المنشورات

الصَّابونيّ النّيسابوريّ

النّحويّ، اللغويّ، المفسّر إسماعيل بن عبد الرّحمن بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عامر بن عائذ الصّابونيّ (1) النّيسابوريّ، أبو عثمان.
ولد: سنة (373 هـ) ثلاث وسبعين وثلاثمائة.
من مشايخه: زاهر السّرخسيّ، وأبو طاهر بن خزيمة، وغيرهما.
من تلامذته: أبو بكر البيهقي، وعبد العزيز الكتّانيّ، وغيرهما.
كلام العلماء فيه:
* تاريخ الإسلام: "قال البيهقيّ: أنبا إمام المسلمين حقًّا، وشيخ الإسلام صدقًا".
ثم قال: "وكان مشتغلًا بكثرة العبادات والطّاعات، حتى كان يضرب به المثل".
وقال: وقال الكتّانيّ: ما رأيت شيخًا في معنى أبي عثمان الصّابونيّ زهدًا وعلمًا، كان يحفظ من كلّ  فنّ لا يقعد به شيء، وكان يحفظ التفسير من كتب كثيرة، وكان من حفّاظ الحديث.
قلت: -أي الذّهبيّ- ولأبي عثمان مصنّف في السّنة واعتقاد السّلف أفصح فيه بالحقّ، فرحمه الله ورضي عنه" أ. هـ.
* طبقات الشافعيّة للسّبكيّ: "الفقيه، المحدّث، المفسّر، الخطيب، الواعظ، المشهور الاسم، الملقّب بشيخ الإسلام، لقّبه أهل السّنة في بلاد خراسان فلا يعنون عند إطلاقهم هذه اللفظة غيره، وأمّا المجسّمة بمدينة هراة فلمّا ثارت نفوسهم من هذا اللقب عمدوا إلى أبي إسماعيل عبد الله بن محمّد الأنصاريّ المشار إليه رجلًا كثير العبادة، محدّثًا إلا أنّه يتظاهر بالتّجسيم والتّشبيه، وينال من أهل السّنة، وقد بالغ في كتابه (ذمّ الكلام) حتّى ذكر أنّ ذبائح الأشعريّة لا تحلّ، وكنت أرى الشّيخ الإمام يضرب على مواضع من كتاب (ذمّ الكلام) وينهى عن النّظر فيه ... ذكره عبد الغافر في السّياق: ... وكان جمالًا للبلد، زينًا للمحافل والمجالس، مقبولًا عند الموافق والمخالف، مُجمَعًا على أنه عديم النّظير، وثّق السّنة، ودافع البدعة" أ. هـ.
* قلت: ولقد ذكر السّبكي في طبقاته وصية له وقد وجدت بدمشق عند دخوله إليها حاجًّا حيث قال:
"هذا ما أوصى به إسماعيل بن عبد الرّحمن بن إسماعيل أبو عثمان الصّابونيّ، الواعظ غير المتّعظ، الموقظ غير المتيقّظ، الآمر غير المؤتمر، الزّاجر غير المنزجر، المتعلّم، المعترف، المنذر، المخوّف، المخلّط، المفرط، المسرف، المقترف للسّيئات، المغترف، الواثق مع ذلك برحمة ربّه، الرّاجي لمغفرته، المحبّ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشيعته، الدّاعي النّاس إلى التمسّك بسنّته وشريعته - صلى الله عليه وسلم -، أوصى وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها واحدًا [أحدًا] فردًا صمدًا، لم يتّخذ صاحبة ولا ولدًا، ولم يشرك في حكمه أحدًا، الأوّل، الآخر، الظّاهر، الباطن، الحيّ القيّوم، الباقي بعد فناء خلقه، المطّلع على عباده، العالم بخفيّات الغيوب، الخبير بضمائر القلوب، المبدئ، المعيد، الغفور، الودود، ذو العرش، المجيد، الفعّال لما يريد، {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} , هو مولانا، فنعم المولى، ونعم النّصير، يشهد بذلك كلّه مع الشّاهدين، مقرًّا بلسانه، عن صحّة اعتقاد، وصدق يقين، ويتحمّلها عن المنكرين الجاحدين، ويعدّها ليوم الدّين: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (*) إلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} {يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (*) إلا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}.
ويشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون.
ويشهد أن الجنة حقّ، وجملة ما أعدّ الله -تبارك وتعالى- فيها لأوليائه حقّ، ويسأل مولاه الكريم -جل جلاله- أن يجعلها مأواه ومثواه، فضلًا منه وكرمًا. ويشهد أنّ النار وما أعدّ الله فيها لأعدائه حقّ، ويسأل الله مولاه أن يجيره منها ويزحزحه عنها ويجعله من الفائزين، قال الله -عزَّ وجلَّ-: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلا مَتَاعُ الْغُرُور}. ويشهد أن صلاته

ونسكه ومحياه ومماته لله ربّ العالمين، لا شريك له وبذلك أمر وهو من المسلمين، والحمد لله ربّ العالمين. وأنّه رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمّد نبيًّا، وبالقرآن إمامًا، على ذلك يحيا، وعليه يموت إن شاء الله -عزّ وجلّ-.
ويشهد أن الملائكة حقّ، وأن النّبيّين حقّ، وأنّ السّاعة لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور.
ويشهد أنّ الله -سبحانه وتعالى- قدّر الخير، وأمر به، ورضيه، وأحبّه، وأراد كونه من فاعله، ووعد حسن الثواب على فعله، وقدّر الشرّ وزجر عنه ولم يرضه ولم يحبّه، وأراد كونه من مرتكبه غير راضٍ به، ولا محبّ له، تعالى ربّنا عمّا يقول الظّالمون علوًا كبيرًا، وتقدّس أن يأمر بالمعصية أو يحبّها ويرضاها، وجلّ أن يقدر العبد على فعل شيء لم يقدره عليه، أو يحدث من العبد ما لا يريده ولا يشاؤه.
ويشهد أنّ القرآن كتاب الله وكلامه ووحيه وتنزيله غير مخلوق، وهو الذي في المصاحف مكتوب، وبالألسنة مقروء، وفي الصّدور محفوظ، وبالآذان مسموع، قال الله -تعالى-: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} وقال: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ}، وقال: {إِنْ هُوَ إلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ}.
ويشهد أنّ الإيمان تصديق بالقلب بما أمر الله أن يصدّق به، وإقرار باللسان بما أمر الله أن يقرّ به، وعمل بالجوارح بما أمر الله أن يعمل به، وانزجار عمّا زجر عنه من كسب قلب وقول لسان وعمل جوارح وأركان.
ويشهد أن الله -سبحانه وتعالى- مستوٍ على عرشه، استوى عليه كما بيّنه في كتابه في قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}، وقوله: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} في آيات أخر، والرّسول - صلى الله عليه وسلم - تسليمًا، ذكره فيما نقل عنه من غير أن يكيّف استواءه عليه، أو يجعل لفعله وفهمه أو وهمه سبيلًا إلى إثبات كيفيّته إذ الكيفيّة عن صفات ربّنا منفيّة.
قال إمام المسلمين في عصره أبو عبد الله مالك بن أنس - رضي الله عنه - في جواب من سأله عن كيفيّة الاستواء: "الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسّؤال عنه بدعة وأظنّك زنديقًا، أخرجوه من المسجد".
ويشهد أنّ الله -تعالى- موصوف بصفات العُلى التي وصف بها نفسه في كتابه، وعلى لسان نبيّه - صلى الله عليه وسلم - تسليمًا كثيرًا، لا ينفي شيئًا منها ولا يعتقد شبهًا له بصفات خلقه، بل يقول: إنّ صفاته لا تشبه المربوبين، كما لا تشبه ذاته ذوات المحدَثين، تعالى الله عمّا يقوله المعطّلة والمشبّهة علوًا كبيرًا.
ويسلك في الآيات التي وردت في ذكر صفات البارئ -جل جلاله- والأخبار التي صحّت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بابها كآيات مجيء الرّبّ يوم القيامة، وإتيان الله في ظلل من الغمام، وخلق آدم بيده، واستوائه على عرشه، وكأخبار نزوله كل ليلة إلى سماء الدّنيا، والضّحك والنّجوى، ووضع الكنف على من يناجيه يوم القيامة، وغيرها، مسلك  السلف الصالح، وأئمة الدين، من قبولها، وروايتها على وجهها، بعد صحة سندها وإيرادها على ظاهرها، والتصديق بها، والتسليم لها، واتقاء اعتقاد التكييف، والتشبيه فيها، واجتناب ما يؤدي إلى القول بردها وترك قبولها أو تحريفها بتأويل يستنكر، ولم ينزل الله به سلطانا، ولم يجر به للصحابة والتابعين والسلف الصالحين لسان.
وينهى في الجملة عن الخوض في الكلام والتعمق فيه [و] في الاشتغال بما كره السلف -رحمهم الله- الاشتغال به، ونهوا وزجروا عنه، فإن الجدال فيه والتعمق في دقائقه، والتخبط في ظلماته، كل ذلك يفسد القلب، ويسقط منه هيبة الرب -جل جلاله- ويوقع الشبه الكبيرة فيه، ويسلب البركة في الحال، ويهدي إلى الباطل والمحال، والخصومة في الدين والجدال وكثرة القيل والقال في الرب ذي الجلال الكبير المتعال، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا، الحمد لله على ما هدانا من دينه وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه حمدا كثيرا.
ويشهد أن القيامة حق، وكل ما ورد به الكتاب والأخبار الصحاح من أشراطها وأهوالها وما وعدنا به وأوعدنا به فيها فهو حق، نؤمن به ونصدق الله سبحانه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فيما أخبر به عنه كالحوض والميزان والصراط وقراءة الكتب والحساب والسؤال والعرض والوقوف والصدر عن المحشر إلى جنة أو [إلى] نار، مع الشفاعة الموعودة لأهل التوحيد، وغير ذلك مما هو مبين في الكتاب، ومدون في الكتب الجامعة لصحاح الأخبار.
ويشهد بذلك كله في الشاهدين، ويستعين بالله -تبارك وتعالى- في الثبات على هذه الشهادات إلى الممات حتى يتوفى عليها في جملة المسلمين المؤمنين الموقنين الموحدين.
ويشهد أن الله -تبارك وتعالى- يمن على أوليائه بوجوه ناضرة إلى ربها ناظرة، ويرونه عيانا في دار البقاء لا يضارون في رؤيته ولا يمارون ولا يضامون، ويسأل الله -تبارك وتعالى- أن يجعل وجهه من تلك الوجوه ويقيه كل بلاء وسوء ومكروه، ويبلغه كل ما يؤمله من فضله ويرجوه بمنه.
ويشهد أن خير الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، ويترحم على جميع الصحابة، ويتولاهم ويستغفر لهم، وكذلك ذريته وأزواجه أمهات المؤمنين، ويسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعله معهم، ويرجو أن يفعله به، فإنه قد صح عنده من طرق شتى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المرء مع من أحب". ويوصي إلى من يخلفه من ولد وأخ وأهل وقريب وصديق وجميع من يقبل وصيته من المسلمين عامة أن يشهدوا بجميع ما شهد به وأن يتقوا الله حق تقاته وألا يموتوا إلا وهم مسلمون {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}، ويوصيهم بصلاح ذات البين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران والأقارب والإخوان ومعرفة حق الأكابر والرحمة على الأصاغر. وينهاهم عن التدابر والتباغض والتقاطع والتحاسد. ويأمرهم أن يكونوا إخوانا على  الخيرات أعوانًا وأن يعتصموا بحبل الله جميعًا ولا يتفرّقوا ويتبعوا الكتاب والسنّة وما كان عليه علماء الأمّة، وأئمّة الملّة كمالك بن أنس والشّافعيّ وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وأحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم ويحيى بن يحيى وغيرهم من أئمّة المسلمين وعلماء الدّين رضي الله عنهم أجمعين وجمع بيننا وبينهم في ظلّ طوبى ومستراح العابدين.
أوصى بهذا كلّه إسماعيل بن عبد الرّحمن الصّابونيّ إلى أولاده وأهله وأصحابه ومُختلِفَة مجالسه ... ، إلخ الوصية. ولقد ذكرناها بنصّها من أجل معرفة دين الرّجل، ومعرفة حسن اعتقاده وتقواه ... والله أعلم بالصّواب.
وفاته: سنة (449 هـ) تسع وأربعين وأربعمائة.
من مصنّفاته: "عقيدة السّلف وأصحاب الحديث" مطبوع مشهور وغير ذلك.




مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید