المنشورات

علم المعاني وأثره في بلاغة الكلام

بعد أن فصّلنا القول عن البلاغة والفصاحة وأوجه اتفاقهما واختلافها، وبعد الكلام عن نشأة علم المعاني، وبيان كيف كانت أساليبه المختلفة مختلطة في أول الأمر بأساليب علمي البيان والبديع، وكيف كان ينظر إليها جميعا
على أنها وحدة تؤلف بمجموعها أصول البلاغة العربية، وبعد أن عرفنا كيف أخذت كل هذه الأساليب على مر العصور تتبلور وتنحو منحى التميز والاستقلال، حتى صارت أساليب البديع علما على يد ابن المعتز، والأساليب المتصلة بكل من المعاني والبيان علما واضح المعالم والمباحث على يد كل من عبد القاهر الجرجاني والزمخشري والسكاكي …
أقول بعد ذلك كله نحاول الآن أن نتبين أثر علم المعاني في بلاغة الكلام.
وتوطئة للحديث عن هذا الموضوع يجدر بنا أن نتذكر أن الباحثين في البلاغة العربية منذ صدر الإسلام لم يكونوا مدفوعين إلى ذلك بباعث الشغف العلمي والبحث النظري المجرد في البلاغة، وإنما حفزهم في الواقع إلى الاشتغال بها رغبة ملحة في تحقيق هدفين: هدف خاص وآخر عام.
أما الهدف الخاص فكان هدفا دينيا يرمي إلى معرفة إعجاز كتاب الله، ومعرفة معجزة رسوله الذي أوتي جوامع الكلم وكان أفصح من نطق بالضاد.
وذلك الهدف يدل على مدى الأثر الذي خلفته الدراسات الأولى في البلاغة، وهو البحث في أسرار الإعجاز وأسبابه، واعتبارها مكملة للإيمان بالنبي ورسالته.
وقد أشار إلى ذلك عبد القاهر في كتابه دلائل الإعجاز بقوله: «إن الجهة التي منها قامت الحجة بالقرآن وظهرت، وبانت وبهرت، هي أنه كان على حد من الفصاحة تقصر عنه قوى البشر، ومنتهيا إلى غاية لا يطمح إليها بالفكر، وكان محالا أن يعرف كونه كذلك إلا من عرف الشعر الذي هو ديوان العرب وعنوان الأدب، والذي لا يشك أنه كان ميدان القوم إذا تجاروا في الفصاحة والبيان … ثم بحث عن العلل التي بها كان التباين في الفضل، وزاد بعض الشعر على بعض» (1).
أما الهدف العام فلا يتعلق به غرض ديني، وإنما هو محاولة الاطلاع على أسرار البلاغة والفصاحة في غير القرآن، من كلام العرب شعره ونثره، وذلك لأن من لا علم له بأوجه البلاغة يعجز عن التمييز بين الفصيح والأفصح، والبليغ والأبلغ.
ويحضرنا هنا في معرض الكلام عن الهدف العام رأي فيه لأبي هلال العسكري مضمونه أن التهاون في طلب البلاغة من جانب صاحب العربية أيا كان قصور في الفهم وتأخر في المعرفة والعلم. وتفصيل ذلك الرأي كما يقول هو: «إن صاحب العربية إذا أخل بطلبه وفرط في التماسه، ففاتته فضيلته، وعلقت به رذيلة فوته، عفي على جميع محاسنه، وعمى سائر فضائله، لأنه إذا لم يفرق بين كلام جيد وكلام رديء، ولفظ حسن وآخر قبيح، وشعر
نادر وآخر بارد، بان جهله وظهر نقصه. وهو أيضا إذا أراد أن يصنع قصيدة أو ينشئ رسالة- وقد فاته هذا العلم- مزج الصفو بالكدر … واستعمل الوحشيّ العكر، فجعل نفسه مهزأة للجاهل وعبرة للعاقل … وإذا أراد أيضا تصنيف كلام منثور أو تأليف شعر منظوم، وتخطى هذا العلم، ساء اختياره له، وقبحت آثاره فيه، فأخذ المرذول وترك الجيد المقبول، فدل على قصور فهمه، وتأخر معرفته وعلمه» (1).
على هدى من هذه التوطئة التي توضح الهدفين اللذين كانا- ولم يزالا- منشودين من وراء الدراسات البلاغية نتقدم إلى بيان أثر علم المعاني في بلاغة الكلام.
ويمكن القول من البدء أن الأثر الذي يحدثه علم المعاني في بلاغة القول يتولد في الواقع من أمرين اثنين: بيان وجوب مطابقة الكلام لحال السامعين والمواطن التي يقال فيها، والمعاني المستفادة من الكلام ضمنا بمعونة القرائن

 

مصادر و المراجع:
1-سحر البلاغة وسر البراعة
المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (ت ٤٢٩هـ)
2-أسرار البلاغة
المؤلف: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي الأصل، الجرجاني الدار (ت ٤٧١هـ)
3-الإيضاح في علوم البلاغة
المؤلف: محمد بن عبد الرحمن بن عمر، أبو المعالي، جلال الدين القزويني الشافعي، المعروف بخطيب دمشق (ت ٧٣٩هـ)
4-الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز
المؤلف: يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم، الحسيني العلويّ الطالبي الملقب بالمؤيد باللَّه (ت ٧٤٥هـ)
5- عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح
المؤلف: أحمد بن علي بن عبد الكافي، أبو حامد، بهاء الدين السبكي (ت ٧٧٣ هـ)
6-تلوين الخطاب لابن كمال باشا دراسة وتحقيق
المؤلف: أحمد بن سليمان بن كمال باشا، شمس الدين (ت ٩٤٠هـ)
7-الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم
المؤلف: إبراهيم بن محمد بن عربشاه عصام الدين الحنفي (ت: ٩٤٣ هـ)
8- معاهد التنصيص على شواهد التلخيص
المؤلف: عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن أحمد، أبو الفتح العباسي (ت ٩٦٣هـ)
9-حاشية الدسوقي على مختصر المعاني لسعد الدين التفتازاني (ت ٧٩٢ هـ) [ومختصر السعد هو شرح تلخيص مفتاح العلوم لجلال الدين القزويني]
المؤلف: محمد بن عرفة الدسوقي
10- جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع
المؤلف: أحمد بن إبراهيم بن مصطفى الهاشمي (ت ١٣٦٢هـ)
11-علوم البلاغة «البيان، المعاني، البديع»
المؤلف: أحمد بن مصطفى المراغي (ت ١٣٧١هـ)
12- بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة
المؤلف: عبد المتعال الصعيدي (ت ١٣٩١هـ)
13-علم البديع
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
14-علم البيان
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
15- علم المعاني
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
16-البلاغة العربية
المؤلف: عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني الدمشقي (ت ١٤٢٥هـ)
17-البلاغة الصافية في المعاني والبيان والبديع
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
18- النظم البلاغي بين النظرية والتطبيق
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
19-من قضايا البلاغة والنقد عند عبد القادر الجرجاني
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
20- أساليب بلاغية، الفصاحة - البلاغة - المعاني
المؤلف: أحمد مطلوب أحمد الناصري الصيادي الرفاعي
21-الأسلوب
المؤلف: أحمد الشايب
22- المنهاج الواضح للبلاغة
المؤلف: حامد عونى
23-خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني
المؤلف: محمد محمد أبو موسى
24- البديع عند الحريري
المؤلف: محمد بيلو أحمد أبو بكر
25- شرح مائة المعاني والبيان
المؤلف: أبو عبد الله، أحمد بن عمر بن مساعد الحازمي
26-البلاغة ٢ - المعاني
كود المادة: LARB٤١٠٣
المرحلة: بكالوريوس
المؤلف: مناهج جامعة المدينة العالمية
الناشر: جامعة المدينة العالمية
27-علوم البلاغة «البديع والبيان والمعاني»
المؤلف: الدكتور محمد أحمد قاسم، الدكتور محيي الدين ديب

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید