المنشورات

إسماعيل حقّي

المفسّر: إسماعيل حقّي بن مصطفى الإسلامبوليّ الحنفيّ الخلوتيّ, المولى أبو الفداء البرسوي.
كلام العلماء فيه:
* الأعلام: "متصوّف, مفسّر، تركيّ مستعرب كان من أتباع الطّريقة الخلوتيّة" أ. هـ.
* معجم المفسّرين: "مفسّر متصوّف، حنفيّ المذهب, خلوتيّ الطّريقة" أ. هـ.
* المفسّرون بين التأويل والإثبات في آيات الصّفات: "إسماعيل حقّي من الصّوفيّين الكبار الّذين استغلوا اسم التّفسير لنشر مذهبهم الباطل, فقد جعل تفسيره لنشر الحلوليّة الخبيثة.
ومن شاهد تفسيره في كبر حجمه اغترّ به وهو كما قال الله -تعالى-: {وَإِذَا رَأَيتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ}، وليته كان كذلك، ولكنها خشب محرقة تحرق من اقترب إليها، فلا أدري متى يتخلّص المسلمون من مثل هذا الغثاء الضّارّ المسموم.
وأمّا عقيدته في الصّفات فهو مؤوّل كبير في جميع الصّفات على طريقة الرّازيّ وأضرابه, وإليك الصّفات في تفسيره:

صفة الحياء
قال عند قوله تعالى من سورة الأحزاب: {وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} فإنه يستدعي أن يكون المستحيا منه أمرًا حقًّا متعلقًا بهم لأنفسهم، وما ذلك إلا إخراجهم يعني أن إخراجكم حقّ فينبغي أن لا يترك حياء ولذلك لم يتركه ترك الحيّ، وأمركم بالخروج والتّعبير عن عدم التّرك بعد الاستحياء للمشاكلة، وكان - عليه السلام - أشدّ الناس حياء وأكثرهم عن العورات إغضاء وهو التّغافل عمّا يكره الإنسان بطبيعته.
والحياء رقّة تعتري وجه الإنسان عند فعل ما يتوقّع كراهته أو ما يكون تركه خيرًا من فعله.
قال الرّاغب: الحياء انقباض النّفس عن القبائح وتركه لذلك، روي أن الله -تعالى- يستحي من ذي الشّيبة المسلم أن يعذّبه، فليس يراد به انقباض النّفس إذ هو تعالى منزّه عن الوصف بذلك، وإنّما المراد به ترك تعذيبه وعلى هذا ما روي أنّ الله -تعالى- حَييٌّ أي تارك للمقابح فاعل للمحاسن ثمّ في الآية تأديب للثّقلاء (1).
وقال عند قوله تعالى من سورة البقرة: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}، والحياء تغيّر وانكسار يعتري الإنسان من تخوّف ما يُعاب به ويذمّ وهو جار على سبيل التمثيل لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ترك من يستحيي أن يمثل بها لحقارتها (2).

صفة الاستواء
قال عند قوله تعالى من سورة الأعراف: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} العرش يطلق على السّرير الّذي يجلس عليه الملوك، وعلى كلّ ما علاك وأظلّ عليك، وهو بهذين المعنيين مستحيل في حقه تعالى، فجعل الاستواء على العرش كناية عن نفس الملك والعزّ والسلطنة على طريق ذكر اللازم وإرادة الملزوم، فالمعنى بعد أن خلق الله عالم الملك في ستّة أيام كما أراد استوى على الملك وتصرّف فيه كيف يشاء، فحرّك الأفلاك وسيّر الكواكب وكوّر الليالي والأيّام، ودبّر أمر مصنوعاته على ما تقتضيه حكمته، وهذا قول القاضي استوى أمره أي استقرّ أمر ربوبيّته وجرى أمره وتدبيره ونفّذ قدرته في مصنوعاته وتخصيص العرش لأنّه أعظم المخلوقات، فإنّه الجسم المحيط بجميع الأجسام، فالاستواء عليه استواء على ما عداه أيضًا من الجنّة والنّار والسّموات والعناصر وغيرها (3).
وقال عند قوله تعالى من سورة طه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} اعلم أنّ العرش سرير الملك والاستواء والاستقرار ها هنا الاستيلاء، ومعنى الاستيلاء عليه كناية عن الملك؛ لأنّه من توابع الملك، فذكر اللازم وأريد الملزوم، يقال: استوى فلان على سرير الملك على قصد الإخبار عنه بأنّه ملك وإن لم يقعد على السّرير المعهود أصلًا، فالمراد بيان تعلّق إرادته الشّريفة بإيجاد الكائنات وتدبير أمرها إذ الباري مقدّس عن الانتقال والحلول، وإنّما خلق العرش العظيم

ليعلم المتعبّدون إلى أين يتوجهون بقلوبهم بالعبادة والدّعاء في السّماء، كما خلق الكعبة ليعلموا إلى أين يتوجهون بأبدانهم في العبادة في الأرض (1).

صفة الكلام
قال عند قوله تعالى من سورة النساء: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} عطف على إنا أوحينا إليك عطف القصّة، على القصّة وتأكيد كلّم بالمصدر يدلّ على أنّه -عليه السّلام- سمع كلام الله حقيقة لا كما يقول القدريّة من أنّ الله -تعالى- خلق كلامًا في محلّ فسمع موسى -عليه السّلام- ذلك الكلام؛ لأنّ ذلك لا يكون كلام الله القائم به، والأفعال المجازيّة لا تؤكّد بذكر المصادر، لا يقال أراد الحائط أن يسقط إرادة، قال الفرّاء: العرب تسمّي ما وصل إلى الإنسان كلامًا بأيّ طريق وصل ما لم يؤكّد بالمصدر، فإذا أوكّد به لم يكن إلا حقيقة الكلام، والمعنى أنّ التّكليم بغير واسطة منتهى مراتب الوحي خصّ به موسى من بينهم فلم يكن ذلك قادحًا في نبوّة سائر الأنبياء، فكيف يتوهّم كون نزول التّوراة عليه جملة قادحًا في صحّة من أنزل عليه الكتاب مفصّلًا مع ظهور أنّ نزولها كذلك لحكم مقتضية لذلك ... إلخ (2).
وقال عند قوله تعالى في سورة الأعراف: {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} من غير واسطة وكيفيّة كما يكلّم الملائكة، وكان جبريل معه يسمع ما كلّمه ربّه، ولذا خصّ باسم الكليم لاختصاصه بذلك من البشر، فإنّ سائر الأنبياء -عليهم السّلام- إنّما يكلّمهم الله بواسطة الكتاب والملك، فإن قيل بأيّ شيء علم موسى أنّه كلام الله؟ قيل: لم ينقطع كلامه بالنّفس مع الحقّ كما ينقطع مع المخلوق، بل كلّمه بمدد واحد أي غير منقطع شاهد نفسه بمنزلة الآلة عند الصّانع، والآلة يحرّكها الأستاذ كيف يشاء؛ لأنّه ليس للآلة تصنع وتعمل، وقيل: علم أنّه كلام الحق وميّزه عن غيره بأنّه سمع.

صفة الوجه
قال عند قوله تعالى من سورة البقرة: {فَأَينَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أي: هناك جهته الّتي أمر بها ورضيها قبلة فإنّ إمكانيّة التّولية غير مختصّ بمسجد دون مسجد أو مكان دون آخر أو فثمّ ذاته بمعنى الحضور العلميّ, فيكون الوجه مجازًا من قبيل إطلاق اسم الجزء على الكلّ، والمعنى: ففي أيّ مكان فعلتم التّولية فهو موجود فيه يمكنكم الوصول إذ ليس هو جوهرًا أو عرضًا حتّى يكون بكونه في جانب مفرغًا جانبًا، ولمّا امتنع عليه أن يكون في مكان أريد أنّ علمه محيط بما يكون في جميع الأماكن والنّواحي أي فهو عالم بما يفعل فيه ومثيب لكم على ذلك، وفي الحديث لو أنّكم دلّيتم بحبل إلى الأرض السّفلى لهبط على الله، معناه أنّ علم الله شمل جميع الأقطار، فالتّقدير لهبط على علم الله، والله -تعالى- منزّه عن الحلول في الأماكن لأنّه كان قبل أن يحدث الأماكن، كذا في المقاصد الحسنة (3).

وقال عند قوله تعالى من سورة القصص: {كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} أي: إلا ذاته تعالى، فإنّه واجب الوجود وكل ما عداه ممكن في حدّ ذاته عرضة للهلاك والعدم، والوجه يعبّر به عن الذّات.
وقال أبو العالية: كلُّ شيء فانٍ إلا ما أريد به وجهه من الأعمال، وفي الأثر: "يجاء بالدُّنيا يوم القيامة فيقال: ميِّزوا ما كان منها لله، فيميّز ما كان منها لله ثمَّ يؤمر بسائرها فيلقى في النّار".
وقال بعض أكابر العارفين: الضمير راجع إلى الشيء والمعنى كلّ شيء فانٍ في حدِّ ذاته إلا وجهه الذي يلي جهته تعالى، وذلك لأنّ الممكن له وجود ماهية عارضة على وجوده فماهيّته أمر اعتياديّ معلوم في الخارج لا يقبل الوجود فيه من حيث هو هو، ووجوده موجود لا يقبل العدم من حيث هو هو كما قال بعضهم: الأعيان من حيث تعيّناتها العدميّة وهي الإمكان والحدوث راجعة إلى العدم وإن كانت باعتبار الحقيقة والتّعيّنات الوجوديّة عين الوجود، فإذا قرع سمعك من كلام العارفين أنّ عين المخلوق عدم والوجود كلّه لله فتلق بالقبول فإنه يقول ذلك من هذه الجهة (1).
وقال عند قوله تعالى من سورة الرّحمن: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} أي: ذاته، ومنه كرّم الله وجهه أي: ذاته، فالوجه العضو المعروف استعير للّذات لأنّه أشرف الأعضاء ومجمع المشاعر وموضع السّجود ومظاهر آثار الخشوع.
قال القاضي: ولو استقريت جهات الموجودات وتفحّصت وجوهها وجدتها بأسرها فانية في حدّ ذاتها إلا وجه الله الذي جهته. انتهى. (2)

صفة الإتيان
قال عند قوله تعالى من سورة البقرة: {إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} الآية، أي: إتيان الله أي عذابه على صدق المضاف لأنّ الله -تعالى- منزّه عن المجيء والذّهاب المستلزمين للحركة والسّكون لأنّ كلّ ذلك محدث فيكون كلّ ما يصحّ عليه المجيء والذّهاب محدثًا مخلوقًا له، والإله القديم يستحيل أن يكون كذلك، وسئل عليّ - رضي الله عنه - أين كان الله- تعالى- قبل خلق السّموات والأرض؟ قال: أين سؤال عن المكان وكان الله -تعالى- ولا مكان، وهو اليوم على ما كان. ومذهب المتقدّمين في الآية وما شاكلها أن يؤمن الإنسان بظاهرها ويكل علمها إلى الله لأنّه لا يأمن في تعيين مراد الله -تعالى- من الخطأ فالأولى السّكوت.
ومذهب جمهور المتكلّمين أن لا بدّ من التّأويل على سبيل التفضيل (3).
وقال عند قوله تعالى من سورة الأنعام: {أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} أي: أمره بالعذاب والانتقام.
وقال البغويّ: أو يأتي ربّك بلا كيف لفصل القضاء بين موقف القيامة، أو المراد بإتيان الربّ إتيان كل آية يعني آيات القيامة والهلاك الكلّيّ بقرينة قوله تعالى {أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} يعني أشراط السّاعة التي هي الدّخان ودابّة  الأرض وخسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بحزيرة العرب والدّجّال وطلوع الشّمس من مغربها ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى - عليه السّلام- ونار تخرج من عدن، وهم ما كانوا منتظرين لأحد هذه الأمور الثلاثة وهي مجيء الملائكة أو مجيء الربّ أو مجيء الآيات القاهرة من الربّ، لكن لما كان يلحقهم لحوق المنتظرين شبّهوا بالمنتظرين (1).

صفة المجيء
وقال عند قوله تعالى من سورة الفجر: {وَجَاءَ رَبُّكَ} أي ظهرت آيات قدرته وآثار قهره مثل ذلك بما يظهر عند حضور السّلطان بنفسه من أحكام هيبته وسياسته فإنّه عند حضوره يظهر ما لا يظهر بحضور وزرائه وسائر خواصّه وعساكره.
وقال الإمام أحمد: جاء أمره وقضاؤه على حذف المضاف للتّهويل، وفي التأويلات النّجمية تجلّى في المظهر الجلاليّ القهريّ (2).

صفه العنديّة
قال عند قوله تعالى من سورة آل عمران: {عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} والعنديّة المكانية مستحيلة فتعيّن حملها على أنهم مقرّبون منه تعالى قرب التكريم والتّعظيم (3) ... " أ. هـ
قلت: لقد جعله صاحب كتاب "المفسرون بين التأويل والإثبات .. " للمغراوي -وكما نقلناه منه آنفًا-: أن عقيدة إسماعيل حقي في تأويل الصفات على طريقة الرازي وأضرابه.
أي أنه أشعري الأصول، ينهج في التأويل منهج الأشاعرة.
لكن نقول: إن هذا القول غير دقيق، بل إسماعيل حقي يميل إلى مذهب الماتريدية وعلى كونه أيضًا حنفيًا، وكلامه في تأويل الأسماء والصفات أقرب إلى أصول الماتريدية من الأشعرية، رغم أن المتقدمين وخاصة في القرون المتقدمة هذه لا يكونون دقيقين في الكلام عن أصول مذهبهم، فهم يتذبذبون بين هذا وذاك، على ما بين الأشعرية والماتريدية من تقارب بين أصول معتقداتهم حول الأسماء والصفات وغيرها، مع أن صاحب كتاب "الماتريدية وموقفهم من الأسماء والصفات" شمس السلفي الأفغاني، قد جعل المترجم له ضمن فصل "ذكر أشهر أعلام الماتريدية وطبقاتهم وأهم مؤلفاتهم الكلامية وقال عنه: "إسماعيل حق مصطفى بن الإسلامبولي الخرافي الصوفي الاتحادي الخلوتي .. ترجم له الكوثري ترجمة واسعة وصرح بأنه غالٍ في وحدة الوجود".
ثم قال الأفغاني: "وهو مؤلف (روح البيان) تفسير مكتظ بالخرافات والشركيات، ووحدة الوجود .. " أ. هـ.
وذكر شمس الأفغاني كتابه "النجاة في التصوف والتوحيد" الذي جعله من مؤلفات الماتريدية والكلامية لديهم .. والله أعلم بالصواب.
وفاته: سنة (127 هـ) وقيل (137 هـ) سبع وعشرين وقيل سبع وثلاثين وألف ومائة.


من مصنّفاته: "روح البيان في تفسير القرآن"، و "تسهيل طريق الأصول لتيسير الوصول" في التّصوّف، وغيرهما كثير.




مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید