المنشورات

ابن المُعَذَّل

المفسر أحمد بن المعذل (1) بن غيلان بن الحكم العبدي -من بني عبد قيس- أبو الفضل.
من مشايخه: بشر بن عمر الزهراني، وعبد الملك بن الماجشون وغيرهما.
من تلامذته: إسماعيل القاضي، وأخوه حماد، ويعقوب بن شيبة السَّدوسي.
كلام العلماء فيه:
• ترتيب المدارك: "قال أبو عمر الصدفي: هو ثقة، كان أبو حَاتِم يثني عليه، قال أبو سليمان الخطابي: أحمد بن المعذل مالكي المذهب يعد في زهاد البصرة وعلمائها ... قال أبو القاسم الشافعي المعروف بعبيد: كان ابن المعذل من العلماء الأدباء الفصحاء النظار. قال ابن حارث: كان فقيهًا بمذهب مالك، ذا فضل وورع ودين وعبادة ...
وقال ابن الجراح في كتابه (الورقة): كان ابن المعذل فقيهًا نبيلًا له أشعار ملاح.
قال أبو إسحاق الحضرمي وغيره: كان أحمد بن المعذل من الفقه والنسك والأدب والحلاوة في غاية، وكان أخوه عبد الصمد يؤذيه ويهجوه.
كان أحمد بن المعذل: من الأبهة والتمسك بالمنهاج والتجنب العيب والتعرض له في أيدي الناس، وضمار الزهد فيه على غاية ...
وذكر ابن الحارث عنه أنه كان يقف في القرآن، ولعله ذلك تقية، ولعله في وقت المحنة أو كراهة للكلام فيما لم يتكلم فيه السلف كما ذكرنا عن غيره، وأما أبو الفرج الأصبهاني في كتابه الكبير (2) فنحله ما لا يقوله ولا يعرف له  
بوجه .. " أ. هـ
• تاريخ الإِسلام: "قال أبو إسحاق الشيرازي: كان من أصحاب عبد الملك ابن الماجشون ومحمد بن سلمة وكان ورعًا متبعًا للسنة، وكان مفوهًا له مصنفاته.
وقال أبو بكر النقاش: قال لي أبو خليفة الجمحي: أحمد بن المعذل أفضل من أحمدكم، يريد أحمد بن حنبل.
وقال أبو إسحاق الحضرمي: كان أحمد بن المعذل من الفقه والسكينة والأدب والحلاوة في غاية، وكان أخوه عبد الصمد بن المعذل الشاعر يؤذيه ويهجوه، وكان أحمد يقول له: أنت كالإِصبع الزائدة، إن تركت شانت، وإن قطعت آلمت.
ولأحمد بن المعذل أخبار. وكان أهل البصرة يسمونه الراهب لدينه وتعبده.
قال أبو داود: وإن ابن المعذل ينهاني عن طلب الحديث.
وقال حرب الكرماني: سألت أحمد بن حنبل: أيكون من أهل السنة من قال: لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق. قال: لا, ولا كرامة. وقد بلغني عن ابن معذل الذي يقول بهذا القول أنه فتن الناس من أهل البصرة كثير.
وقال أبو قلابة الرقاشي: قال لي أحمد بن حنبل: ما فعل ابن معذل؟
قلت: هو على نحو ما بلغك.
فقال: أما إنه لا يفلح.
وقال نصر بن علي: قال الأصمعي، ومر به أحمد بن معذل فقال: لا تنتهي أو تفتق في الإِسلام فتقًا.
قلت: قد كان ابن المعذل من بحور العلم، لكنه لم يطلب الحديث، ودخل في الكلام، ولهذا توقف في مسألة القرآن، رحمه الله" أ. هـ
• الوافي: "كان فقيهًا عفيفًا ورعًا عالمًا بمذهب مالك بن أنس متكلمًا، له مصنفات، وكان بعيدًا من الهزل مؤثرًا للجد، نبيهًا خطيرًا، وله أشعار زهدية، وأشعار حكمية .. " أ. هـ
• قلت: إن الوقف في فتنة خلق القرآن، هو كالذي قال بخلقه كالجهمية في وقتها وأتباعهم.
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (12/ 358): "الجهمية: هم نفاة صفات الله، المتبعون للصابئة الضالة، وصارت فروع التجهم تجول في نفوس كثير من الناس فقال بعض من كان معروفًا بالسنة والحديث: ولا نقول مخلوق ولا غير مخلوق بل نقف، وباطن أكثرهم موافق للمخلوقية ولكن وإن المؤمنون أشد رهبة في صدورهم من الله .. " أ. هـ
وقال الشيخ حافظ الحكمي في "معارج القبول" (1/ 280): "قضى السلف الصالح -رحمهم الله- على الطائفة الواقفة وهم القائلون: لا نقول القرآن مخلوق ولا غير مخلوق بأن من كان منهم يحسن الكلام فهو جهمي، ومن لم يحسن الكلام فهو منهم، بل علم أنه كان جاهلًا جهلًا بسيطًا، فهذا تقام عليه الحجة بالبيان والبرهان، فإن تاب وآمن أنه كلام الله تعالى وإلا فهو شر من الجهمية" أ. هـ
ومما نقلناه عن شيخ الإِسلام ابن تيمية والشخ حافظ الحكمي نعلم أن: (الواقفة) في خلق القرآن يقولون: إن القرآن كلام الله تعالى ولا نعلم كيف صفة كلام الله تعالى أهو مخلوق أم غير مخلوق وخاضوا في ذلك! وهذا مردود عليهم وهم في ذلك كالذي يقول بخلق القرآن، وأهل السنة والسلف يقولون: إن كلام الله غير مخلوق وهو المعتقد الصحيح والصواب الذي ما دونه كفر وضلال وانحراف عن الطريق القويم؛ لذلك فإن ابن المعذل كما ذكر الذهبي في تاريخه نقلًا عن الجماعة التي ذكرت حاله للإمام أحمد: أنه يقف في القرآن! وما قال القاضي عياض في (ترتيب المدارك) بأن ذلك كان تقية في وقت المحنة وكراهة الكلام لعل له وجهة في ذلك، ولكن ما جاء عن الذهبي هو أحرى وأولى بالأخذ به لما كان عليه ابن المعذل من العلم رغم قلة الحديث وعدم طلبه، ودخوله في علم الكلام، وهذا ما وقعت فيه الواقفة وقتها.
ورحم الله تعالى ابن أبي داود حيث قال في حائيته:
وقيل غيرُ مخلوقٍ كلامُ مليكنا ... بذلك دانَ الأتقياءُ وأفصحوا
ولا تكُ في القرآن بالوقف مائلًا ... كما قال أتباع لجهم وأسجحوا (1)
ولا تقل القرآنُ خلقًا قرأئه ... فإن كلام الله باللفظ يوضحُ
ونذكر قول المعلمي في "التنكيل" (1/ 210) حول أحمد المعذل صاحب الترجمة ما نصه بعد ذكر ما قاله فيه أخوه:
أضاع الفريضة والسنة ... فتاه على الأنس والجنة
وما بعده من الأبيات.
"أما البيت فالرواية فيه (أطاع الفريضة .. ) كما شرحته في (الطليعة) (ص 63) فتجلد الأستاذ وقال في (الترحيب) (ص 4): "هذا تمحل لو كان مراده هذا لقال: أقام، وإنما الطاعة لله ولرسوله لا للعمل، وهذا ظاهرا، كذا قال ولو لم يوجد هذا الشعر إلا في كتاب واحد وفيه "أطاع" ولم يكن في السياق وغيره ما يدل على صحة ذلك ما ساغ لعالم تغييره لأن العربية لا تضيق بمن "أطاع الفريضة" بل يمكن تخريجها على عدة أوجه كالمجاز والتضمين وغير ذلك فكيف بالتغيير إلى أضاع مع إبطال الأدلة المعنوية كعجز البيت، والبيت الثاني وسبب قول ذلك الشعر وما هو معلوم من حال أحمد. هذا كله توضيح للواضح، وقابل هذا بما يأتي في ترجمة الشافعي في الكلام على ما وقع في (مختصر المزني): "وليست الأذنان من الوجه فيغسلان".
وأما عبد الملك فلم يزهدوا فيه لاستجازته الغناء فقد سبقه إليه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الجمع على توثيقه، وإنما زهدوا في عبد الملك لمنكرات في روايته ولاتهامه برأي جهم كما ترى ذلك في ترجمته من (التهذيب)، وأحمد بن المعذل لم يطعن أحد في روايته ولا عقيدته ولا عرف بالترخيص في الغناء فيما علمت وقد وثق، ولا يضر العالم أن يكون في شيوخه مطعون فيه، ومن شيوخ أحمد من  أصحاب مالك محمّد بن مسلمة الذي تجاهله الأستاذ في (التأنيب)، ونبهت عليه في (الطليعة) (ص 87 - 89) فاعترف الأستاذ في (الترحيب)، وسمع أحمد أيضًا من بشر بن عمر وإسماعيل بن أبي أويس وغيرهما من أصحاب مالك.
وذكر الأستاذ ما يتعلق بمذهب مالك من الأخذ بالقياس، وسألم بذلك في ترجمة مالك إن شاء الله تعالى" أ. هـ
قلت: قد وثق في الرواية من جانب، ولكن اتهم بالوقف في خلق القرآن، كما أوردنا ذلك سابقًا وليس كما ذكر المعلمي -رحمه الله تعالى- أنه لم يطعن في عقيدته، على ما ذكر من كلام الإِمام أحمد فيه .. والله تعالى أعلم.
من أقواله:
وقال يموت بن المزرع، عن المبرد، عن أحمد بن المعذل قال: كنت عند ابن الماجشون، فجاء بعض جلسائه فقال: يا أبا مروان أعجوبة.
قال: وما هي؟
قال: خرجت إلى حائطي بالغابة، فعرض لي رجل فقال: اخلع ثيابك، فأنا أولى بها.
قلت: لِمَ؟
قال: لأني أخوك وأنا عريان.
قلت: فالمؤآساة؟
قال: قد لبستها برهةً.
قلت: فتعريني وتبدو عورتي؟
قال: قد روينا عن مالك أنه قال: لا بأس للرجل أن يغتسل عريانًا.
قلت: يلقاني الناس فيرون عورتي.
قال: لو كان أحد يلقاك في هذه الطريق ما عرضت لك.
قلت: أراك ظريفًا، فدعني حتى أمضي إلى حائطي فأبعث بها إليك.
قال: كلا، أردت أن توجه عبيدك فيمسكوني.
قلت: أحلف لك.
قال: لا، روينا عن مالك قال: لا تلزم الأيمان التي يحلف بها اللصوص.
قلت: فاحلف أني لا أحتال في يمني.
قال: هذه يمين مركبة.
قلت: دع المناظرة، فوالله لأوجهن بها إليك طيبة بها نفسي.
فأطرق ثم قال: تصفحت أمر اللصوص من عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى وقتنا، فلم أجد لصًا أخذ بنسيئة، وأكره أن ابتدع في الإِسلام بدعة يكون علي وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، اخلع ثيابك.
فخلعتها، فأخذها وانصرف.
وفاته: نحو سنة (240 هـ) أربعين ومائتين.
من مصنفاته: "أحكام القرآن".





مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید