المنشورات

‌‌كتاب الصناعتين

ومن كتب الدراسات النقدية التي قامت على أسس بلاغية، وإن كانت أكثر تخصصا من سابقتها كتاب «الصناعتين- الكتابة والشعر» لأبي هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري المتوفى سنة 395 للهجرة.
فأبو هلال في كتاب الصناعتين يدرس البلاغة دراسة دقيقة هي مزيج من علمه الخاص بها وعلم من سبقوه إليها، مع الإكثار من الأمثلة والشواهد.
وهو يعني بالصناعتين الكتابة والشعر، فالكتاب ينبئ من عنوانه عن موضوعه الذي يبحث بحثا مستفيضا في أصول هاتين الصناعتين وأدواتهما التي تتضافر على صنع الكاتب والشاعر.
والكتاب يشتمل على عشرة أبواب: باب في الإبانة عن موضوع البلاغة وحدودها، وباب في تمييز جيد الكلام من رديئه، وباب في معرفة صنعة الكلام وترتيب الألفاظ، وباب في البيان عن حسن النظم وجودة الرصف، وباب في ذكر الإيجاز والإطناب، وباب في حسن الأخذ وحل المنظوم،
وباب في التشبيه، وباب في ذكر الاسجاع والازدواج، وباب في شرح البديع، وباب في ذكر مبادئ الكلام ومقاطعه. ويندرج تحت كل باب من هذه الأبواب فصول تتراوح من فصل إلى خمسة وثلاثين فصلا.
وفي الباب الأول الذي عقده أبو هلال للإبانة عن موضوع البلاغة وحدودها ينوّه بشأن البلاغة، ويقرر أنّ العلم بها ضروري لمعرفة إعجاز القرآن الكريم، ولتربية الذوق الأدبي، والتمييز بين جيّد الكلام ورديئه.
وأبو هلال لا يخفي تأثره بالجاحظ وإعجابه بكتابه البيان والتبيين، واقتباسه الكثير منه، ولكنه مع ذلك يشير إلى ما يأخذه على منهجه التأليفي بقوله: «إنّ الإبانة عن حدود البلاغة، وأقسام البيان والفصاحة مبثوثة في تضاعيفه، ومنتشرة في أثنائه، فهي ضالة بين الأمثلة لا توجد إلّا بالتأمل الطويل والتصفح الكثير، فرأيت أن أعمل كتابي هذا مشتملا على جميع ما يحتاج إليه في صنعة الكلام نثره ونظمه» (1).
فهذا المأخذ على منهاج الجاحظ التأليفي ورغبته في تلافيه وعلاجه كان أحد الأسباب التي دفعت أبا هلال على تأليف كتاب الصناعتين، أمّا الأسباب الأخرى فهي معرفته بقيمة علم صناعة الكلام، وشعوره بشدّة الحاجة إليه، وتخبط العلماء وتخليطهم فيما راموا منه، ثمّ قلّة الكتب المصنفة فيه، والتي كان أكبرها وأشهرها كتاب البيان والتبيين لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ وقد صرّح بأنّه لم يؤلف كتابه على طريقة المتكلمين، وإنّما ألّفه على طريقة صنّاع الكلام من الشعراء والكتاب.
والمتصفح لكتاب الصناعتين يرى أنّ المؤلف قد ألّم فيه تقريبا بكل مباحث علوم البلاغة الثلاثة: المعاني والبيان والبديع، ولكن مباحث كل علم لا تأتي في موضع معين من الكتاب، وإنّما تأتي في ثناياه وتضاعيفه على حسب مقتضيات المنهاج الذي رسمه أبو هلال لنفسه في تأليفه.
ولما كنا نعرض هنا بإيجاز لتاريخ البيان وتطوره حتى صار علما قائما بذاته، فإنّ ما يعنينا من كتاب الصناعتين هو معرفة ما ورد فيه من موضوعات علم البيان وطريقة المؤلف في معالجتها، وهذه الموضوعات هي التشبيه، والاستعارة، والكناية.
وقد عقد أبو هلال للتشبيه في كتابه بابا (1) من فصلين، تحدّث في أولهما عن حد التشبيه، ووجوه التشبيه المختلفة، وأدوات التشبيه، والطريقة المسلوكة في التشبيه، وإخراج ما لا يعرف بالبديهة إلى ما يعرف بها، وإخراج ما لا قوّة له إلى ما له قوة، وتشبيه ما يرى بالعيان بما ينال بالفكر، وغريب التشبيه وبديعه ومليحه،
وشرف التشبيه وموقعه من البلاغة.
وفي الفصل الثاني تحدّث عن قبح التشبيه وعيوبه، مثل خطأ التشبيه، والتشبيه الكريه، والتشبيه الرديء اللفظ، وبعيد التشبيه، والتشبيه المتنافر.
أمّا الاستعارة فعقد لها فصلا (2) تكلّم فيه عن: الاستعارة والمجاز والغرض من الاستعارة، والاستعارة المصيبة ووقعها، وفضل الاستعارة على الحقيقة، ولا بدّ لكل استعارة ومجاز من حقيقة، ولا بدّ من معنى مشترك بين المستعار والمستعار منه، والاستعارة أبلغ من الحقيقة، والاستعارة في كلام العرب والنبي والصحابة والأعراب، والاستعارة في أشعار المتقدمين، وفي كلام المحدثين.
وقد عدّ أبو هلال الكناية ضمن فنون البديع، وعقد لها فصلا عرّفها فيه وذكر نماذج من الجيد والمعيب منها، مع أنّها من مباحث علم البيان، وليس المهم إلى أي علوم البلاغة قد نسبها، وإنّما المهم أنّه أتى على ذكرها في كتابه.
وطريقته في معالجة هذه الموضوعات البيانية ليست طريقة عالم البلاغة المعنيّ بدقائقها وتفاصيلها، وإنما هي طريقة من يمزج البلاغة بالأدب والنقد، وإذا القارئ أمام مزيج ترتاح إليه نفسه، ويستدرجه إلى الاسترسال في تحصيله طلبا للمزيد من المتعة العقلية والأدبية.


وبعد فلعلنا أدركنا من ثنايا عرضنا التاريخي للبيان منذ نشأة البحث فيه حتى الآن كيف تطور على مرّ العصور، وكيف تضافرت جهود الباحثين فيه تدريجيا على كشف أصوله من تشبيه وحقيقة ومجاز واستعارة وكناية، وكيف أخذت معالم هذه الأصول تتضح وتتلاحق واحدة بعد الأخرى.
وقد ظلّ الأمر كذلك حتى ظهر عبد القاهر الجرجاني في القرن الخامس الهجري فاقتطف ثمار هذه الجهود واتّخذ منها مادة استعان بها في وضع نظرية علم البيان

 

مصادر و المراجع:
1-سحر البلاغة وسر البراعة
المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (ت ٤٢٩هـ)
2-أسرار البلاغة
المؤلف: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي الأصل، الجرجاني الدار (ت ٤٧١هـ)
3-الإيضاح في علوم البلاغة
المؤلف: محمد بن عبد الرحمن بن عمر، أبو المعالي، جلال الدين القزويني الشافعي، المعروف بخطيب دمشق (ت ٧٣٩هـ)
4-الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز
المؤلف: يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم، الحسيني العلويّ الطالبي الملقب بالمؤيد باللَّه (ت ٧٤٥هـ)
5- عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح
المؤلف: أحمد بن علي بن عبد الكافي، أبو حامد، بهاء الدين السبكي (ت ٧٧٣ هـ)
6-تلوين الخطاب لابن كمال باشا دراسة وتحقيق
المؤلف: أحمد بن سليمان بن كمال باشا، شمس الدين (ت ٩٤٠هـ)
7-الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم
المؤلف: إبراهيم بن محمد بن عربشاه عصام الدين الحنفي (ت: ٩٤٣ هـ)
8- معاهد التنصيص على شواهد التلخيص
المؤلف: عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن أحمد، أبو الفتح العباسي (ت ٩٦٣هـ)
9-حاشية الدسوقي على مختصر المعاني لسعد الدين التفتازاني (ت ٧٩٢ هـ) [ومختصر السعد هو شرح تلخيص مفتاح العلوم لجلال الدين القزويني]
المؤلف: محمد بن عرفة الدسوقي
10- جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع
المؤلف: أحمد بن إبراهيم بن مصطفى الهاشمي (ت ١٣٦٢هـ)
11-علوم البلاغة «البيان، المعاني، البديع»
المؤلف: أحمد بن مصطفى المراغي (ت ١٣٧١هـ)
12- بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة
المؤلف: عبد المتعال الصعيدي (ت ١٣٩١هـ)
13-علم البديع
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
14-علم البيان
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
15- علم المعاني
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
16-البلاغة العربية
المؤلف: عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني الدمشقي (ت ١٤٢٥هـ)
17-البلاغة الصافية في المعاني والبيان والبديع
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
18- النظم البلاغي بين النظرية والتطبيق
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
19-من قضايا البلاغة والنقد عند عبد القادر الجرجاني
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
20- أساليب بلاغية، الفصاحة - البلاغة - المعاني
المؤلف: أحمد مطلوب أحمد الناصري الصيادي الرفاعي
21-الأسلوب
المؤلف: أحمد الشايب
22- المنهاج الواضح للبلاغة
المؤلف: حامد عونى
23-خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني
المؤلف: محمد محمد أبو موسى
24- البديع عند الحريري
المؤلف: محمد بيلو أحمد أبو بكر
25- شرح مائة المعاني والبيان
المؤلف: أبو عبد الله، أحمد بن عمر بن مساعد الحازمي
26-البلاغة ٢ - المعاني
كود المادة: LARB٤١٠٣
المرحلة: بكالوريوس
المؤلف: مناهج جامعة المدينة العالمية
الناشر: جامعة المدينة العالمية
27-علوم البلاغة «البديع والبيان والمعاني»
المؤلف: الدكتور محمد أحمد قاسم، الدكتور محيي الدين ديب

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید