المنشورات

النسائي

المفسر أحمد بن شعيب (1) بن علي بن سنان بن بحر بن دينار أبو عبد الرحمن النسائي (2) الحافظ الإمام، شيخ الإسلام، صاحب السنن.
ولد: سنة (215 هـ) خمس عشرة ومائتين.
من مشايخه: قتيبة بن سعيد وعلي بن خشرم وعلي بن حجر وخلق.
من تلامذته: أحمد بن عُمَير بن جَوصا، ومحمد بن جعفر بن ملاس وغيرهم.
كلام العلماء فيه:
• سؤالات حمزة السهمي إلى الدارقطني: القول للدارقطني: "أبو عبد الرحمن، فإنه لم يكن مثله أقدم عليه أحدًا، ولم يكن في الورع مثله لم يحدّث بما حدث ابن لهيعة، وكان عنده عاليًا عن قتيبة" أ. هـ.
• المنتظم: "وكان إمامًا في الحديث، ثقة ثبتًا حافظًا، فقيهًا" أ. هـ.
• السير: "كان من بحور العلم، مع الفهم والإتقان والبصر ونقد الرجال وحسن التصنيف .. وكان شيخًا مهيبًا مليح الوجه، ظاهر الدَّم، حَسن الشيبة".
وقال: "قال مأمون المصري المحدث: خرجنا إلى طرسوس مع النسائي سنة الفداء، فاجتمع جماعة من الأئمة: عبد الله بن أحمد بن حنبل، ومحمد بن إبراهيم مُربع، وأبو الأذان، وكيلجة (3)، فتشاوروا: من ينتقي لهم على الشيوخ؟ فأجمعوا على أبي عبد الرحمن النسائي، وكتبوا كلهم بانتخابه.
قال الحاكم: كلام النسائي على فقه الحديث  كثير، ومن نظر في سننه تحير في حسن كلامه.
قال ابن الأثير في أول "جامع الأصول" (1): كان شافعيًّا، له مناسك على مذهب الشافعي، وكان ورعًا متحريًا، قيل: إنه أتى الحارث بن مسكين في زي أنكره، عليه قلنسوة وقباء، وكان الحارث خائفًا من أمور تتعلق بالسلطان، فخاف أن يكون عينًا له، فمنعه، فكان يجيء فيقعد خلف الباب ويسمع، ولذلك ما قال: حدثنا الحارث، وإنما يقول: قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع.
قال ابن الأثير: وسأل أمير أبا عبد الرحمن عن سننه: أصحيح كله؟ قال: لا قال: فاكتب لنا منه الصحيح. فجرد المجتنى (2).
قلت: هذا لم يصح، بل المُجتنى اختيار ابن السني" (3) أ. هـ.
• تاريخ الإسلام: "كان مليح الوجه، ظاهر الدم مع كبر السن. وكان يؤثر لباس البرود النوبية الخضر، ويكثر الجماع، مع صوم يوم وإفطار يوم.
وكان له أربع زوجات يقسم لهن، ولا يخلو مع ذلك من سرية. وكان يكثر أكل الديوك الكبار تشتري له وتسمن، فقال بعض الطلبة: ما أظن أبا عبد الرحمن إلا أنه يشرب النبيذ للنضرة التي في وجهه.
وقال آخرون: ليت شعرنا، ما يقول في إتيان النساء في أدبارهن؟ فسئل فقال: النبيذ حرام، ولا يصح في الدبر شيء، ولكن حدث محمد بن كعب القرظي، عن ابن عباس قال: اسق حرثك من حيث شئت. فلا ينبغي أن يتجاوز قوله هذا الفصل.
سمعه الوزير ابن حنزابة، من محمد بن موسى المأموني صاحب النسائي.
وفيه: فسمعت قومًا ينكرون عليه كتاب "الخصائص" لعلي رضي الله عنه وتركه تصنيف فضائل الشيخين، فذكرت له ذلك فقال: دخلت إلى دمشق والمنحرف عن علي بها كثير، فصنفت كتاب "الخصائص" رجاء أن يهديهم الله.
ثم صنف بعد ذلك "فضائل الصحابة"، فقيل له وأنا أسمع: "ألا تخرج "فضائل معاوية".
فقال: أي شيء أخرج؟ "اللهم لا تشبع بطنه" (4).
فسكت السائل. 
قلت: لعل هذه فضيلة لقول الني - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم من لعنته أو سببته فاجعل له ذلك زكاة ورحمة" (1).
قال أبو علي النيسابوري حافظ خراسان في زمانه: حدثنا الإمام في الحديث بلا مدافعة أبو عبد الرحمن النسائي.
وقال أبو طالب أحمد بن نصر الحافظ: من يصبر على ما يصبر عليه النسائي؟ كان عنده حديث ابن لهيعة ترجمة ترجمة، يعني عن قتيبة، عنه، فما حدث بها.
وقال الدارقطني: أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره.
قال قاضي مصر أبو القاسم عبد الله بن محمد بن أبي العوام السعدي: ثنا أحمد بن شعيب النسائي: أنا إسحاق بن راهويه نا محمد بن أعين قال: قلت لابن المبارك إن فلانًا يقول: من زعم أن قوله تعالى {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه: 14] مخلوق فهو كافر. فقال المبارك: صدق.
قال النسائي: بهذا أقول.
وقال ابن طاهر المقدسي: سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل فوثقه، فقلت: قد ضعفه النسائي. فقال: يابني إن لأبي عبد الرحمن شرطًا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم.
وقال محمد بن المظفر الحافظ: سمعت مشايخنا بمصر يصفون اجتهاد النسائي في العبادة بالليل والنهار، وأنه خرج إلى الغزو مع أمير مصر، فوصف من شهامته وإقامته السنن المأثورة في فداء المسلمين، واحترازه عن مجالس السلطان الذي خرج معه، والانبساط في المأكل. وأنه لم يزل ذلك دأبه إلى أن استشهد بدمشق من جهة الخوارج.
وقال الدارقطني: كان ابن الحداد أبو بكر كثير الحديث، ولم يحدث عن غير النسائي، وقال: رضيت به حجة بيني وبين الله تعالى.
وقال أبو عبد الرحمن بن منده، عن حمزة العقبي المصري وغيره أن النسائي خرج من مصر في آخر عمره إلى دمشق، فسئل بها عن معاوية وما روي في فضائله فقال: لا يرضى رأسًا برأس حتى يفضل!
قال: فما زالوا يدفعون في حضنيه حتى أخرج من المسجد، ثم حمل إلى الرملة، وتوفي بها، رحمه الله ورضي عنه.
وقال الدارقطني: إنه خرج حاجًا فامتحن بدمشق، وأدرك الشهادة، فقال: احملوني إلى مكة، فحمل وتوفي بها، وهو مدفون بين الصفا والمروة.
وكانت وفاته في شعبان سنة ثلاث وثلاثمائة.
قال: وكان أفقه مشايخ مصر في عصره وأعلمهم بالحديث والرجال.
وقال أبو سعيد بن يونس في تاريخه: كان إمامًا حافظًا، ثبتًا خرج من مصر في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثمائة وتوفي بفلسطين يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من صفر سنة ثلاث وثلاثمائة.
قلت -أي الذهبي-: هذا هو الصحيح، والله أعلم" أ. هـ.
قلت: قال الذهبي في السير: "هذا أصح؛ فإن ابن يونس حافظ يقظ، وقد أخذ عن النسائي وهو به عارف، ولم يكن أحد في رأس أحفظ من النسائي، وهو أحذق بالحديث وعلله ورجاله من مسلم، ومن أبي داود، ومن أبي عيسى وهو جار في مضمار البخاري، وأبي زرعة، إلا أن فيه قليل تشيع وانحراف عن خصوم الإمام علي، كمعاوية وعمرو والله يسامحه" انتهى قول الذهبي.
• طبقات الشافعية للسبكي: "سمعت شيخنا أبا عبد الله الذهبي الحافظ وسألته: أيهما أحفظ مسلم بن الحجاج صاحب "الصحيح" أو النسائي؟ فقال: النسائي ثم ذكرت ذلك للشيخ الإمام الوالد تغمده الله برحمته فوافق عليه" أ. هـ.
• البداية والنهاية: "الإمام في عصره والمقدم على أضرابه وأشكاله وفضلاء دهره رحل إلى الآفاق واشتغل بسماع الحديث والاجتماع بالأئمة الحذاق ومشايخه الذين روى عنهم مشافهة .. وقد أبان في تصنيفه -السنن- عن حفظ وإتقان وصدق وإيمان وعلم وعرفان .. " أ. هـ.
• النجوم: "كان فيه تشيع حسن" أ. هـ.
• تهذيب التهذيب: "قال ابن عدي: سمعت منصور الفقيه، وأحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي يقولان: أبو عبد الرحمن إمام من أئمة المسلمين، وقال محمد بن سعد الباوردي: ذكرت النسائي لقاسم المطرز فقال: هو إمام، أو يستحق أن يكون إمامًا وقال أبو علي النيسابوري: سألت النسائي وكان من أئمة المسلمين: ما تقول في بقية.
وقال في موضع آخر: أخبرنا النسائي الإمام في الحديث بلا مدافعة، وقال في موضع آخر: رأيت من أئمة الحديث أربعة في وطني وأسفاري، اثنان بنيسابور: محمد بن إسحاق، وإبراهيم بن أبي طالب، والنسائي بمصر، وعبدان بالأهواز.
وقال مأمون المصري: خرجنا إلى طرسوس، فاجتمع من الحفاظ عبد الله بن أحمد، ومرتع وأبو الأذان، وكليجة، وغيرهم، فكتبوا كلهم بانتخاب النسائي".
ثم قال: "وقال الحاكم: سمعت علي بن عمر الحافظ غير مرة يقول: أبو عبد الرحمن مُقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره. وقال مرة: سمعت علي بن عمر يقول: النسائي أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعرفهم بالصحيح والسقيم، وأعلمهم بالرجال، فلما بلغ هذا المبلغ حسدوه، فخرج إلى الرملة فسُئل عن فضائل معاوية، فأمسك عنه فضربوه في الجامع، فقال: أخرجوني إلى مكة فأخرجوه وهو عليل، وتوفي مقتولًا شهيدًا.
وقال الدارقطني أيضًا: سمعت أبا طالب الحافظ يقول: من يصبر على ما يصبر عليه أبو عبد الرحمن! كان عنده حديث ابن لهيعة ترجمة ترجمة فما حدث بها، وكان لا يرى أن يحدث بحديث ابن لهيعة وقال الدارقطني: كان أبو بكر بن الحداد الفقيه كثير الحديث، ولم يحدث عن أحد غير أبي عبد الرحمن النسائي فقط، وقال: رضيت به حجة بني وبين الله تعالى".
وقال أيضًا: "وقال ابن يونس: قدم مصر قديمًا وكُتب بها وكتب عنه، وكان إمامًا في الحديث ثقة ثبتًا حافظًا وكان خروجه من مصر في ذي القعدة سنة (302 هـ)، وتوفي بفلسطين يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من صفر سنة (303 هـ) " أ. هـ.
• أعيان الشيعة: "روى أنه قيل لابن المبارك فلان يقول من زعم أن قوله تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدْنِي} مخلوق فهو كافر فقال صدق قال النسائي بهذا (قال المؤلف) لا يمكن أن يكلف الله الأمم بالاعتقاد بمسألة من أدق مسائل الكلام صعب تصويرها على فحول العلماء فضلًا عن تصديقها ويجعل عدم الاعتقاد بها كفرًا كما بيناه في الجزء الأول في المقدمات ثم حكى عن سعد بن علي الزنجاني أنه قال: إن لأبي عبد الرحمن شرطًا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم. وفي ترجمة النسائي المطبوعة على ظهر سننه الصغرى عن الحاكم قال: سمعت أبا الحسنن الدارقطني غير مرة يقول أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بعلم الحديث وبجرح الرواة وتعديلهم في زمانه وكان في غاية من الورع والتقى ألا ترى أنه يروي في سننه عن الحارث بن مسكين هكذا قرئ عليه وأنا أسمع ولا يقول في الرواية عنه حدثنا وأخبرنا كما يقول في روايات أخرى عن مشائخه وكان شافعي المذهب وكان ورعًا متحريًا وكان يواظب على صوم داود وأن سننه أقل السنن بعد الصحيحين حديثًا ضيفًا بل قال بعض الشيوخ إنه أشرف المصنفات كلها وما وضع في الإسلام مثله وقال جماعة كل ما فيه صحيح لكن فيه تساهل صريح وشذ بعض المغاربة ففضله على كتاب البخاري ولعله لبعض الحيثيات الخارجة عن كمال الصحة وصنف في أول الأمر السنن الكبرى ثم صنع المجتبى من السنن الكبرى ولخص منها الصغيرة فإذا قيل رواه النسائي فالمراد هذا المختصر لا السنن الكبرى وهي إحدى الكتب الستة وإذا قالوا الكتب أو الأصول الخمسة فهي البخاري ومسلم وسنن أبي داود وجامع الترمذي ومجتبى النسائي "انتهى" ما على ظهر السنن الصغرى المطبوعة" أ. هـ. قول العاملي عن من ذكره من العلماء.
أما كلام صاحب أعيان الشيعة حول نسبة التشيع إلى الإمام النسائي فهو: "قال ابن خلكان: قال محمد بن إسحاق الأصبهاني سمعت مشائخنا بمصر يقولون إن أبا عبد الرحمن فارق مصر في آخر عمره وخرج إلى دمشق فسئل عن معاوية وما روى من فضائله فقال أما يرضى معاوية أن يخرج رأسًا برأس حتى يفضل وفي رواية أخرى ما أعرف له فضيلة إلا لا أشبع الله بطنك وكان يتشيع فما زالوا يدفعون في حضنه حتى أخرجوه من المسجد وفي رواية أخرى يدفعون في خصييه وداسوه ثم حمل إلى الرملة فمات بها وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني لما امتحن النسائي بدمشق قال: احملوني إلى مكة فحمل إليها فتوفي بها وهو مدفون بين الصفا والمروة وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني لما داسوه بدمشق مات بسبب ذلك الدوس وهو منقول قال وكان قد صنف كتاب الخصائص في فضل علي بن أبي طالب وأهل البيت وأكثر رواياته فيه عن أحمد بن حنبل فقيل له ألا تصنف كتابًا في فضائل الصحابة فقال دخلت دمشق والمنحرف عن علي بها كثير فأردت أن يهديهم الله تعالى بهذا الكتاب وقال الدارقطني امتحن بدمشق فأدرك الشهادة "أهـ" كلام ابن خلكان (1).
وفي تهذيب التهذيب قال أبو بكر المأموني سألته عن تصنيفه كتاب الخصائص فقال: دخلت دمشق والمنحرف بها عن علي كثير فصنفت كتاب الخصائص رجاء أن يهديهم الله ثم صنف بعد ذلك كتاب فضائل الصحابة وقرأها على الناس وقيل له وأنا حاضر ألا تخرج فضائل معاوية فقال: أي شيء أخرج اللهم لا تشبع بطنه وسكت وسكت السائل أ. هـ تهذيب التهذيب (2).
وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: عامة ما ذكرت سمعه الوزير ابن خيرانة عن محمد بن موسى المأموني صاحب النسائي وقال فيه سمعت قومًا ينكرون على أبي عبد الرحمن كتاب الخصائص لعلي وتركه تصنيف فضائل الشيخين فذكرت له ذلك فقال: دخلت دمشق والمنحرف عن علي بها كثير فصنفت كتاب الخصائص رجوت أن يهديهم الله به ثم أنه صنف بعد ذلك فضائل الصحابة فقيل له وأنا أسمع ألا تخرج فضائل معاوية فقال أي شيء أخرج حديث اللهم لا تشبع بطنه فسكت السائل، قال الذهبي بعد نقله لهذا: قلت لعل هذه منقبة معوية لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - اللهم من لعنته أو شتمته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة (3) قال المؤلف: النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يلعن من لا يستحق اللعن ولا يشتم من لا يستحق الشتم وهو كما وصف في القرآن الكريم على خلق عظيم فكيف يشتم أحدًا ويطلب من الله أن يجعل ذلك زكاة ورحمة وأولى بكرم أخلافه أن يطلب الزكاة والرحمة له من الله إن كان من أهلها ولا يشتمه ولا يمكن أن يشتم إلا من يعلم بأنه ليس أهلًا لهما، ثم قال الذهبي: قال أبو عبد الله بن منده عن حمزة العقبي المصري وغيره أن النسائي خرج من مصر في آخر عمره إلى دمشق فسئل بها ما جاء من فضائل معاوية فقال: ألا ترضى رأسًا برأس حتى تفضل فما زالوا يدفعون في خصييه حتى أخرج من المسجد ثم حمل إلى مكة فتوفي بها قال كذا في هذه الرواية إلى مكة وصوابه الرملة، قال الدارقطني خرج حاجًا فامتحن بدمشق وأدرك الشهادة فقال: احملوني إلى مكة فحمل وتوفي بها وهو مدفون بين الصفا والمروة (4). وقال محمد بن المظفر الحافظ سمعت مشائخنا بمصر يصفون اجتهاد النسائي في العبادة بالليل والنهار وأنه خرج إلى الغزو مع أمير مصر فوصف من شهامته وإقامته السنن المأثورة في فداء المسلمين واحترازه عن مجالس السلطان الذي خرج معه والانبساط في المأكل وأنه لم يزل ذلك دأبه إلى أن استشهد بدمشق من جهة الخوارج (5) أ. هـ.
(قال المؤلف) -أي العاملي- قوله من جهة الخوارج من المضحكات فلم يقل أحد من رواة الأخبار ونقله الآثار أن الذين دفعوا في خصيي   النسائي وداسوا بطنه في جامع دمشق حتى مات شهيدًا كانوا من الخوارج وما تصنع الخوارج في جامع دمشق والخوارج أعدى الناس لمعاوية فهل يمكن أن يفعلوا هذا بالنسائي انتصارًا له بل هم من أمثال من جعل الحديث الذي أورده النسائي من جملة المناقب.
وفي الترجمة المطبوعة بمصر على ظهر سنن النسائي الصغرى: وجرى عليه بعض الحفاظ فقال مات ضربًا بالأرجل من أهل الشام حين أجابهم لما سألوه عن فضل معاوية ليرجحوه على علي بقوله ألا يرضى معاوية رأسًا برأس حتى يفضل وفي رواية ما أعرف له فضيلة إلا لا أشبع الله بطنه وكان يتشيع فما زالوا يضربونه بأرجلهم حتى أخرج من المسجد ثم حمل إلى مكة فمات مقتولًا شهيدًا. وقال الدارقطني إن ذلك كان بالرملة وكذا قال العبدري إنه مات بالرملة بمدينة فلسطين انتهى ما على ظهر السنن (أقول) الظاهر أن ذلك جرى له بدمشق فقال لهم احملوني إلى مكة فحمل إليها فتوفي بالرملة في طريقه إلى مكة وأوصى قبل موته أن يحمل إلى مكة فحمل إليها أو أنه حمل إلى الرملة ثم إلى مكة فمات بها جمعًا بين الروايات فلذلك وقع الاشتباه من حمله إلى الرملة وموته بها أنه دفن بها أو من حمله إليها أنه مات ودفن بها والله أعلم" أ. هـ.
• قلت: لقد ذكرنا سابقًا أن علماء الشيعة وخاصة منهم الأخباريون والمؤرخون لا يجدون ملجأ إلى جعل علماء المسلمين في مذهب التشيع إلا لجئوا إليه، حتى لو كان ذلك طائفٌ من قول أو فعل أو عمل من كتاب وغيره، وهذا ما كان مع الإمام شيخ الإسلام النسائي صاحب السنن كما كان مع غيره من الأئمة الكبار إن صح ذلك وجعل مثل النسائي في مصاف مذهبهم إذن فلماذا لم يأخذوا من سننه الحديث ويعتمدوا عليه؟ أليس هو أحد المنتسبين لهم -على زعمهم- وما خالفوا ما أرادوه إلا هوى في أنفسهم لصد عن سبيل الله تعالى، وأما تشيع النسائي وما قيل عنه، وكما أوردناه آنفًا، لعله خوفًا من الفتنة وهو أقرب إلى الصواب، وأما اعتقاد المذهب فهو بعيد وما قاله الذهبي: "قليل التشيع وانحرف عن خصوم الإمام علي كمعاوية وعمرو .. " أ. هـ.
ولعله لرؤيته قرب الحق من علي رضي الله عنه ومن اتبعه، وما كان عليه الناس في وقت النسائي على التفريق بين من جعل له ميلًا إلى فرقة ما وخاصة أهل الشام الذين غلوا في حب معاوية والتنقص -بعضهم- من علي رضي الله عنه لذلك كان التهوين في الأمر، وما كان عليه النسائي إلا امتحان وفتنة قال الدارقطني نقلًا من تذكرة الحفاظ (701/ 2): "خرج حاجًا فامتحن بدمشق وأدرك الشهادة" أ. هـ. وما كان ما قاله العلماء إلا لما صار إليه الإمام شيخ الإسلام النسائي من سوء ظن الناس أبداه وألفه في كسر الفتنة.
وأيضًا نود أن نشير إلى ما قاله مركز السنة للبحث العلمي في مقدمة تفسير النسائي ففي (1/ 69) قالوا: "أما عقيدته فهي عقيدة أهل السنة، يتبين ذلك واضحًا جليًا من خلال ما نقل عنه، ومن خلال مؤلفاته التي تركها ويؤكده ما نقله طلابه عنه وأقرانه ومن عايشوه خصوصًا كتاب الإيمان وشرائعه من المجتبى من سننه".

قلت: وذلك واضح فيما نقله أصحاب السير والتواريخ حول خلق القرآن وجعل -أي النسائي- من قال بذلك كافر فليراجع ما نقلناه سابقًا محمد الله تعالى.
وإليك أيضًا ما قيل في مقدمة تفسير النسائي (1) (ص 70): "فهذا النقل عنه يدلنا على مدى صفاء عقيدته وأخذه بأقوال أهل السنة وأئمتهم أمثال عبد الله بن المبارك فيما وافق الحق. ونظرة سريعة على كتاب الإيمان وشرائعه من المجتبي توضح هذا الأمر وتزيده يقينا مثل باب "تفاضل أهل الإيمان)، باب "زيادة الإيمان" وغيرها من الأبواب وألتراجم الموجودة في كتب أهل السنة والجماعة.
وقد زعم جماعة من أهل العلم أن النسائي كان متشيعا (! ).
قال ابن خلكان: "وكان يتشيع" (2). [بعد ذكر ما نسب إلى الحاكم من التشيع] (3).
وقال الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728): "وتشيع [أمثاله من] (4) أهل العلم بالحديث، كالنسائي وابن عبد البر (ت 463) وأمثالهما لا يبلغ إلى تفضيله علي -أي على أبي بكر وعمر- فلا يعرف في علماء الحديث من يفضله عليهما" (5).
وقال الذهبي: "فيه قليل تشيع وانحراف عن خصوم الإمام علي كمعاوية وعمرو، والله يسامحه" (6).
وقال ابن كثير: "وقد قيل عنه إنه كان ينسب إليه شيء من التشيع" (7).
وقال ابن تغري بردي: "وكان فيه تشيع حسن" (8).
والذي دعاهم إلى ذلك وأثار الشك حوله تصنيفه كتاب "خصائص علي" وحكايته مع أهل دمشق، قال الوزير ابن حنزابة (ت 391 هـ): "سمعت محمد بن موسى المأموني -صاحب النسائي- قال: سمعت قوما ينكرون على أبي عبد الرحمن النسائي كتاب "الخصائص" لعلي رضي الله عنه وتركه تصنيف فضائل الشيخين، فذكرت له ذلك، فقال: دخلت دمشق والمنحرف بها عن علي كثير فصنفت كتاب "الخصائص" رجوت أن يهديهم الله تعالى. ثم إنه صنف بعد ذلك فضائل الصحابة [وقرأها على الناس] فقيل له وأنا أسمع: ألا تخرج فضائل معاوية رضي الله عنه؟ فقال أي شيء أخرج؟ حديث: "اللهم لا تشبع بطنه" فسكت السائل (9).
وروى أبو عبد الله بن منده (ت 395 هـ) عن حمزة العقبي المصري وغيره، أن النسائي خرج من مصر في آخر عمره إلى دمشق، فسئل بها عن معاوية، وما جاء في فضائله، فقال: ألا يرضى رأسًا برأس حتى يُفضل.
وفي رواية: ما أعرف له فضيلة إلا، لا أشبع الله بطنه".
فما زالوا يدفعون في حِضْنَيْه حتى أخرجوه من المسجد، وفي رواية أخرى "يدفعون في حضنيه وداسوه، ثم حمل إلى الرحلة فمات".
وقال ابن كثير في بدايته: "وإنه إنما صنف الخصائص في فضل علي وأهل البيت، لأنه رأى أهل دمشق حين قدمها في سنة اثنتين وثلاثمائة عندهم نفرة من علي، وسألوه عن معاوية، فقال ما قال، فدفعوه في خصيتيه فمات".
هذا ما قاله هؤلاء الأئمة في اتهامه بالتشيع وسببه.
لكن في هذا الكلام وهذه التهمة له نظر كبير. وأشار لتضعيف هذا ابن كثير بقوله -السابق نقله-: "قد قيل عنه إنه كان ينسب إليه شيء من التشيع" فانظر كيف استبعد هذا الأمر واستثقله بالإشارة لضعفه بـ"قيل عنه" و"كان يُنسب إليه" وقوله "شيء" لا أنه متشيع.
وقول ابن تغري بردي: "كان فيه تشيع حسن" وقول الذهبي: "قليل تشيع".
ثم قال في الدفاع عنه (ص 730):
قال الشيخ أبو إسحاق الجويني حجازي بن محمد في معرض دفاعه عن الإمام النسائي:
"وفي ذلك نظر عندي .. فكأنهم اتهموه بالتشيع لأمرين:
الأول: أنه صنف في فضائل علي في دمشق رغم كثرة المخالفين وهياج السواد الأعظم عليه، مع كونه لم يكن صنف في فضائل الشيخين وعثمان رضي الله عنهم.
الثاني: غضه لمعاوية رضي الله عنه.
-فأما الجواب عن الأمر الأول، فقد أوضحه النسائي نفسه، وذلك أنه دخل دمشق وأهل الشام موقفهم من علي معروف ومشتهر، فبادر بتصنيفه "الخصائص" رجاء أن يهديهم الله تعالى: إلى الحق في المسألة وهو: تفضيل علي على معاوية رضي الله عنهما.
وأما الجواب عن الأمر الثاني: فجواب دقيق يحتاج إلى تأمل، والذي يظهر لي أن النسائي ما قصد الغض من معاوية قط -إن شاء الله تعالى- ولكن جرى أهل العلم والفضل -كما قال الشيخ العلامة ذهبي العصر المعلمي اليماني رحمه الله تعالى في التنكيل (1) - على أنهم إذا رأوا بعض الناس غلوا في بعض الأفاضل أنهم يطلقون فيهم بعض كلمات يؤخذ منها الغض من ذاك الفاضل، لكي يكف الناس عن الغلوفيه الحامل على أتباعه فيما ليس لهم أن يتبعوه فيه؛ وذلك لأن كثر الناس مغرمون بتقليد من يعظم في نفوسهم والغلو في ذلك حتى إذا قيل لهم: إنه غير معصوم عن الخطأ، والدليل قائم على خلاف قوله عن كذا، فدلّ على أنه أخطأ ولا يحل لكم أن تتبعوه على ما أخطأ فيه. قالوا: هو أعلم منك بالدليل، وأنتم أولى بالخطأ منه، فالظاهر أنه قد عرف ما يدفع دليلكم هذا! ولذا ترى بعض أهل العلم يغضُّ من مكانة ذلك الفاضل لردع هؤلاء السائمة!
فمن ذلك ما يقع في كلام الإمام الشافعي في بعض المسائل التي يخالف فيها مالكًا من اختلاق كلمات فيها غض من مالك مع ما عُرف عن الشافعي من تبجيل أستاذه مالك كما رواه عنه حرملة: "مالك حجة الله على خلقه بعد التابعين". ومنه ما تراه في كلام مسلم في "مقدمة صحيحه" مما يظهر الغض الشديد من مخالفه في مسألة اشتراط العلم باللقاء. والمخالف هو البخاري، وقد عُرِف عن مسلم تبجيله للبخاري. وأنت إذا تدبرت تلك الكلمات وجدت لها مخارج مقبولة وإن كان ظاهرها التشنيع الشديد. قلت [أي الشيخ حجازي]: "فقول النسائي في معاوية يخرج من هذا المخرج، وعلى هذا تحمل كلمته، فقد رأى خلقًا احترقوا في حب معاوية، وهلكوا في بغض علي رضي الله عنهما، فأراد أن يغض من معاوية قليلًا حتى لا يهلك فيه ذلك المحترق!
وإلا فقد قال النسائي (1) وسئل عن معاوية: "إنما الإسلام كدار لها باب، فباب الإسلام الصحابة. فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام، كمن نقر الباب إنما يريد دخول الدار، قال: فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة".
ثم إن قوله - صلى الله عليه وسلم - عن معاوية: "لا أشبع الله بطنه" لا يعدُّ ثلبًا بل هي منقبة لمن تأملها. ووجه الاستدلال على هذه المنقبة الحديث الذي رواه مسلم وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأم سليم: "أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت: اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرًا" هذه ما فهمه أئمة السلف كمسلم وغيره.
حتى قال الحافظ الذهبي: "ولعل هذه منقبة لمعاوية" أ. هـ.
وذكر المزي (2) عن الحافظ ابن عساكر أنه روى قول النسائي في معاوية، ثم قال: وهذه الحكاية لا تدل على سوء اعتقاد أبي عبد الرحمن في معاوية بن أبي سفيان، وإنما تدل على الكف عن ذكره بكل حال" أ. هـ. بتصرف يسير.
وقال د. فاروق حمادة: "فهذا قول أهل العلم في هذا الأمر، وهذا قول الإمام النسائي في معاوية والصحابة. وأزيد فاقول: "إن الإمام النسائي لما صنف كتاب فضائل الصحابة أخرج فيه أولًا فضائل الشيخين وعثمان وجعل عليًّا هو الرابع , فهذا يدل على ما ذكرناه. بل ما يؤكد نفي هذا الكلام عنه أنه أخرج أيضًا (3) في هذا الكتاب حديثين في فضائل عمرو بن العاص رضي الله عنهما، والله تعالى أعلم بالصواب.
{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أ. هـ.

وفاته: سنة (303 هـ) ثلاث وثلاثمائة.
من مصنفاته: كتاب "السنن" وله كتاب في "التفسير".







مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»


تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید