين؛ لأنه:
أولا: مروي بصورة «لكيما أخافه».
وثانيا: لأن الناصب هو «اللام» في قوله: «لأخافه»؛ لأنها «لام» التعليل، وهي تنصب بنفسها عندهم، أو ب «أن» مضمرة عند البصريين، والقول بزيادة «اللام» لا دليل عليه.
والثالث: أنهم يقولون: إن «كي» لا تكون إلا مصدرية مثل «أن»، فمجيء «اللام» بعدها ينقض هذه المقالة؛ لأننا لو جعلنا «اللام» توكيدا ل «كي»، لم يصح؛ لاختلاف معناهما، ف «كي» مصدرية و «اللام» للتعليل، ولو جعلنا اللام بدلا من «كي»، كانت كما في حكم الساقط من الكلام؛ لأن المبدل منه على نية الطرح من الكلام، ويكون العمل للبدل، الذي هو «اللام»، فيتعين عندهم أن تكون زائدة، وهذا ما لم يقم عليه دليل.
[الإنصاف/ 589، والحماسة/ 745، والبيت لأوس بن حجر].



مصادر و المراجع :

١-  شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية «لأربعة آلاف شاهد شعري»

المؤلف: محمد بن محمد حسن شُرَّاب

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید