المنشورات

المازني

النحوي، اللغوي، المفسر المقرئ: بكر بن محمّد بن عدي (1) البصري، أبو عثمان، صاحب التصانيف، المازني.
من مشايخه: أبو عبيدة، والأصمعي، وأبو زيد الأنصاري وغيرهم.
من تلامذته: الحارث بن أبي أسامة، والمبرِّد وغيرهما.
كلام العلماء فيه:
• معجم الأدباء: "كان إماميًا يرى رأي ابن ميثم ويقول بالإرجاء وكان لا يناظره أحد إلا قطعه لقدرته على الكلام" أ. هـ.

• وفيات الأعيان: "وقال القاضي بكّار بن قتيبة: ما رأيت نحويًا يشبه الفقهاء إلا حَبّان بن هلال والمازني".
• وقال: "روى المبرد عنه أيضًا قال: قرأ عليَّ رجل كتاب (سيبويه) في مدة طويلة، فلما بلغ آخره قال لي: أما أنت فجزاك الله خيرًا، وأما أنا فما فهمت منه حرفًا" أ. هـ.
• السير: "وقال المبرِّد: كان المازني إذا ناظر أهل الكلام لم يستعن بالنحو وإذا ناظر النحاة لم يستعن بالكلام" أ. هـ.
• البداية والنهاية: "كان ورعًا زاهدًا ثقة مأمونًا" أ. هـ.
• لسان الميزان: "قال الحافظ: وكان شيعيًا إماميًا على رأي ابن ميثم ويقول بالإرجاء ... يقال: إنه قيل له: لم قَلَّتْ روايتك عن الأصمعي؟ فقال: رميت عنده بالقدر ومذهب الاعتزال" أ. هـ.
• بغية الوعاة: "كان يقول بالإرجاء ... وسئل المازني عن أهل العلم، فقال: أصحاب القرآن فيهم تخليط وضعف وأهل الحديث فيهم حشو ورفاعة والشعراء فيهم هوج، والنحاة فيهم ثقل وفي رواة الأخبار الظرف كله، والعلم هو الفقه" أ. هـ.
• قلت: قال رشيد عبد الرحمن العبيدي في كتابه "أبو عُثمَان المازني" صفحة (60) وتحت عنوان دينه ومعتقده: "إن من صفات شخصية المازني أنه (كان في غاية الورع زاهدًا)، حتى إن الرواة ليدلون على ورعه، بأنه امتنع من إقراء اليهودي (كتاب سيبويه) مع العلم بأن اليهودي قد بذل له -كما تقول الرواية- مائة دينار على تدريسه، مع قلته وشدة ضائقته المالية.
ولئن دل امتناعه هذا على شيء فلقد دل على زهده وتقواه غير أن شيئًا واحدًا يستوجب لفت النظر، ذلك أن المازني قد قبل الألف الموهوب من الخليفة، فإن كان ما رووه عن زهده صحيحًا فإن قبوله الهبة تقف حائلًا بين أن يكون زاهدًا عن الدّنْيا مترفعًا عن المادة وتصديقنا ما أخبرونا عنه.
ولقد التفت (الدُّلجى) إلى هذا الجانب من شخصية المازني، فقال: (ولا يقال كان زاهدًا بدليل قبوله الألف الموهوب له، لأن الفاقه الدائمة يلزمها حوائج مجتمعة ومصارع مؤخرة لا تفي بها الألف ولا فوقها، والدنانير إنما هي دنانير بغداد وهي دراهم في الحقيقة).
والحق أنه كان زاهدًا تقيًا ورعًا مقيمًا للصلوات فإن قبول هبة لا تعني ترك الزهد، لقد كان شديد الإيمان بالغيبيات شبيها بالفقهاء لذلك قال القاضي بكار بن قتيبة فيه: (لم أرَ نحويًا قط يشبه الفقهاء إلا ... المازني يعني أبا عثمان) ومع ورعه الشديد وتقواه: ... فقد كان لا يعبأ أن يسوق من الخبر ما ينبو لفظه عن الذوق.
إن صفاته هذه صفات عالم عاش في هذا العصر ونشأ في مراكز العلم والحضارة كبغداد والبصرة والكوفة، ولا عجب أن يجمع المازني بين شدة الدين والورع من جهة، ونصيب من الدّنْيا من جهة أخرى.
أما تفكيره الديني وعقيدته، فالظاهر أنها كانت مشوبة بشيء من الميل عن مذاهب أهل السنة والجماعة، والمرجح أن أيامه الأولى كانت كذلك  وأنه أظهر شيئًا من الميل إلى فئة دون أخرى في وقت ثم آمن بفكرة ثانية في وقت آخر حتى اطمأن أخيرًا إلى مذهب أهل السنة والجماعة. وعلى أية حال فقد كان للرواة في تفكيره الديني مذاهب متفاوتة ولعل الأهواء والعواطف لعبت دورًا كبيرًا في نسبته إلى المذاهب الدينية.
فقد نقل عنه أنه رمى بمذاهب أهل الاعتزال والقدرية، لأنه كان يختلف إلى الأصمعي وروى في ذلك ياقوت الحموي حادثة وقعت بينه والأصمعي وأنه كان يتهرب من إجابة الأصمعي عندما كان يسأله الأخير أن يفسر له آية من القرآن على مذاهب المعتزلة، فعن أبي جعفر الطبري قال: (حضرت مجلس أبي عثمان، وقد قيل له: لم قلت روايتك عن الأصمعي؟ قال: رميت عنده بالقدر والميل إلى مذاهب أهل الاعتزال فجئته يومًا وهو في مجلسه، فقال لي: ما تقول في قول الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}؟ قلت: سيبويه، يذهب إلى أن الرفع فيه أقوى من النصب في العربية لاستعمال الفعل المضمر، وأنه ليس ها هنا شيء بالفعل أولى، ولكن أبت عامة القراء إلا النصب، ونحن نقرؤها كذلك اتباعًا، لأن القراءة سنة، فقال لي: ما الفرق بين الرفع والنصب في المعنى؟ فعلمت مراده، فخشيت أن تُغرى بي العامة فقلت الرفع بالابتداء والنصب بإضمار فعل وتعاميت عليه)، وهذا دليل على أنه لم يتمذهب بالاعتزال ولا جارى حملة هذا المذهب ومفكريه.
ولم يؤثر عنه أنه تمذهب لأحد الفقهاء كأبي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل، ولعل هذه المذاهب لم تكن نضجت بعد ولم تأخذ سبيلها في عامة الناس، فكان نصيب المازني منها كنصيب غيره.
ولكن البيهقي وحده نقل عنه، عندما جاءه بريد الخليفة المتوكل يريد إشخاصه إليه أنه قال: (بينا أنا قاعد في المسجد إذا صاحب بريد قد دخل وهو يسأل عني، ويقول: أيكم المازني؟ فأشار النّاس إلي فقال أجب، قلت: من؟ ومن أجيب؟ قال: الخليفة. فذعرت منه وكنت رجلا فاطميًا، فظننت أن اسمي رفع فيهم، فقلت أصلحك الله أتأذن لي أن أدخل منزلي فأودع أهلي وأتأهب لسفري؟ فقال افعل ... ). وهذه الرواية الوحيدة التي تخبر بأنه قال (وكنت رجلًا فاطميًا) ولما كان فاطميًا فيجب أن يذعر من الخليفة لأنه عباسي ثم يستمر البيهقي في الخبر حتى يجعل من المازني ذلك الإمام الجليل رجلًا عاطفيًا طائشًا يسمع نقرًا وراء ستارة الخليفة فيقول: (لولا جلالةُ أمير المؤمنين لرقصت عليه) ثم يجعل المازني رجلًا مذبذبًا قلقًا لا يثبت على رأي. يعطى حكمًا في مسألة نحوية، فإذا ظهر أنها مخالفة لرأي الخليفة يبدل حكمه إلى ما يوافق رأي الخليفة، فيأمر له بخمسمائة دينار ويحمل إلى البصرة. وهذا كله مخالف لصفات المازني ولما عرفناه من جلالة القدر والفضل والدين، وهذا كله يدل -أيضا على أن في الخبر ما هو موضوع، منتحل عليه. فإذا صح قوله: (وكنت رجلًا فاطميًا) فما قيمة تصريحه بفاطميته هنا، ثم لماذا انفرد البيهقي بهذا كله ولم يذكره غيره؟ ؟
ثم متى نشأت الفاطمية هذه، وهل هي إلا نسب لجماعة أقاموا دولة متأخرة في مصر في القرن الرابع الهجري؟ فكيف التوفيق إذن -بين  مذهب المازني المتوفى سنة 249 هـ وبين الفاطميين الذين ظهرت حركتهم متأخرة وأسس دولتهم بعد ما يزيد على قرن من وفاة أبي عثمان.
وإذا ثبت بطلان هذه الأقوال في مذهبه، فقد نقلوا عنه مذاهب أخرى يضرب بعضها بعضًا.
قال النجاشي في الرجال -رجال الشيعة- (من علماء الإمامية أبو عُثْمَان بكر بن محمد- وكان من غلمان إسماعيل بن ميثم).
وقال ياقوت إنه كان إماميًا يرى رأى ابن ميثم ويقول بالإرجاء.
وقال صاحب (مفتاح السعادة) إنه: (يقول بالإرجاء) وأسقط القول بإماميته فهذه ثلاثة أقوال يخالف بعضها بعضًا، على أن هناك قولًا رابعًا -وهو الذي سنرجحه- فيما بعد.
أما النجاشي ومن نقل عنه من علماء الشيعة كالمامقاني والتفريشي والعاملي فإنهم جميعًا يذهبون إلى أنه كان غلامًا لابن ميثم، ويضيف الخوانساري: (أنه كان غلامه في الأدب كما في الخلاصة) وهذا يعني أنه تتلمذ على يده في الأدب لا في الفقه مما يجعلنا نقدح في الرواية ونتحاشى الأخذ بها.
ولقد قام في نفسي. أول الأمر أن كتب الشيعة ستذكره في رجال (ابن ميثم) إن كان الأمر كما تزعم، أو تجعله من رجالها أو مؤلفيها، على الأقل، أو تجعله من الذين أخذوا عن الرضا. ولكن المازندراني في (معالم العلماء) والطوسي (في الرجال) والقمى في (عيون أخبار الرضا) لم يوردوا ذكرًا له قط، فكيف يمكن اعتباره من رجال ابن ميثم؟ صحيح أن (ميثم التمار -أو الطيار كما سماه ابن النديم: (كان من جلة أصحاب عليّ - رضي الله عنه -، وقد كان له ابن اسمه (إسماعيل بن ميثم) وكان بينه وبين المازني من الزمن ما ينيف على مائتي عام، فإذا افترضنا أن المازني كان غلامًا له، فربما قربت الفترة الزمنية بينهما إلى قرن ونصف أو أقل، فإن ذلك متعذر على المازني أن يرى إسماعيل، أو يكون غلامًا له إلا أن يكون (إسماعيل) قد عاش ما ينيف على القرن ونصف القرن! ! .
وإذا سلمنا أن المازني قد صار غلامًا (لابن إسماعيل هذا وهو (علي) ابن إسماعيل بن ميثم التمار، وهو كما يقول -ابن النديم-: (أول من تكلم في مذهب الإمامة) فإن المصادر جميعها لم تشر إلى (علي) من قريب أو بعيد، فضلًا عن أن (عليًّا) أول من فكر في مسألة الإمامة وتكلم بها لا إسماعيل أبوه! . ومن هذا كله يتبين لنا أن المازني لم يفكر في (إمامة) ولا كان غلامًا لإمامي، وربما كان ذلك من وضع الواضعين. أما ياقوت ومن ذهب مذهبه فقد خلط بين كونه إماميًا وقوله بالإرجاء، ومعلوم أن بونًا شاسعًا بين المذهبين بل هما على طرفي نقيض. فالإمامية تقول: إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - نص على خلافة عليّ - رضي الله عنه - وقد اغتصبها أبو بكر وعمر (رضي الله عنهما)، وتبرؤوا منهما، وقدحوا في امامتهما) بينما نرجئ فرقة -وهي المرجئة- إمامة الشيخين إلى الله فلا تلعن ولا تتبرأ ونقول: (كلهم ثقة ... فنحن لا نتبرأ منهما ولا نلعنهما -ولا نشهد عليهما- ونرجئ أمرهما إلى الله حتى يكون الله هو الذي يحكم بينهما). 
ولذلك فقد رفض العاملي في (الأعيان) أن يكون المازني إماميًا ويقول بالإرجاء قال: (فلعله من الافتراء. فالإمامية تبرأ من المرجئة).
مع أن المرجئة لم تكفر الفرق الثلاث، الخوارج والشيعة والأمويين، و (ينتج من هذا أن موقفهم، إزاء حكم الأمويين موقف تأييد).
والمرجح عندي أن المازني أحب عليًّا (- رضي الله عنه -) كما يحبه المسلمون جميعًا، وربما كانت تدفعه عاطفة دينية إلى التعصب إلى أهل البيت، ولكنه لم يفضل عليًّا على غيره كما لم يفضله المسلمون، فكان يقول بالإرجاء، وهذا هو المذهب الصحيح غير المنسوب، وهو مذهب أهل السنة والجماعة.
وقد يؤكد صواب ما نذهب إليه أنه كان يطبق بعض مذاهب الإرجاء الفقهية، فالمرجئة تقول مثلًا: (إنه لا يضر مع الإيمان معصية) فإذا صح الخبر الذي نقله المعرّى عنه في الرسالة (أنه قال: إذا كان شرب الخمر أكبر ذنوبي تركته)، كان قوله هذا مصداقًا لإيمانه بالإرجاء قولًا وعملًا.
وأغلب ظني أن من نسبه إلى الإمامية إنما اعتمد على قوله: (إنما قلت روايتي عن الأصمعي لأنني رميت عنده بالقدر، ومذاهب الاعتزال) وقد عزى مرة بعض الهاشميين ونقلوا عنه أنه روى عن الرضا، وإلا فليس ثمة ما يؤيد من ذهب إلى أنه إمامي شيعي.
وأخيرًا فإن المازني من أهل السنة والجماعة -وهو ما نميل إليه ونؤكده- لم يمل إلى المعتزلة والقدرية ولا الرافضة ولا الخوارج ولم يأخذ برأي من آراء المذاهب الفقهية المشهورة.
أما أهل السنة والجماعة فهم أصناف ذكرهم البغدادي في (الفرق بين الفرق) وجعلهم ثماني فرق، وعد المازني من المصنف الرابع منها وهم: (قوم أحاطوا علمًا بأكثر أبواب الأدب، والنحو والتصريف وجروا على سمت أئمة اللغة، كالخليل وأبي عمرو بن العلاء وسيبويه والفراء والأخفش والأصمعي والمازني وأبي عبيد وسائر أئمة النحو من الكوفيين والبصريين الذين لم يخلطوا علمهم ذلك بشيء من بدع القدرية أو الرافضة أو الخوارج، ومن مال منهم إلى شيء من الأهواء الضالة لم يكن من أهل السنة ولا كان قوله حجة في اللغة والنحو).
وفي مكان آخر يؤكد البغدادي أن المازني كان من أهل السنة والجماعة وأنه لم يخلط دينه بشيء من بدع الروافض ولا الخوارج أو القدرية قال: (الخليل ... والمازني والمبرد ... وغيرهم من أئمة الأدب لم يكن بينهم أحد إلا وله إنكار على أهل البدعة شديد وبعد عن بدعهم بعيد، ولم يكن في مشاهيرهم من تدنس بشيء من بدع الروافض أو الخوارج أو القدرية).
ولقد كان المازني حجة ومرجعًا في النحو واللغة، انتهت إليه رئاسة مدرسة البصرة في عصره ولم يتعنت في الرواية عن أبي شاء فقد روى عن الملوي المعتزلي، وأخبر عن القدرية والثنوية، وأخذ عن الأصمعي، وعزى بعض الهاشميين شعرًا، وروى عن الرضا وقد أخبر عن الإمام عليّ رواية وعن مُعَاوية بن أبي سفيان وفي الخبر مدح لمعاوية فلو كان اماميًا رافضيًا أو فاطميًا -كما ادعى البيهقي- متعصبًا لتحرج من ذكره، فضلًا عن خبر مدحه.
وليس هناك ما يدعو إلى العجب، فسبيل أبي عُثمَان في هذا سبيل كل الأئمة العلماء والرواة الذين عاشوا في العصر العباسي الأول، فقد كانوا مسلمين لا يخلطون إسلامهم بشيء من البدع والضلال ولا يضير بعد ذلك -أن يروى الإمام خبرًا عن فاسق أو مسلم، عن ملحد أو مؤمن، أحبوا الصحابة واحترموهم وأجلوا أهل البيت ووقروهم، ولم يفرفوا بينهم، وإنما صرفوا همهم إلى العلم والأدب والتحصيل" أ. هـ.
وفاته: سنة (247 هـ) وقيل (248 هـ) وقيل (249 هـ) سبع وأربعين وقيل ثمان وأربعين وقيل تسع وأربعين ومائتين.
من مصنفاته: كتاب "التصريف"، و "ما تلحن فيه العامة"، و"العروض".




مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید