المنشورات

الشَّاطِبي

المفسر إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي، أبو إسحاق.
من مشايخه: الشريف السبتي والشريف التلمساني، وغيرهما.
كلام العلماء فيه:
• معجم المفسرين: "حافظ ثقة، محدث، مفسر، أصولي، من أئمة فقهاء المالكية. من أهل غرناطة .. أثنى عليه علماء المغرب .. " أ. هـ.
• شجرة النور: "العلامة المؤلف المحقق النظار أحد الجهابذة الأخيار وكان له القدم الراسخ في سائر الفنون والمعارف أحد العلماء الأثبات وأكابر الأئمة الثقات الفقيه الأصولي المفسر المحدث، له استنباطات جليلة، وفوائد لطيفة، وأبحاث شريفة مع الصلاح والعفة والورع واتباع السنة واجتناب البدع" أ. هـ.
• كتاب المجددون في الإسلام: "ولم يزل مجتهدًا في طلب العلوم حتى برع فيها، وصار من كبار أئمتها، وتكلم في كثير من مشكلات المسائل من علماء عصره من شيوخه وغيرهم، وكان حريصًا على اتباع السنة، مجانبًا للبدعة والشبهة، حتى وقع له في ذلك أمور مع جماعة من شيوخه وغيرهم، لشيوع البدعة بينهم، وتساهلهم في شأنها إرضاء للعامة وأشباههم، فلم يسلك في هذا مسلكهم، لأنه كان ينهج نهج المتقدمين من العلماء، فكان لا يأخذ الفقه ونحوه إلا من كتب الأقدمين، ولا يرى لأحد أن ينظر في الكتب المتأخرة، كما قرره في كتابه - الموافقات - وكانت ترد عليه الكتب في ذلك من بعض أصحابه، فيوقع له:
"وأما ما ذكرتم من عدم اعتمادي على التآليف المتأخرة، فليس ذلك مني محض رأي، ولكن اعتمدته بحسب الخبرة عند النظر في كتب المتقدمين مع المتأخرين، كابن بشير وابن شاس وابن الحاجب ومن بعدهم، ولأن بعض من لقيته من العلماء بالفقه أوصاني بالتحامي عن كتب المتأخرين، وأتى بعبارة خشنة، ولكنها محض النصيحة، والتساهل في النقل عن كل كتاب جاء لا يحتمله دين الله، ومثله ما إذا عمل الناس بقول ضعيف، ونقل عن بعض الأصحاب: لا تجوز مخالفته. وذلك يشعر بالتساهل جدًّا، ونص ذلك القول لا يوجد لأحد من العلماء فيما أعلم".

والعبارة الخشنة التي أشار الشاطبي إليها كان ينقلها عن صاحبه أبي العباس القبّاب: أنه كان يقول في ابن بشير وابن شاس: أفسدوا الفقه. وكان يقول: شأني عدم الاعتماد على التقاييد المتأخرة، إما للجهل بمؤلفها أو لتأخر أزمنتهم جدًّا، فلذلك لا أعرف كثيرًا منها ولا أقتنيه، وعمدتي كتب الأقدمين المشاهير.
ولقد كان لهذه النزعة الإصلاحية عند الشاطبي أثرها في كتابين من كتبه وهما كتاب "الموافقات" وكتاب "الاعتصام" ...
أما كتاب "الاعتصام" فهو في نقد الحياة الدينية والاجتماعية بين المسلمين، وبيان ما دخل فيها من البدع المذمومة، ولا سيما البدع الدينية، كالتزام المصلين المكث بعد الصلاة لأذكار وأدعية مأثورة يؤدونها بالاجتماع والاشتراك، حتى صارت شعارًا من شعائر الدين، وقد ذهب في هذا إلى أن كل بدعة في الدين مذمومة ولو كانت مما سموه البدع المستحسنة، وذكر أن استحسان ذلك وقع بسبب اشتباهه بالاستحسان الفقهي والمصالح المرسلة، مع أنه ليس منهما في شيء، لأن البدعة مطلقًا استدراك على الشرع وافتئات عليه، وأما مسائل المصالح المرسلة والاستحسان فهي موافقة لحكمته، وجارية على غير المعيّن من عموم بيناته وأدلته. والذي يهمنا هنا مما تناوله بالنقد أمران: أولهما مذهبه في إحداث الربط لالتزام سكناها بقصد الانقطاع للعبادة، وهي بخلاف الربط من الحصون والقصور التي كانت تبنى بقصد الرباط فيها، لأن هذه الربط تدخل في وظيفة الجهاد، وهو أصل من أصول الدين المعروفة، فلا يمكن أن يقال إنه بدعة، بخلاف الانقطاع للعبادة في تلك الربط، وقد ذكر الشاطبي أن أصحابها يتعلقون فيها بالصُّفة التي كانت في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ليجتمع فيها فقراء المهاجرين، ثم رد على هذا بأن هذه كانت حالة ضرورة، كما يدل على ذلك قوله تعالى في أهل الصفة: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} فإنه قال {أُخْرِجُوا} ولم يقل خَرجوا، فهم قد أُخرجوا من ديارهم وأموالهم اضطرارًا، ولم يمكنهم أن يبنوا لهم دورًا بالمدينة بعد الهجرة إليها لفقرهم، فآواهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الصفة، إلى أن يتيسر لهم بناء منازل يأوون إليها، فالقعود في الصفة لم يكن مقصودًا لذاته، ولا بناء الصفة للفقراء مقصودًا بحيث يقال إن ذلك مندوب إليه لمن قدر عليه، ولا هي رتبة شرعية تطلب بحيث يقال إن ترك الاكتساب والخروج عن المال والانقطاع إلى الربط يشبه حال أهل الصفة، وبحيث تكون هي الرتبة العليا في الدين، فلا يظن العاقل أن ذلك مباح أو مندوب إليه أفضل من غيره، إن ذلك ليس بصحيح، ولن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها، وإنه ليكفي من يغتر بعمل المتأخرين من هذه الطائفة المتصفين بالصوفية أن صدورها لم يتخذوا رباطًا ولا زاوية، ولم يبنوابناء يضاهون به الصفة للاجتماع على التعبد والانقطاع عن أسباب الدنيا، كالفضيل بن عياض وإبراهيم بن أدهم والجنيد، وإبراهيم الخواص، والحارث المحاسبي، والشبلي، وغيرهم ممن سابق في هذا الميدان، وإنما محصول هؤلاء أنهم خالفوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وخالفوا السلف الصالح، وخالفوا شيوخ الطريقة التي انتسبوا إليها.
وكأني بالشاطبي لا يخالف إلا في بناء الربط والزوايا للانقطاع للعبادة، أما الانقطاع للعبادة في مسجد أو منزل فلا يخالف فيه، بدليل إقراره لما كان عليه سلف هذه الطائفة من الزهد والانقطاع للعبادة في غير الربط والزوايا، مع أن طريقتهم في ذاتها غير صحيحة كما سبق بيان ذلك غير مرة، ولو كانت ذاتها صحيحة لهان أمر الربط والزوايا التي تتخذ لها.
والحق أن نظام الصفة نظام دائم لا مؤقت، لأنه يقصد منه كفاية الفقراء الذي لا يجدون كسبًا، حتى لا يتعرضوا لسؤال الناس، وهذا نظام يجب أن يعمل به في كل زمان ومكان، ولا يصح أن يقال إن وظيفته انتهت بعد الفتوحات الإسلامية، بل هو باق ما بقي في الدنيا فقراء لا يجدون كسبًا، وللإسلام فضل السبق إلى إنشاء هذا النظام، وهو نظام الملاجئ الشائع بيننا الآن.
وثانيهما: مذهبه في علم الكلام، فقد ذهب في ذمه مذهب المتشددين من أهل السنة، كالإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، وغيرهم من أئمة الحديث والفقه، وقد ذكر عن الحسن بن زياد اللؤلؤي أن رجلًا قال له في زُفر بن الهذيل: أكان ينظر في الكلام؟ فقال: سبحان الله ما أحمقك! ما أدركت مشيختنا زفر وأبا يوسف وأبا حنيفة ومن جالسنا وأخذنا عنهم همهم غير الفقه والاقتداء بمن تقدمهم.
والشاطبي في هذا كابن تيمية وابن القيم الجوزية، مجدد في ناحية الفقه وأصوله، وإن كان دونهما في ذلك، وجامد متشدد في العقائد، يرى أن الناجي فيها فرقة واحدة لا غير، وهي فرقة السلف من أهل السنة، وكانت تجري النصوص على ظواهرها، وتذم ما يسلكه غيرها من التأويل فيها، وكان مذهبهم هو الغالب على الناس في أول الأمر، فلما جاء الأشعري لم يتهيب من التأويل ما تهيبوه، ولكنه لم يسرف فيه كما أسرف المعتزلة قبله، وقد غلبت طريقته على جمهور المسلمين، ولم يبق إلا قليل يتمسك بما كان عليه سلف أهل السنة، وأكثرهم من أتباع الإمام أحمد بن حنبل، ولا حرج عندي عليهم في التمسك بمذهب ذلك السلف، ولنا مآخذ عليهم أنهم إلى وقتنا هذا لا يأخذون غيرهم بالتسامح، وهذا يدعو إلى أن يقابلوا بمثل هذا من مخالفيهم، وليس هذا في مصلحة الإسلام، لأنه يثير العداوة بين أبنائه، والواجب أن ينتصر كل فريق منا لمذهبه بالتي هي أحسن، لأن هذا هو الأصل الذي قامت عليه الدعوة الإسلامية، فلا يدعي المخالفون إليها بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا شك أن هذا يكون فيما بين المختلفين من المسلمين من باب أولى، لأن الخلاف بينهم لا يصل إلى درجة الخلاف بينهم وبين غيرهم" أ. هـ.
• قلت: وقال الشيخ بكر أبو زيد في تقديمه لكتاب "الموافقات" (1): "ذلكم هو الإمام المجيد العلامة المصلح، الزاهد، الورع، المحتسب، الناصر للسنة القامع للبدعة".
وقال: "هو مؤلف غرناطة الإبداعي في كتبه:

"الموافقات" في أصول الفقه ومقاصدها، و"الاعتصام" في السنة وقمع البدعة، و "الإفادات والإنشادات" .. وهو -رحمه الله عليه- هي مؤلفات هذه بعيد عن طرق التأليف التقليدية، وللعمل المكرور وإنما يفترعها افتراعًا، ويُبدع فيها إبداعًا، لأنه قد اتخذ القرآن والسنة له نبراسًا وإمامًا، وحذف "لسان العرب" لغةً، ونحوًا، وفقهًا، واشتقاقًا بما لم يدرك ثناؤه من لحقه .. وهذا الإمام الفذُّ - رحمة الله عليه - قد اشتهر في قطره ثم ذاع صيته في المشارق والمغارب، لمناداته بالسنة، والاعتصام بها، ورفضه الجمهور والتقليد، وإنكاره التصوف والبدع المضلة، ودعوته الملحة إلى الدليل .. " أ. هـ.
• قلت: وننقل إليك عزيزي القارئ، بعض المواطن التي ذكرها في كتابه "الموافقات" في تأويل بعض ما ذكره مثل: الثواب والعفاف، ومسألة متشابه القرآن، وغيرهما وإليك بعضها:
قال في كتابه "الموافقات" (2/ 194):
"والحب والبغض من الله تعالى، إما أن يراد بهما نفس الإنعام أو الانتقام؛ فيرجعان إلى صفات الأفعال على رأي من قال بذلك، وإما أن يراد بهما إرادة الإنعام والانتقام؛ فيرجعان إلى صفات الذات لأن نفس الحب والبغض المفهومين في كلام العرب حقيقة محالان على الله تعالى ... " إلى آخر الكلام.
أما في (2/ 256) فقد قال:
"لأنا نقول: تسمية الجزاء المرتب على الاعتداء اعتداءً مجاز معروف مثله في كلام العرب، وفي الشريعة من هذا كثير؛ كقوله تعالى: {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 15] " أ. هـ.
• قلت: لقد جعل الاستهزاء الوارد في هذه الآية له معنى مجازي.
ثم ذكر التشابه في الآية الواردة في القرآن فقال (3/ 318):
"إن التشابه باعتبار وقوع الأدلة مع ما يعارضها كالعام والخاص وما ذكر معه قليل، وأن ما عد منه غير معدود منه، وإنما يعد منه التشابه الحقيقي خاصة.
وأما مسائل الخلاف وإن كثرت؛ فليست من المتشابهات بإطلاق، بل فيها ما هو منها وهو نادر؛ كالخلاف الواقع فيما أمسك عنه السلف الصالح فلم يتكلموا فيه بغير التسليم له والإيمان بغيبه المحجوب أمره عن العباد؛ كمسائل الاستواء، والنزول، والضحك، واليد، والقدم، والوجه، وأشباه ذلك.
وحين سلك الأولون فيها مسلك التسليم وترك الخوض في معانيها؛ دل على أن ذلك هو الحكم عندهم فيها، وهو ظاهر القرآن، لأن الكلام فيما لا يحاط به جهل، ولا تكليف يتعلق بمعناها، وما سواها من مسائل الخلاف ليس من أجل تشابه أدلتها؛ فإن البرهان قد دل على خلاف ذلك، بل من جهة نظر المجتهد في مخارجها ومناطقها، والمجتهد لا تجب إصابته لما في نفس الأمر، بل عليه الاجتهاد بمقدار وسعه، والأنظار تختلف باختلاف القرائح والتبحر في علم الشريعة؛ فلكل مأخذ يجري عليه، وطريق يسلكه بحسبه لا بحسب ما في نفس الأمر".
ثم قال في (3/ 323): "إن المراد بالأصول  القواعد الكلية، كانت في أصول الدين أو في أصول الفقه، أو في غير ذلك من معاني الشريعة الكلية لا الجزئية، وعند ذلك لا نسلم أن التشابه وقع فيها ألبتة، وإنما [وقع] في فروعها؛ فالآيات الموهمة للتشبيه والأحاديث التي جاءت مثلها فروع عن أصل التنزيه".
• قلت: ولقد ردَّ شيخ الإسلام ابن تيمية على أن المتشابه في القرآن في حصرها على الأسماء والصفات.
وفي (4/ 155) من الموافقات قال في مسألة الفوقية والجهة:
"قوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50]، {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] وأشباه ذلك، إنما جرى على معتادهم في اتخاذ الآلهة في الأرض، وإن كانوا مقرين بإلهية الواحد الحق؛ فجاءت الآيات بتعيين الفوق وتخصيصه تنبيهًا على نفي ما ادّعوه في الأرض؛ فلا يكون فيه دليل على إثبات جهة ألبتة، ولذلك قال تعالى: {فَخَرَّ عَلَيهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 26]؛ فتأمله، واجْر على هذا المجرى في سائر الآيات والأحاديث" أ. هـ.
وفاته: سنة (790 هـ) تسعين وسبعمائة.
من مصنفاته: "شرح الخلاصة" في أربعة أسفار و"أصول النحو" و"الموافقات" في أصول الفقه جليل جدًّا لا نظير له، و"الاعتصام".





مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید