المنشورات

ممّن حملن به وهنّ عواقد … حبك النّطاق فشبّ غير مهبّل حملت به في ليلة مزؤودة … كرها وعقد نطاقها لم يحلل

من قصيدة لأبي كبير الهذلي، وكان قد تزوج أمّ تأبط شرا وكان غلاما صغيرا، فلما رآه كثير الدخول على أمه تنكّر
له، وعرف ذلك أبو كبير في وجهه إلى أن ترعرع الغلام، فقال أبو كبير لأمه: ويحك قد والله رابني أمر هذا الغلام ولا آمنه، فلا أقربك، قالت له:
فاحتل عليه حتى تقتله، فاحتال عليه أبو كبير للخروج إلى الغزو، فخرجا، وأخذ يتحيّن منه غرّة ليقتلة، فلم يستطع، فرجعا إلى الحيّ وترك أبو كبير أمّ تأبط شرا. والقصة إن صدقت، أعظمت في عيني مكانة تأبط شرا، وجعلت منزلة أمّه في الدّرك، وبغّضت أبا كبير الجاهلي، ولا شك أنه بعد إسلامه قد تغيرت طباعه، والقصة قد تصدق فيما قيل عن تأبط شرا، وما زال هذا الشعور موجودا في الأبناء، فهم لا يريدون أن يروا غير أبيهم في البيت، ولا تصدق فيما قيل عن أمّ تأبط شرّا؛ لأنّ حبّ الأم المتعة لا يجعلها تقتل ابنها. وقوله: ممن حملن: النون ضمير النساء، وقال: «به» فردّ الضمير على لفظ «من»، ولو ردّ على المعنى لقال: «بهم».
وعدى «حمل» ب «الباء»، وهو متعد بنفسه؛ لأنه ضمّنه معنى «حبلت». وعواقد: جمع عاقدة. والحبك: جمع حباك - بكسر أوله - ما يشد به النطاق مثل «التكة». والنطاق: شقة تلبسها المرأة وتشدّ وسطها ثم ترسل الأعلى على الأسفل إلى الركبة، والأسفل ينجرّ على الأرض. والمهبّل: المثقل باللحم، وقيل: المعتوه. يتحدث عن تأبط شرّا، يقول: إن أمه حملت به وهي تخدم، وكانت العرب تستحب أن تطأ النساء وهنّ متعبات أو فزعات؛
ليغلب ماء الرجل فيجيء الولد مذكّرا، فوصف أنها حبلت به وهي عاقدة حبك النطاق.
وقيل: المعنى: إنه من الفتيان الذين حملت بهم أمهاتهم وهنّ غير مستعدات للفراش، فنشأ محمودا مرضيا. وحكى عن بعضهم: إذا أردت أن تنجب المرأة، فأغضبها عند الجماع؛ ولذلك يقال في ولد المذعورة: إنه لا يطاق، قال الشاعر:
تسنّمها غضبى فجاء مسهّدا … وأنفع أولاد الرجال المسهّد
وليلة مزؤودة: ذات فزع، فمن نصب مزؤودة، فإنما أراد المرأة، ومن خفض أراد الليلة.
والشاهد في البيت الأول: تضمين «حملت» معنى «حبلت»، فتعدى بحرف الجرّ.
[شرح أبيات المغني/ 8/ 82، وسيبويه/ 1/ 56، والانصاف/ 489، وشرح المفصل/ 6/ 74، والأشموني/ 2/ 299، والحماسة/ 87].




مصادر و المراجع :

١-  شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية «لأربعة آلاف شاهد شعري»

المؤلف: محمد بن محمد حسن شُرَّاب

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید