المنشورات

تقول ابنتي: إنّ انطلاقك واحدا … إلى الرّوع يوما تاركي لا أبا ليا

لمالك بن الريب من قصيدته التي يقول منها:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة … بجنب الغضا أزجي القلاص النواجيا
فليت الغضى لم يقطع الركب عرضه … وليت الغضى ماشى الركاب لياليا
ومعنى الشاهد: أنّ ابنتي تقول لي: إن ذهابك إلى القتال منفردا يصيرني لا محالة بلا أب، لأنك تقتحم لظاها فتموت.
إن انطلاقك .. تاركي .. إن واسمها وخبرها. واحدا حال من الكاف التي هي ضمير المخاطب في «انطلاقك» لا أباليا: لا: نافية للجنس. أبا: اسمها، ليا: جار ومجرور خبر «لا» والجملة مفعول ثان لتارك. ويجوز أن يكون «أبا» اسم لا منصوبا بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم. واللام في «ليا» زائدة. وياء المتكلم مضاف إليه.: وخبر «لا» محذوف وكأنه قال: لا أبي موجود.
والشاهد: «واحدا» حيث وقع حالا من المضاف إليه وهو الكاف في (انطلاقك) والذي سوّغ هذا أنّ المضاف إلى الكاف مصدر يعمل عمل الفعل، فهو يتطلب فاعلا وهذه الكاف هي الفاعل، فكان المضاف عاملا في المضاف إليه ويصحّ أن يعمل في الحال لأنّه مصدر.
ويروى البيت:
تقول ابنتي لمّا رأت طول رحلتي … سفارك هذا تاركي لا أبا ليا
وعليه، فلا شاهد فيه، إذا كان الشاهد كلمة «واحدا». هذا وقصيدة البيت عدتها ثمانية وخمسون بيتا مطلعها:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة … بجنب الغضى أزجي القلاص النواجيا
وقالوا: إن مالك بن الريب، كان لصا يقطع الطريق، وعند ما ولّى معاوية، سعيد ابن
عثمان بن عفّان على خراسان لقيه في الطريق، فعرض عليه أن يغنيه ويستصحبه ويكف عما يفعل، فقبل مالك، فأجرى عليه سعيد خمسمائة دينار في كلّ شهر. ولذلك يقول في القصيدة:
ألم ترني بعت الضلالة بالهدى … وأصبحت في جيش ابن عفّان غازيا
[ولكن لماذا قال «ابن عفان» ولم يقل «ابن عثمان» والوزن واحد، والأب عثمان أشهر من الجدّ «عفّان» وقد نسبوا أحفاد عثمان إليه فقالوا «العثماني»].
وذكروا في سبب قول القصيدة أقوالا:
قالوا: مكث مالك بخراسان فمات هناك، فقال يذكر مرضه وغربته.
وقالوا: بل مات في غزو سعيد، طعن، فسقط وهو بآخر رمق.
وقالوا: بل مات في «خان» فرثته الجنّ لما رأت من غربته ووحدته، ووضعت الجنّ الصحيفة التي فيها القصيدة تحت رأسه.
قلت: وهذه أول مرّة أسمع فيها أن الجنّ تكتب .. نعم: لقد زعموا أنّ الجنّ قالت شعرا وأنشدته وسمعه من سمعه. ولكني لم أعرف أنهم كتبوا!!
ولعبد يغوث بن وقّاص، أحد فرسان الجاهلية وشعرائها، قصيدة، تتّحد مع قصيدة مالك بن الريب في الوزن والقافية والرويّ، مطلعها:
ألا لا تلوماني كفى اللّوم مابيا … وما لكما في اللّوم خير ولا ليا
ويتشابه في القصيدتين بيتان، حيث قال عبد يغوث:
فياراكبا إمّا عرضت فبلّغن … نداماي من نجران أن لا تلاقيا
وقال مالك بن الريب:
فيا راكبا إمّا عرضت فبلّغن … بني مالك والرّيب أن لا تلاقيا
وتتشابه المناسبتان، ذلك أن عبد يغوث، قال القصيدة، وهو في الأسر ينتظر الموت [الخزانة/ 2/ 203، والمفضليات/ 156، والأشموني/ 2/ 179، وابن عقيل/ 2/ 85].



مصادر و المراجع :

١-  شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية «لأربعة آلاف شاهد شعري»

المؤلف: محمد بن محمد حسن شُرَّاب

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید