المنشورات

أبو عليّ الفَارسي

النحوي، اللغوي، المفسر المقرئ: الحسن بن أحمد بن عبد الغفّار، الفارسي الفَسَوي، أبو عليّ، صاحب التصانيف.
ولد: سنة (288 هـ) ثمان وثمانين ومائتين.
من مشايخه: عليّ بن الحسين بن معدان، وأخذ عن الزجّاج وغيرهما.
من تلامذته: عبيد الله الأزهري، وأبو محمّد الجوهري، وأخذ عنه ابن جِنِّي وغيرهم.
كلام العلماء فيه:
* تاريخ بغداد: "صنف كتبًا عجيبة حسنة لم يسبق إلى مثلها واشتهر ذكره في الآفاق، وكان متهمًا بالاعتزال" أ. هـ.
* إنباه الرواة: "كان متهمًا بالاعتزال وقال أبو عليّ الفارسي ما أعلم أن لي شعرًا إلا ثلاثة أبيات في الشيب هي:
خضبت الشيبَ لمَّا كان عيبًا ... وخضب الشيب أولى أن يعابا
ولم أخضب مخافة هَجْرِ خِلٍّ ... ولا عيبًا خشيت ولا عتابا
ولكنَّ المشيبَ بَدا ذميمًا ... فَصيَّرتُ الخضاب له عقابا
* وفيات الأعيان: "كان إمام وقته في علم النحو، وعلت منزلته حتى قال عضد الدولة: أنا غلام أبي عليّ الفسوي في النحو" أ. هـ.
* الوافي: "وحكى ابن جني عن أبي عليّ أنه كان يقول: أخطئ في مائة مسئلة لغوية ولا أخطئ في واحدة قياسية" أ. هـ.
* السير: "ومصنفاته كثيرة نافعة، وكان فيه اعتزال" أ. هـ.
* ميزان الاعتدال: "كان متهمًا بالاعتزال لكنه صدوق في نفسه" أ. هـ.
* تاريخ الإسلام: "ولد بفَسَا وقدم بغداد وسكنها .. ودخل الشام وأقام بطرابلس ثم بحلب، وقدم سيف الدولة، ثم رجع إلى بغداد وأقبل على الاشتغال والتصنيف، وعلت منزلته في النحو حتى فضَّله بعض تلامذته على المبرد، وخدم الملوك ونفق عليهم ... وكان مُتهمًا بالاعتزال" أ. هـ.
* البداية والنهاية: "اتهمه قوم بالاعتزال، وفضله قوم من أصحابه على المبرَّد" أ. هـ.

* نفخ الطيب: "ذكر أبو حيان التوحيدي: أنه كان يشرب ويتخالع ويفارق هدى أهل العلم" أ. هـ.
* قلت: وقد ذكر الدكتور رفيدة في كتابه "النحو وكتب التفسير" نصوصًا على ميله للاعتزال، مع الهوامش بقوله: "أغلب المراجع التي ترجمت لأبي علي تقول: وكان متهمًا بالاعتزال، وهي عبارة تتفق عليها هذه المراجع ولا تزيد، فيبدو أن اعتزاله لم يكن معلنًا ولا ظاهرًا وقد رأيت في الإغفال ما يوحي بأنه كان يميل إلى هذا المذهب وذلك في تعليقه على ما ذكره أبو إسحاق في تفسير قوله تعالى: {قَال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيكَ قَال لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَال سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} (1). فقد فسر مفردات هذه الآية تفسيرًا عامًا بالمعروف عن عقيدة أهل السنة والجماعة، دون نقاش، ففسر- تجلى مثلًا "بان" فقال: "فلما تجلى ربه للجبل وبان .. " (2) ثم أجمل معنى الآية بما يؤكد هذه العقيدة وحكى عن قوم أن سؤال موسى - عليه السلام - ربه كان متعلقًا بأمر عظيم لا برؤيته سبحانه وأن معنى "تجلى ربه" تجلى أمر ربه، وقد رد أبو إسحاق هذا التأويل وقال: إنه غير معروف في اللغة قال: "وأنا أول المؤمنين بأنك لا ترى في الدنيا، وقال قوم: "وهذا معنى أرني أنظر إليك أرني أمرًا عظيمًا لا يرى مثله في الدنيا مما لا يحتمله نبيه موسى، قالوا فاعلمه الله أنه لا يرى ذلك الأمر، ومعنى فلما تجلى ربه للجبل أي تجلى أمر رب، وهذا خطأ لا يعرفه أهل اللغة ولا في الكلام دليل على أن موسى - عليه السلام - أراد أن يرى أمرًا عظيمًا من أمر الله تعالى وقد آتاه الله من الآيات ما لا غاية له بعده" (3).
وهذا التأويل الذي رفضه أبو إسحاق هو معنى قول المعتزلة في تأويل هذه الآية وعليه يدور نظرهم لاعتقادهم استحالة الرؤية في الدنيا والآخرة وهي إحدى المسائل الأساسية في الخلاف بينهم وبين أهل السنة، وقد نسب الإمام القرطبي (4) تقدير المضاف في "تجلى ربه" على النحو السالف إلى قطرب وغيره، وقطرب معروف باعتزاله (5) والمذهبان يتفقان على استحالة الرؤية الجسمية المحددة الحاصرة.
وقد أثار قول أبي إسحاق في هذه الرواية أبا علي فوصفه بالتحامل وعرض به ولم أره يصفه بذلك في غير هذا الموضع، مما يدل على أن القوم الذين رد عليهم أبو إسحاق يعنيه أمرهم بهم ارتباط وهم المعتزلة، قال: "قال أبو علي أقول: إنّ ما ذهب إليه من تخطئة من قال: إن معنى "فلما تجلى ربه للجبل" تجلى أمر ربه للجبل وأن ذلك لا يعرفه أهل اللغة فاسد، وفشو هذا في اللغة وكثرته واشتهاره فيها أظهر وأوضح من أن يخفى على المبتدئين بالنظر في اللغة وفضلًا عن المتوسطين ومن جاوزهم، أنه لتعريض واضح، ثم "وفي التنزيل من هذا ما لا يضبط كثرة، وقد حكى النحويون وأهل اللغة من هذا ما أغنوا عن إكثارنا فيه وإثباتنا له في هذا الكتاب" ثم ذكر بعض الآيات التي جاء فيها "أمر" مصرحًا به مضافًا للباري سبحانه وتعالى مثل {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} (1) وبعض الآيات التي لم يصرح فيها بالأمر وهو مراد بدليل نظائرها إلى أن قال: "والمضاف إليه في هذه المواضع قد أقيم مقام المضاف، وما أرى هذا الذي قاله في هذا إلا تحاملًا، ودافع هذا في اللغة كدافع الضرورات وجاحد المحسوسات في غير اللغة، وأبيات الكتاب لاشتهارها يستغني عن ذكرها، ثم ذكر شواهد شعرية بلغت سبعة من غير الكتاب لحذف المضاف، وهو على حق فيما قرره ومعروف.
ويظهر أن أبا إسحاق يعني الحذف في هذه الآية بالذات لقوله: "وهذا خطأ لا يعرفه أهل اللغة ولا في الكلام دليل ... " فمنعه لعدم الدليل لا لأنه لا يقول بجواز حذف المضاف عند وجود الدليل، ولكن أبا علي جعلها قضية عامة في حذف المضاف وشن حملته عليه، وهو من الاختلاف في الاجتهاد والتفسير لاختلاف البواعث.
وذكر أبو علي بعدما سبق اعتراضه على إنكار أبي إسحاق أن يكون طلب موسى رؤية أمر عظيم هو في غنى عنه لما أراه الله سبحانه من الآيات العظام مثل جعل العصا ثعبانًا، قال: "وأما دفعه أن يسأل موسى أمرًا عظيمًا لما آتاه الله من الآيات العظيمة فمن ذلك لا ينكر لموسى أن يطلبه وإن كان الله عزَّ وجلَّ قد آتاه من الآيات آيات باهرة لأنهم كانوا يقترحون عليه الآيات مع هذه الآيات التي أوتيها وشقالونه إياها" وقد ذكر لذلك بعض الأدلة والنظائر ولكنه ختم كلامه بالقول: "إن هذا التقدير -تقدير المضاف- إنما يحتاج إليه إذا كان السؤال أو الطلب لرؤية أمر عظيم أما إذا كان "إنما سأله عما سأله فلا حذف في الكلام" (2) والمعتزلة يجيزون أيضًا -أن يطلب موسى رؤية الله سبحانه وإن كانت مستحيلة عندهم، يقول القاضي عبد الجبار في حديثه عن هذه الآية: "وقد يسأل السائل عما لا يجوز إذا كان في ورود الجواب غرض يتعلق به أو بغيره" (3).
وعلى أي حال فإن حديث أبي علي في هذه الآية وحملته على تأويل أبي إسحاق لها يدعواني إلى الاعتقاد بأن به ميلًا إلى الاعتزال.
وقد ذكر ابن هشام أن أبا علي الفارسي قال في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} (4) أن رهبانية منصوب بفعل يفسره المذكور من باب الاشتغال وأن ابن الشجري اعترض عليه بأن المنصوب في هذا الباب شرطه أن يكون مختصًا ليصح رفعه
بالابتداء والمشهور أنه عطف على ما قبله وابتدعوها صفة ولا بد من تقدير مضاف أي وحب رهبانية، ثم قال ابن هشام: "وإنما لم يحمل أبو علي الآية على ذلك لاعتزاله، فقال: "لأن ما يبتدعونه لا يخلقه الله" (1) وقد ذكر ذلك أبو حيان أيضًا وأضاف إليه قوله: "واتبعه الزمخشري فقال: (2) وانتصابها بفعل مضمر يفسره الظاهر تقديره وابتدعوا رهبانية ابتدعوها يعني وأحدثوها من عند أنفسهم ونذروها -انتهى- وهذا إعراب المعتزلة وكان أبو علي معتزليًا وهم يقولون: "ما كان مخلوقًا لله لا يكون مخلوقًا للعبد" (3) فأبو علي معتزلي وأبو إسحاق سني سليم العقيدة وكما سلف في مبحثه -ولعل ذلك من أسباب هجومه عليه، كما هو واضح في هذا النموذج الأخير" أ. هـ.
وفاته: سنة (377 هـ) سبع وسبعين وثلاثمائة.
من مصنفاته: كتاب "الحجة" في علل القراءات، و "الإيضاح"، و "التكملة". وكتاب "التذكرة" وهو كتاب عزيز كبير الفائدة تكلم فيه على معاني آيات من القرآن وأحاديث ومعاني أبيات من أشعار العرب ومسائل في النحو والتصريف.





مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید