المنشورات

السِّلَفِيُّ

المقرئ: أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم، الحافظ أبو طاهر السلفي.
ولد: سنة (478 هـ) ثمان وسبعين وأربعمائة، وقيل (472 هـ) اثنتين وسبعين وأربعمائة، والأول أصح.
من مشايخه: أبو الفتح أحمد بن محمد الحداد، وأبو الخطاب علي بن عبد الرحمن بن الجراح وغيرهما.
من تلامذته: عيسى بن عبد العزيز بن عيسى، وأبو الحسن محمد بن يحيى بن ياقوت وغيرهما.
كلام العلماء فيه:
• السير: "له تصانيف كثيرة، وكان يستحسن الشعر، وينظمه، ويثيب من يمدحه.
وأخذ التصوف عن معمر بن أحمد اللُّنباني. وسمعته يقول: متى لم يكن الأصل بخطي لم أفرح به. وكان جيد الضبط، كثير البحث عما يشكل عليه. قال: وكان أوحد زمانه في علم الحديث وأعرفهم بقوانين الرواية والتحديث، جمع بين علو الإسناد وغلو الانتقاد، ويذلك كان ينفرد عن أبناء جنسه.
قال أبو علي الأوقي: سمعت أبا طاهر السلفي يقول: لي ستون سنة بالإسكندرية ما رأيت منارتها إلا من هذه الطاقة، وأشار إلى غرفة يجلس فيها.
وقال أبو سعد السمعاني في "ذيله" (1): السلفي ثقة، ورع، متقن، متثبت، فهم، حافظ، له حظ من العربية، كثير الحديث، حسن الفهم والبصيرة فيه. روى عنه محمد ابن طاهر المقدسي، فسمعت أبا العلاء أحمد بن محمد بن الفضل الحافظ بأصبهان يقول: سمعت ابن طاهر يقول: سمعت أبا طاهر الأصبهاني، وكان من أهل الصنعة، يقول: كان أبو حازم العبدوي، إذا روى عن أبي سعد الماليني، يقول: أخبرنا أحمد بن حفص الحديثي، هذا أو نحوه. وقد صحب السلفي والدي مدة ببغداد، ثم سافر إلى الشام، ومضى إلى صور، وركب البحر إلى مصر، وأجاز لي مروياته في سنة ثمان وخمسين وخمس مئة.
وقال عبد القادر الرهاوي: سمعت من يحكي  عن ابن ناصر أنه قال عن السلفي: كان يغداد كأنه شعلة نار في تحصيل الحديث. وسمعت محمد بن أبي الصقر يقول: كان السلفي إذا دخل على هبة الله ابن الأكفاني يتلقاه، وإذا خرج يشيعه.
ثم قال عبد القادر: كان له عند ملوك مصر الجاه والكلمة النافذة مع مخالفته لهم في المذهب -يريد عبد القادر الملوك الباطنية المتظاهرين بالرفض (1) - وقد بنى الوزير العادل ابن السلار مدرسة كبيرة، وجعله مدرسها على الفقهاء الشافعية، وكان ابن السلار له ميل إلى السنة.
قال عبد القادر الحافظ: وكان أبو طاهر لا تبدو منه جفوةٌ لأحد، ويجلس للحديث فلا يشرب ماءً، ولا يبزق، ولا يتورك، ولا تبدو له قدم، وقد جاز المئة. بلغني أن سلطان مصر حضر عنده للسماع، فجعل يتحدث مع أخيه، فزبرهما، وقال: أيش هذا، نحن نقرأ الحديث، وأنتما تتحدثان؟ ! وبلغني أن مدة مقامه بالإسكندرية ما خرج منها إلى بستان ولا فرجة سوى مرة واحدة، بل كان لازمًا مدرسته، وما كنا نكاد ندخل عليه إلا ونراه مطالعًا في شيء، وكان حليمًا متحملًا لجفاء الغرباء.
خرج من بغداد سنة خمسمائة إلى واسط والبصرة، ودخل خوزستان وبلاد السيس ونهاوند، ثم مضى إلى الدربند، وهو آخر بلاد الإسلام، ثم رجع إلى تفليس وللاد أذربيجان، ثم خرج إلى ديار بكر، وعاد إلى الجزيرة ونصيبين وماكسين، ثم صعد إلى دمشق.
ولما دخل الإسكندرية رآه كبراؤها وفضلاؤها، فاستحسنوا علمه وأخلاقه وآدابه، فأكرموه، وخدموه، حتى لزموه عندهم بالإحسان.
وحدثني رفيق لي عن ابن شافع (2)، قال: السلفي شيخ العلماء، وسمعت بعض فضلاء همذان يقول: السلفي أحفظ الحفاظ.
قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في ترجمة السلفي: حدث بدمشق، وسمع منه بعض أصحابنا، ولم أظفر بالسماع منه، وسمعت بقراءته من عدة شيوخ، ثم خرج إلى مصر وسمع بها، واستوطن الإسكندرية، وتزوج بها امرأة ذات يسار، وحصلت له ثروة بعد فقر وتصوف، وصارت له بالإسكندرية وجاهة، وبنى له أبو منصور علي بن إسحاق بن السِّلار الملقب بالعادل أمير مصر مدرسة ووقف عليها. أجاز لي جميع حديثه، وحدثني عنه أخي.
سمعت الإمام أبا الحسين بن الفقيه يقول: سمعت الحافظ زكي الدين عبد العظيم يقول: سألت الحافظ أبا الحسن علي بن المفضل عن أربعة تعاصروا، فقلت: أيما أحفظ أبو القاسم بن عساكر أو أبو الفضل بن ناصر؟ فقال: ابن  عساكر. قلت: أيما أحفظ ابن عساكر أو أبو موسى المديني؟ فقال: ابن عساكر. قلت: أيما أحفظ ابن عساكر أو أبو طاهر السلفي؟ قال: السلفي شيخنا! قلت: فهذا الجواب محتمل كما ترى، والظاهر أنه أراد بالسلفي المبتدأ وبشيخنا الخبر، ولم يقصد الوصف، وإلا فلا يشك عارف بالحديث أن أبا القاسم حافظ زمانه، وأنه لم ير مثل نفسه.
قال الحافظ عبد القادر: وكان السلفي آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، حتى إنه قد أزال من جواره منكرات كثيرة. ورأيته يومًا، وقد جاء جماعة من المقرئين بالألحان، فأرادوا أن يقرؤوا فمنعهم من ذلك، وقال: هذه القراءة بدعة، بل اقرؤوا ترتيلًا، فقرؤوا كما أمرهم.
أنبأنا أحمد (1) بن سلامة، عن الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد، ومن خطه نقلت جزءًا فيه نقل خطوط المشايخ للسلفي بالقراءات، وأنه قرأ بحرف عاصم، على أبي سعد المطرز، وقرأ بروايتي حمزة والكسائي، على محمد بن أبي نصر القصار، وقرأ لقالون على نصر بن محمد الشيرازي، وبرواية قنبل، على عبد الله بن أحمد الخرقي. وقد قرأ على بعضهم في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة.
قال الحافظ ابن نقطة: كان السلفي جوّالًا في الآفاق، حافظًا، ثقة، متقنًا، سمع منه أشياخه وأقرانه، وسأل عن أحوال الرجال شجاعًا الذهلي، والمؤتمن الساجي، وأبا علي البراداني، وأبا الغنائم النرسي، وخميسًا الحوزي (2)، سؤال ضابط متقن.
قال: وحدثني عبد العظيم المنذري بمصر، قال: لما أرادوا أن يقرؤوا سنن النسائي على أبي طاهر السلفي، أتوه بنسخة سعد الخير وهي مصححة، قد سمعها من الدوني، فقال: اسمي فيها؟ قالوا: لا، فاجتذبها من يد القارئ بغيظ، وقال: لا أحدث إلا من أصل فيه اسمي. ولم يحدث بالكتاب.
قلت: وكان السلفي قد انتخب جزءًا كبيرًا من الكتاب بخطه، سمعناه من أصحاب جعفر الهمذاني، أخبرنا السلفي.
قال ابن نقطة: قال لي عبد العظيم: قال لي أبو الحسن المقدسي: حفظت أسماء وكنيّ، ثم ذاكرت السلفي بها، فجعل يذكرها من حفظه وما قال لي: أحسنت، ثم قال: ما هذا شيء مليح مني، أنا شيخ كبير في هذه البلدة هذه السنين لا يذاكرني أحد، وحفظي هكذا.
قرأت بخط عمر بن الحاجب أن "معجم السفر" للسلفي يشتمل على ألفي شيخ. كذا قال، وما أحسبه يبلغ ذلك.
قال الحسن بن أحمد الأوقي: كانوا يأتون السلفي، ويطلبون منه دعاءً لعسر الولادة، فيكتب لمن يقصده، قال: فلما كثر ذلك نظرت  فيما يكتب، فوجدته يكتب: اللهم إنهم قد أحسنوا ظنهم بي، فلا تخيب ظنهم فيَّ.
قال: وحضر عنده السلطان صلاح الدين وأخوه الملك العادل لسماع الحديث، فتحدثا، فأظهر لهما الكراهة وقال: أنتما تتحدثان، وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ؟ ! فأصغيا عند ذلك.
قلت: وقد حدث السلطان عنه.
قال الحافظ زكي الدين عبد العظيم: كان السلفي مغري بجمع الكتب والاستكثار منها، وما كان يصل إليه من المال كان يخرجه في شرائها، وكان عنده خزائن كتب، ولا يتفرغ للنظر فيها، فلما مات وجدوا معظم الكتب في الخزائن قد عفنت، والتصق بعضها ببعض لنداوة الإسكندرية، فكانوا يستخلصونها بالفأس، فتلف أكثرها"أ. هـ.
• غاية النهاية: "حافظ الإسلام وأعلى أهل الأرض إسنادًا في الحديث والقراءات مع الدين والثقة والعلم" أ. هـ.
• مقدمة كتابًا معجم السفر" تحقيق الدكتورة بهيجة الحسني قالت في صفحة (42) وتحت عنوان (أقوال السلف فيه):
وصف المؤرخون أبا طاهر: بأنه كان عالمًا فاضلًا محدثًا ثقة ثبتًا ورعًا جليلًا. كان أوحد زمانه في علم الحديث وأعرفهم بقوانين الرواية والتحديث. وأجمعوا على إحسان الثناء عليه، وإسناد جماع الفضائل إليه.
قال السمعاني.
"كان فاضلًا مكثرًا رحالًا. عني بجمع الحديث وسماعه. وصار من الحفاظ المشهورين".
وقال ابن خلكان:
"أحد الحفاظ المكثرين ... وقصده الناس من الأماكن البعيدة وسمعوا عليه، وانتفعوا به، ولم يكن في آخر عمره في عصره مثله".
وقال الذهبي:
"كان متقنًا متثبتًا ديِّنًا خيِّرًا حافظًا ناقدًا مجموع الفضائل انتهى إليه علو الإسناد".
"وكان جيد الضبط، كثير البحث عما يشكل.
وكان أوحد زمانه في علم الحديث، وأعرفهم بقوانين الرواية والتحديث. جمع بين علو الإسناد وعلو الانتقاد، تفرد على أبناء جنسه".
وقال الذهبي ينقل عن السمعاني:
"وأبو طاهر ثقة، ورع، متقن ثبت حافظ، له حظ من العربية كثير الحديث، حسن البصيرة فيه".
وقال الذهبي عن ابن الشافع: "السلفي شيخ العلماء".
"السلفي أحفظ بالحفّاظ".
وقال الذهبي:
"كان آمرًا بالمعروف: ناهيًا عن المنكر، أزال من جواره منكرات كثيرة". "وكان حليمًا".
وقال المقرئ:
"الشيخ الحافظ إمام الحدثين".
وقال ابن حجر العسقلاني:
"السلفي شيخ الإسلام وحجة الرواة".
وقال الصفدي:
"كان إمامًا مجددًا محدثًا حافظًا جهبذًا فقيهًا مفننًا، نحويًا ماهرًا لغويًّا محققًا ثقة فيما ينقله، حجة ثبتًا، انتهى إليه علو الإسناد في البلاد". 




"وكان كأنه شعلة نار في تحصيل الحديث".
وقال ابن الدبيثي:
"حافظ متقن مشهور".
وقال ابن الجزري:
"حافظ الإسلام وأعلى أهل الأرض إسنادًا في الحديث والقراءات مع الدين والثقة والعلم".
وقال ابن حجر العسقلاني:
"فالسلفي شيخ الإسلام، وحجة الرواة".
وقال ابن كثير:
"الحافظ الكبير المعمر".
وقال اليافعي:
"الحافظ العلامة الكبير مسند الدنيا"
وقال ابن العماد:
"الحافظ العلامة الكبير، مسند الدنيا، ومعمر الحفاظ".
وقال السبكي:
"الحافظ الكبير".
"كان حافظًا جليلًا، وإمامًا كبيرًا، واسع الرحلة، دينًا، ورعًا، حجة، ثبتًا. فقيهًا، لغويًّا، انتهى إليه علو الإسناد مع الحفظ والإتقان".
وقال السبكي ينقل عن ابن نقطة:
"كان حافظًا ثقة جوالًا في الآفاق سآلًا عن أحوال الرجال، شجاعًا".
وقالت الدكتورة بهيجة في صفحة (60) وتحت عنوان (مذهبه):
"كان السلفي شافعي المذهب باتفاق المؤرخين، أخذ الفقه الشافعي عن الإمام شمس الإسلام أبي الحسن علي بن محمد بن علي الكيا الهراسي وعن الإمام الكبير فخر الإسلام، محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر أبي بكر الشاشي، وعن يوسف بن علي الزنجاني.
ومما سجله لنا السبكي من آراء السلفي في الفقه. هو: أنه كان ينكر القراءة بالألحان ويراها بدعة. قال:
جاء جماعة من المقرئين بالألحان، فأرادوا أن يقرأوا. فمنعهم من ذلك، وقال: هذه القراءة بدعة، بل اقرأوا ترتيلًا. فقرأوا كما أمرهم.
ويخبرنا السبكي أن اليهود رفعوا قصة إلى السلطان صلاح الدين يسألونه أن يتحاكموا إلى مقدم شريعتهم وأن يتوارثوها حسب شرعهم من غير أن يعترضهم في ذلك معترض، وإن كان في الورثة صغير أو غائب. كان المحتاط على نفسه مقدمهم، وسؤالهم، حمل الأمر على العادة. فعرض السلطان صلاح الدين هذه المسألة على الفقهاء من المالكية والشافعية ليفتوه فيها.
فكتب الحافظ أبو طاهر السلفي:
"الحكم بين أهل الذمة إلى حاكمهم، إذا كان مرضيًا باتفاق منهم كلهم، وليس لحاكم المسلمين النظر في ذلك، إلا إذا أتاه الفريقان، وهو إذًا مخير، كما في التنزيل: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَينَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} وأما مال الغائب والطفل، فهو مردود إلى حاكمهم، وليس لحاكم المسلمين فيه نظر، إلا بعد جرحه بينة عليه، وجبايةٍ ظاهرة، وبالله التوفيق".
ويذكر السبكي أن والده ناقش هذه الفتيا في كتابه: "كشف الغمة في ميراث أهل الذمة": فمما قاله:
"وأما السلفي فهو محدث جليل، وحافظ كبير، وما له وللفتوى وما رأيت له قط فتوى غير هذه وما كان ينبغي أن يكتب، فإن لكل عمل رجالًا" أ. هـ.
وفاته: سنة (576 هـ) ست وسبعين وخمسمائة.
من مصنفاته: "الأربعون البلدانية" التي لم يسبق إلى تخريجها وقل أن يتهيأ ذلك إلا لحافظ عرف باتساع الرحلة. و"السفينة البغدادية" في جزأين كبيرين، و "الوجيز في الجاز والمجيز" وغيرها.




مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید