المنشورات

ولا خالف داريّة متغزّل … يروح ويغدو داهنا يتكحّل

البيت للشنفرى من لاميته (لامية العرب). وقوله: «ولا خالف» بالجرّ، معطوف على مجرور قبله، ولم أذكر ما قبل البيت ليعرف المعطوف عليه؛ لأن الأبيات السابقة خشنة جافة صلده، كلّ كلمة فيها تشبه صخرة تيس الأعشى في قوله: (كناطح صخرة)، توهن عقل القارئ قبل أن يدرك مراميها. وهذا يؤيد ملاحظة سابقة قلتها في شاهد سابق من هذه القصيدة، أن مطلع القصيدة لا يتفق مع بقيتها، فالمطلع سهل رقيق، وما بعده قاس صلب.
وقوله: خالف: بالخاء المعجمة، من لا خير فيه، وداريّة: بالجرّ، صفة ل «خالف»، وهو المقيم في داره، لا يفارقها و «التاء» زائدة للمبالغة. والداريّ: العطار أيضا، منسوب إلى دارين، في نواحي القطيف من شرق السعودية، وكانت فيها سوق يحمل إليها مسك، قال الزمخشري: ويحتملها كلامه؛ لأن العطار يكتسب من ريح عطره، فيصير بمنزلة المتعطّر.
فالمعنى: لست ممن يتشاغل بتطييب بدنه وثوبه، أو يلازم زوجته، فيكتسب من طيبها.
والمتغزل: الذي يغازل النساء. وجملة «يروح»: صفة متغزل، أو حال من ضميره.
والشاهد: يروح ويغدو: إن كانا بمعنى يدخل في الرواح والغداة، فهما تامان.
والمنصوب «داهنا» حال. اسم فاعل من الدّهن، وهو استعمال الدهن. وإن كانا بمعنى
(يكون في الرواح والغداة) فهما ناقصان، و «داهنا»: خبر «يغدو»، وخبر «يروح» محذوف. وجملة «يتكحل»: إما خبر بعد خبر، أو حال من ضمير «داهن»، أو صفة له، ويجوز أن يكون داهنا: خبر يروح، وجملة «يتكحل»: خبر
«يغدو»، فلا حذف.
فائدة: شاع أن الرواح، لا يكون بمعنى الرجوع في المساء، وليس كذلك، بل الرواح والغدو عند العرب يستعملان في المسير، أي وقت كان، من ليل أو نهار، وعليه قوله عليه السّلام: «من راح إلى الجمعة أول النهار، فله كذا»، أي: من ذهب. وعلى هذا لا خطأ في قولنا: «رحت إلى السوق، أو رحت إلى المدرسة». [الخزانة ج 9/ 197].




مصادر و المراجع :

١-  شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية «لأربعة آلاف شاهد شعري»

المؤلف: محمد بن محمد حسن شُرَّاب

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید