المنشورات

أبو البقاء

النحوي، اللغوي: أيوب بن موسى الحسيني الكوفي الكفوي القريمي، أبو البقاء.
كلام العلماء فيه:
• الأعلام: "كان من قضاة الأحناف، عاش وولي القضاء في "كفه" بتركيا وبالقدس، وببغداد، وعاد إلى استانبول فتوفي بها" أ. هـ.
* قلت: إن من كتابه "الكليات" يمكن أن يجد القارئ ما يدله على عقيدة الكفوي هذا، وقد أتينا بما يعرّف تلك العقيدة التي نهجها صاحب الترجمة، وقد أخذنا نصوصًا تدلُّ على عقيدته.
نقول: لقد قال في (ص 75) عند تعريف الإرادة: "هي الأصل قوة مركبة من شهوة وحاجة وخاطر وأمل، ثم جعلت اسمًا لنزوع النفس إلى شيء مع الحكم فيه أنه ينبغي أن يفعل أو أن لا يفعل" ثم قال: "والإرادة إذا استعملت في الله: يراد بها المنتهى، وهو الحكم دون المبدأ، فإنه تعالى غني عن معنى النزوع به ... ثم إن إرادة الله تعالى ليست زائدة على ذاته كإرادتنا، بل هي عين حكمته التي تخصص وقوع الغل على وجه دون وجه ... وانضمامها مع القدرة هو الاختيار. والإرادة حقيقة واحدة قديمة قائمة بذاته كعلمه .. ".
وقال في (ص 210) في تعريفه بأهل الحق من  أمة المسلمين: "وأهل الحق: هم الذين يعترفون بالأحكام المطابقة للواقع والأقوال الصادقة، والعقائد السليمة والأديان الصحيحة والمذاهب المتينة، والمشهور من أهل السنة في ديار خراسان والعراق والشام وأكثر الأقطار هم الأشاعرة أصحاب أبي الحسن الأشعري، من قبل أبي موسى الأشعري من أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وفي ديار ما وراء النهر الروم أصحاب أبي منصور الماتريدي" أ. هـ. ثم ذكر الكفوي بقية الطوائف وجعلهم تحت ما ليس بأهل القبلة، كالجبرية والقدرية والشيعة وغيرهم.
قلت: وقال في الإيمان (ص 212 - 217): "الإيمان المعدّى إلى الله: معناه التصديق الذي هو نقيض الكفر، .. وهو عُرفًا: الاعتقاد الزائد على العلم، كما في التقوى".
ثم ذكر الكفوي أقوال العلماء في الإيمان في فرق الأشاعرة كالرازي وغيره، ثم ذكر ما اختلفت فيه تلك الفرق من المحدثين والأشاعرة وبعض السلف، والمعتزلة والخوارج وأجاب على إشكالهم في: أن الإيمان هو التصديق بشرط الإقرار أو عدمه بعدها، قال: "والمذهب عندنا أن الإيمان فعل عبد بهداية الرب وتوفيقه، وهو الإقرار باللسان والتصديق بالقلب، والتصديق بالقلب هو الركن الأعظم، والإقرار كالدليل عليه .. ".
وقال في القدرة وتعريفها (ص 256)، وذكر الخلاف بين مدلول الصفة لله تعالى عند فرق المسلمين حيث قال: "الخلاف بين الأشاعرة والماتريدية مبني على الخلاف في أن الاسم هل هو مشترك بين الدال والمدلول، كما هو عند جمهور الماتريدية أم لا كما هو عند الأشعري وجمهور أصحابه، وثمرة الخلاف تظهر في أن مدلول جميع الأسماء الإلهية من الصفات السلبيات والإضافيات، والصفات الثبوتيات والمتشابهات ثابت الاتصاف في الأزل وفيما لا يزال عندنا".
ثم تكلم في قوله تعالى {كُنْ فَيَكُونُ} وذكر أن الأشعري كان مراده بـ {كُنْ} هو: "حقيقة التكلم لا أنه مجاز عن الإيجاب ... فإن عنده -أي الأشعري- وجود الأشياء متعلق بكلامه الأزلي ... " فقال الكفوي: "وهذا مخالف لعامة أهل السنة؛ لأن أهل السنة يرون تعلق وجود الأشياء بخلق الله وإيجاده، وهذا الكلام عبارة عن سرعة حصول المخلوق بإيجاده" أ. هـ.
ثم قال في ص 277 عند كلمة "تورية" وأنواعها منه "المجردة" ضرب المثال في تبين المعني لذلك قال في قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}: (إذ للاستواء معنيان: قريب وهو الاستقرار وبعيد وهو الاستيلاء وأنت تعلم أن الآية إذا جعلت على التمثيل فلا تورية فيها".
وقال في (ص 548) في قوله تعالى: {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}: "بمعنى اعتدل أي قام بالعدل". وعلى هذا فقد أول صفة الاستواء بالعدل والاعتدال كما أورد آنفًا وليس كما قال السلف: أن الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والكلام فيه بدعة.
وقال في تعريفه لـ "الصفة"، بعدما عرّف الصفة وأنواع الصفة كالصفة الكاشفة والمخصصة وغيرهما: "وأما معتقد أهل الحق فالصفة هي ما وقع الوصف مشتقًا منها، وهو دال عليها، وذلك مثل العلم والقدرة ونحوه، فالمعني بالصفة ليس إلا هذا المعنى، والمعنى بالوصف ليس إلا ما هو دال على هذا المعنى بطريق الاشتقاق .. ".
ثم ذكر الصفة على اختلافها عند فرق المسلمين، والعلاقة بين الصفة والموصوف، ومنها الصفة النفسية حيث قال: "هي التي لا يحتاج وصف الذات بها إلى تعقل أمر زائد عليها  كالإنسانية والحَقّية والوجود والشيئية للإنسان"، ثم ذكر ما يقاربها من الصفات كالمعنوية والثبوتية ... إلخ ذلك.
ثم ذكر ما يقال في الصفة على المجاز فقال: "وقد يطلق بعض الأشياء على العبد حقيقة، وعلى الباري تعالى مجازًا كالاستواء والنزول وما أشبههما".
ثم قال: "فكل صفة تستحيل حقيقتها على الله تعالى فإنها تفسر بلازمها ... ".
ثم ضرب مثلًا لذلك فقال في قوله تعالى: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}: "أي الجهة التي أمرنا بالتوجه إليها ... و {الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ} أي: بقدرته واليدين استعارة لنور قدرته القائم بصفة فضله، ولنورها القائم بصفة عدله.
وقال في قوله تعالى: {لَا تُقَدِّمُوا بَينَ يَدَيِ اللَّهِ}: "فهو مجاز عن مظهر حكمه ومجازيته ... وكشف الساق: كناية عن الشدة والهول .. " إلى غير ذلك من الأمثلة التي قد أوّلها كما أوَّلتها الأشعرية والماتريدية، وفي موضوع الصفة في كتابه "الكليات" قد أطال، وذكر قول المحققين وأصحاب الكلام من الأشعرية والماتريدية وغيرهما كالمعتزلة وغيرهم، وقد سلك في كلامه ما اعتقده الماتريدية هو أقرب إليهم، بل هو منهم على ما يورده من كلام واعتقاد، والأشعرية في أغلب ما يتصف بصفات الله تعالى أو فيما اختلف فيه أصحابه -كما يقول- الماتريدية والأشعرية وأضرابهما ... والله أعلم.
وقد تكلم في صفة "القدرة" أيضًا (ص 706) وذكر أقوال طوائف المسلمين على مختلف فرقهم كما أسلفنا.
وقال في صفة "القدم" (ص 726): "في الحديث (حتى يضع الجبار فيها قدمه): أي الذين قدمهم من الأشرار فإنهم قدم الله للنار، كما أن الأخيار قدمه إلى الجنة، ووضع القدم مثل للرد والقمع، أي يأتي لجهنم أمر يكفها عن طلب المزيد .. ".
وقال في صفة "الكلام" ص 756: "وكلام الله هو الكلام النفسي، والقرآن هو الكلام المعبر بهذه العبارات، والكلام لا يثنى ولا يجمع بخلاف الجملة .. ".
ثم قال: "ولا اختلاف بين الأشعرية والماتريدية رحمهم الله في أنه تعالى متكلم بكلام نفسي هو صفة له تبارك وتعالى قائمة به وإنما الاختلاف في أنه تعالى متكلم لم يزل مكلمًا فعند أكثر متكلمي الحنفية معنى المكلمية إسماع لمعنى ... وعند الأشعرية أن المتكلمية والمكلمية مأخوذان من الكلام لكن باعتبارين مختلفين .. ".
ثم ذكر اختلاف المسلمين في ذلك على كل مذهب ما ذهب إليه منهم، وقال: "وما يوجد في كتب علماء الكلام من التمثيل بالكلام النفسي في الشاهد فإنما هو الرد على المعتزلة والحنابلة في حصرهم الكلام في الحروف والأصوات ... "، ثم اطرد في سرد اختلاف العلماء في ذلك، وما قاله الجهمية من أن كلام الله تعالى مخلوق، وردّ عليهم أصحاب السنة في دحض كلامهم هذا المفترى ... وذكر الكفوي قوله في ذلك، وردّه على من قال بخلق القرآن، وقال: "نعم إثبات القرآن بمعنى الكلام النفسي عند القائل إنما هو بالتسرع" أ. هـ.
ومن ذلك يتبين اعتقاد الكفوي في كتابه  "الكليات" هذا، وهو يورد كلام الأشاعرة بشكل كثير ويرد عليهم في مواضع كثيرة، ويورد كلام الحنفية وجماعة المتكلمين منهم والماتريدية، وإمامهم أبو منصور الماتريدي، إما أن يكون مستشهدًا به، أو كرد عن بعض الأقوال المخالفة أو كقول مع بقية الأقوال، دون الردِّ عليه، وقد يورد الأشاعرة والماتريدية معًا أو منفصلين، وأما من ينقل عنهم من علماء الفرقتين فكثير، وراجح عنده أغلب الأحيان قول الحنفية منهم، ورغم أنه يدور بين تأويلات الأشعرية والماتريدية، فإنه أقرب إلى المذهب الماتريدي، مع العلم أنَّ أغلب الحنفية هم ماتريدية، وخاصة في القرون المتأخرة ... والله أعلم بالصواب.
وفاته: سنة (1094 هـ) أربع وتسعين وألف.
من مصنفاته: "الكليات"، و "معجم في المصطلحات والفروق اللغوية" وغير ذلك.





مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید